يرصد متتبعون للمشهد الإعلامي، تطورا ملحوظا للصحافة الإلكترونية، فقد استطاعت فرض وجودها في مدة وجيزة، حيث أصبح عدد قرائها يعد بالملايين، و يوجد في المغرب أكثر من 400 موقع صحفي إلكتروني، وما يناهز 1000 إعلامي في الصحافة الالكترونية، واستنادا إلى تقرير الموقع المتخصص في إحصاءات الانترنت ''انترنت وورلد ستيت'' فقد تضاعف عدد مستخدمي الانترنت في المغرب خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 156 مرة، وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل الصحافة الورقية، خاصة بعد ظهور عدة أبحاث تؤكد زوال الصحافة المكتوبة أو التقليدية. وأكدت دراسة أجرتها مايكروسوفت، أن العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018م على الأقل في الدول المتقدمة، كما توقع ''فيليب ميير'' في كتابه نهاية الصحيفة أن يشهد عام 2043 نهاية آخر صحيفة ورقية في أميركا، عندما يقذف بها أحد القراء جانبا بعد أن تكون قد أنهكته قراءتها. وفي غشت 2011 توقع عالم المستقبليات ''داوسن'' أن يشهد عام 2022 موت الصحافة المطبوعة، لافتا إلى أن المستقبل سوف يكون لأجهزة الكمبيوتر وال"آيباد"، لأن ذلك هو البديل للصحافة المطبوعة بسبب طبيعة المنافسة وتغير أذواق القراء. وصرح تقرير ''نظرة على الإعلام العربي 2011-2015''، الذي تم إطلاقه على هامش منتدى الإعلام العربي، أن صناعة الصحافة المطبوعة تواجه منعطفا خطرا، فقد سجلت معدلات الصحف أدنى مستوياتها خلال السنوات الأخيرة، وأفاد التقرير أن وتيرة الانتقال إلى المنصات الرقمية بشكل عام، أبطأ منها في مناطق أخرى من العالم، غير أننا نرى بالفعل بعض المجموعات الصحافية الكبرى تتخذ موقعا بارزاً في الفضاء الإلكتروني، من خلال تعزيز الانتشار والتركيز القوي على خصائص محددة عبر الإنترنت، أضاف بأن معظم الصحف تتوفر على مواقع إلكترونية، غير أن هذه الصناعة لا تزال غير ناضجة تماماً من حيث التفريق بين المحتوى الإلكتروني وتقديم عروض قيمة ومقنعة بغية تحصيل رسوم لقاء المحتوى الإلكتروني المتميز، ''فقد شهدنا تراجعاً متواصلاً وطردياً في حصة الصحافة المطبوعة في إجمال الإنفاق على الإعلان منذ عام 2007 ''. وفي سياق متصل، أفاد مدير منظّمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة الخبير "فرانسيس غيري'' أن الولاياتالمتحدة ستودّع الصحف الورقية عام 2017، لتتبعها لاحقا بقية الدول في العالم، ويرى غيري أن ما يقع اليوم هو «تغيير طبيعي»، وبما أن معظم الصحف أصبحت غير قادرة على دفع رواتب موظّفيها وتسديد كلفة الطباعة والتوزيع بسبب انخفاض عائدات الإعلانات، فإن ذلك سينعكس سلبا عليها ويقلص إمكاناتها تدريجاً وصولاً إلى الزوال النهائي. وأشار الخبير الفرنسي في مجال الإعلام ''برنار بوليه''، الذي أصدر كتابا بعنوان «نهاية الصحف ومستقبل الإعلام»، إلى وجود عوامل عدة تشكل خطرا على الصحف، أولها تزايد سلطة الإنترنت وتراجع الموازنات الإعلانية للصحف التقليدية واتجاهها نحو وسائل الإعلام الإلكترونية، إضافة إلى عدم اهتمام جمهور الشباب بالصحف المطبوعة وتغيّر أنماط التفكير والقراءة وانتصار ثقافة المعلومة المجانية، ويلاحظ ''بوليه'' أن في بعض الدول، مثل فرنسا، ما زالت هناك محاولات لإصلاح قطاع الصحافة المكتوبة وإعادة إحيائه أو تكييفه مع المتغيّرات الجديدة، لكنه يرى من موقعه كصحافي وخبير إعلامي أن ''هناك ضرورة لمناقشة فرضية اختفاء جوهر الصحف الورقية والمنعطف الذي تمر به عملية إنتاج الإعلام''. وفي مقابل ذلك، أكد خبير الإعلام الأميركي ''دان جليمور''، أن تميز الإعلام الإلكتروني لن يؤثر في مستقبل الصحافة المكتوبة، فرغم انتشار المعلومات وتداولها عبر شبكة الإنترنت، ما زال الكثير من الأفراد يحرصون على قراءة الصحف الورقية المطبوعة بما ينسجم مع العادات التي تكونت لديهم طوال حياتهم، لكن هذه الفرضية توضع اليوم أيضا على طاولة النقاش بما أن العادات الجديدة، خصوصاً لدى جيل الشباب الذي يرسم اتجاهات القطاعات الاقتصادية، ترتبط مباشرة بالأجهزة الإلكترونية الحديثة، كأجهزة الكومبيوتر اللوحية والهواتف الذكية التي تسمح بقراءة الكثير من الصحف الإلكترونية والأخبار الجديدة مجانا.