"من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة"، هذا القول المأثور ينطبق فعلا على وزير الداخلية السيد محمد حصاد، إذا كان الكلام المنسوب إليه بخصوص موضوع ابتزاز الدولة صحيحا، حيث سيكون هذا الكلام استمرارا لمظاهر التضييق والتحرش والتهديد التي شرع فيها، منذ مدة، ضد الجمعيات الحقوقية والأحزاب السياسية، وهو الوزير الذي كان من المفروض ألا يحشر أنفه في السياسة، باعتباره رجلا تقنيا تم إسقاطه عبر مظلة التعديل الحكومي الأول لحكومة السيد عبد الإله بنكيران، ليلبس البذلة التي فصلت على مقاسه، وليلعب دورا أكبر من دوره.. إن كلام السيد حصاد إذا صدر منه فعلا، يعتبر بمثابة ثالثة الأثافي، إنه سلوك مطعون فيه منذ البداية، أخلاقيا وسياسيا وقانونيا. لقد كان على وزير الداخلية، إذا كان يتوفر على الحجج والبراهين الدامغة، التي تثبت بالدليل الملموس، أن الأمين العام لحزب الاستقلال يبتز الدولة، أن يتوجه إلى القضاء، وليس إلى تسخير بعض الأقلام للتشهير وزرع الفتنة وتهديد سلامة المواطنين،و اللجوء إلى أساليب الماضي البائد، في تحدي سافر لدولة القانون والمؤسسات.. ألا يعتبر هذا الأسلوب، الذي كان من ورائه وزير الداخلية، تهديدا للأمين العام لحزب الاستقلال ولسمعته كرجل سياسة؟ بل ألا يعتبر ذلك تهديدا لجميع السياسيين والحقوقيين والمثقفين وغيرهم ممن لا يروق للجهة التي دفعت بالسيد وزير الداخلية إلى الإقدام على ما أقدم عليه ؟؟ الواقع أن المتتبع والراصد لسجل السيد حصاد سواء عندما كان واليا أو قبله،أو عندما أصبح وزيرا،سيكتشف دون جهد كبير أن الرجل تلاحقه تركة ثقيلة من التدبير الذي تعتريه فراغات كثيرة،والتي تدفع إلى طرح أسئلة عريضة حول مظاهر الاختلال التي ساهم فيها أو تستر عليها،وآخرها تلك التي كرست صورة سلبية للمغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان،حيث أكدت تقارير دولية ووطنية أن السيد الوزير ارتفعت أسهمه على مستوى الانتهاكات التي ارتكبتها أجهزته وبمباركته،ضد الحريات العامة وحقوق الإنسان،أليس السيد حصاد هو الذي منع أنشطة حقوقية لمنظمات حقوقية وطنية ودولية ؟؟؟ أليس السيد حصاد هو الذي اتهم المنظمات الحقوقية المغربية بخدمة أجندات خارجية وعرقلة الجهود الأمنية للدولة في مجال محاربة الإرهاب وتهديد استقرار البلاد؟؟ أليس في عهده ،عندما كان واليا على جهة طنجة – تطوان،تفجرت فضيحة "غابة السلوقية"،التي اتهم فيها بمحاولة تفويت هذه الغابة لأباطرة العقار؟؟ أليس في عهده غرقت أحياء مدينة طنجة وضواحيها،وبشكل غيرمسبوق،في ظاهرة السكن العشوائي ؟؟ أليس هو الذي وقع على قرار تفويت القطعة الأرضية لما أصبح يسمى "قضية فندق السعدي" والتي كان المفروض أن يتابع فيها قضائيا ؟؟.. لقد كان بالأحرى على السيد حصاد ألا يدس أنفه في شؤون الآخرين،ويطلق العنان لخياله الضيق باتهامهم بابتزاز الدولة،والحقيقة عكس ذلك،حيث إن "الخرجة" الإعلامية حول هذا الموضوع بالذات،تعتبر أكبر ابتزاز للأحزاب وللمجتمع ولمؤسسات الدولة،بعد أن فشلت محاولته في التأثير على المجلس الحكومي من أجل إصدار بلاغ حول حادث يدعيه ..إن دفع بعض وسائل الإعلام إلى الحديث عن ابتزاز أمين عام حزب للدولة عوض اللجوء إلى الآليات القانونية للنظر في مدى صحة أو عدم هذا الابتزاز،يعتبر أكبر تهديد تتعرض له الديمقراطية والدولة على حد سواء،إن هذه "الخرجة" لها هدف واحد وهو إسكات الأصوات المعارضة،التي تتجرأ على قول "لا" عندما تستوجب مصلحة الدولة قول "لا" . وفي جميع الأحوال،يظهر أن "الخرجة" غير الموفقة لوزير الداخلية ،تهدف إلى دفع الأمين العام لحزب الاستقلال ومعه الحزب ككل،إلى رد فعل منفعل والتسبب في صدام مجاني مع مؤسسات الدولة،وبالنهاية زعزعة التوازنات السياسية القائمة،وهو أسلوب غير مقبول من طرف مسؤول حكومي،من مهامه الأساس السهر على ضمان الأمن والاستقرار في البلد،والابتعاد عن كل تصرف قد يتسبب في الإضرار بهذه التوازنات . إن النقطة المهمة التي يجب الانتباه إليها في هذا المجال ،هي محاولة السيد الوزير لعب دور أكبر من حجمه الطبيعي،والظهور و كأنه " حامي الدولة" ومؤسساتها من أي تهديد،والحقيقة أن المتفحص في مسار الرجل يكشف زيف هذا الادعاء،حيث أقدم بإرادته أو مرغما على"أكل ثوم الآخرين بفمه " إذ نجح هؤلاء الآخرون فعلا في تصريف مواقفهم على لسان السيد الوزير،الذي بدا تائها وسط سيناريوهات غير محبوكة،فقد سبق أن دُفع إلى استغلال البرلمان،في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم،من أجل التهجم على جمعيات المجتمع المدني،ولعل الجميع يتذكر كيف وقفت قطاعات عريضة من المجتمع بما فيها الحزب الحاكم ضد السلوك المتهور للسيد الوزير على مستوى المؤسسة التشريعية،وفي هذا السياق لابد من التذكير بالخلاف الذي حصل بين أعضاء الحكومة بخصوص هذا الملف،حيث شن وزير العدل الحريات هجوما لاذعا على وزير الداخلية ،بسبب قرار منع الجمعيات الحقوقية من تنظيم أنشطتها بقاعات عمومية،و رد عليه بطريقة مباشرة بعد أن بادر إلى توزيع الملايين على الجمعيات التي تنشط في مجال حقوق الإنسان و الإعلام..لكن مع ذلك فإن السيد حصاد الذي لا شك أنه يحتمي بالتكوين التقني لإخفاء نزوعه السياسي،اختار السباحة ضد التيار موظفا بعض الأقلام في بعض المنابر الإعلامية في سعي بئيس لقلب الحقائق،وهو السيناريو الذي ظهرت صورته رديئة جدا في ادعاء ابتزاز الدولة. ولذلك يمكن القول حسنا فعلت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بالرد على السيد حصاد،ومطالبته بتقديم الحجة والدليل على ما ادعاه، لكن هذا الرد يبقى منسوبه أقل بكثير مما يريده الاستقلاليون والاستقلاليات وقطاع عريض من المجتمع المدني والسياسي والرأي العام الوطني بشكل عام،حيث الضرورة تقتضي العمل من أجل الوقوف في وجه تغول الداخلية والعودة بنا إلى ماضي تزوير إرادة المواطنين والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان،و التصدي لأي محاولة تهدف إلى استمرار منطق التحكم وتكريس الفساد والاستبداد داخل المجتمع المغربي،ومن أولويات الملفات التي يجب الكفاح من أجلها في الوقت الراهن،إبعاد الداخلية تماما عن تدبير ملف الانتخابات .. كيف يمكن تفسير قول السيد الوزير إن الانتخابات،"مرت في أجواء عادية وطبيعية،اتسمت بارتفاع مستوى الوعي عن المواطنين وبروح المسؤولية لدى كافة الفعاليات السياسية والأطراف المعنية،كما شهدت احترام الضوابط القانونية الضامنة لشفافية ومصداقية العمليات الانتخابية.."،ثم يأتي بعد مرور وقت قصير ويدعي أن الأمين العام لحزب الاستقلال حاول ابتزاز الدولة؟؟ألا يعتبر التصريح الأول مناقضا للادعاء الثاني؟؟هل ذاكرة السيد الوزير مثقوبة إلى هذا الحد حتى يتلفظ بالقول ونقيضه حول قضية واحدة؟؟ فكيف انقلبت مواقف الداخلية،رأسا على عقب،بين عشية وضحاها؟؟ إن السيد حصاد قبل أن يقدم حصيلة تدبيره الفاشل للمسلسل الانتخابي،عليه أيضا أن يقدم الحساب للشعب المغربي عن حصيلة إشرافه على قطاعات حيوية عانت من سوء التدبير والتسيب والفوضى،وفي هذا السياق لابد من التذكير بهذه القطاعات والتي تهم الإدارة الجهوية للأشغال العمومية في أقاليم فاس وتاونات وبولمان، وإدارة التخطيط والدراسات بوزارة التجهيز،وإدارة وكالة الشحن والتفريغ لميناء الدارالبيضاء وإدارة المكتب الوطني لاستغلال الموانئ،وإدارة شركة الخطوط الملكية المغربية،وولاية جهة مراكش تانسيفت الحوز،وولاية جهة طنجة – تطوان،ووكالة طنجة المتوسط، قبل أن يصبح وزيرا للداخلية. وتكفي الإشارة في هذا المجال إلى ما تداولته وسائل الإعلام خلال الفترة التي كان السيد حصاد واليا على جهة طنجةتطوان،حيث وجهت إليه أصابع الاتهام ،باعتباره "ترك مدينة طنجة تحت رحمة التسيب الأمني،والترامي على المناطق الخضراء والغابات،والتراخيص المشبوهة في مجال العقار،والاستحواذ على أملاك الدولة، والفساد الانتخابي،وتزايد سطوة أصحاب الأموال الملوثة،والتباعد بين سلطة الولاية والفعاليات الصادقة في الأحزاب والنقابات والجمعيات،وانشغال الولاية بكل ما هو أجنبي،وتحقير كل ما هو محلي،والابتعاد عن كل ما يهم الساكنة وأهالي المدينة،واحتضان كل ما هو دخيل وغريب عن خصوصيات المدينة وساكنتها، وكذا صرف الملايير في غير محلها، وتبذير مالية الدولة في الأشغال المغشوشة،والتعامل الانتخابي مع ما يُعرف بالبناء العشوائي في بني مكادة،والمدينة،والشرف،والترخيص الانتقائي بدعوى الاستثناء، والتسيب في مالية المرافق الجماعية كسوق الخضر بالجملة،وفتح الصفقات في وجه شركات وأشخاص محددين من مراكشوالدارالبيضاءوفاس.." هل هناك ابتزاز للدولة أكثر هذا الابتزاز ؟؟هل هناك تهديد لاستقرار المجتمع أكثر من هذا التهديد؟؟.. من المؤكد أن الأيام أو الشهور أو السنوات المقبلة،ستكشف مخبوء الصندوق الأسود للسيد الوزير الذي قد يعتبر نفسه من الخالدين المحصنين والمحميين،ولاشك أن السيد حصاد ارتكب أخطاء قاتلة في مشواره المهني الطويل،كما حصل لكثير من المسؤولين،ولكنه يتهرب من الوقوف أمام مرآة هذه الأخطاء،ولذلك عليه،قبل فوات الأوان،أن يتصالح مع نفسه ومع الآخرين، حتى لا يتم نسيانه كما تم نسيان وزراء الداخلية الذين سبقوه..