شكل صدور الأمر الاستعجالي عن المحكمة الإدارية بالرباط " القضاء المستعجل " تحولا تاريخيا في تعامل القاضي الإداري مع معضلة "امتناع الإدارة عن التنفيذ "، وذلك بمناسبة هذا الأمر القضائي في الملف رقم 6780/7101/27 أمر رقم 6890 بتاريخ 27/06/2014 الذي يعتبر محطة ايجابية سيكون له أثر إيجابي على مستوى أجرأة الأحكام الإدارية وتنفيذها. وارتأينا تخصيص هذه الدراسة لموضوع الغرامة التهديدية على ضوء الاجتهاد القضائي، حيث سنحاول كذلك استقراء هذا الأمر القضائي. لم يختلف الفقه والقضاء كثيرا في تعريف الغرامة التهديدية، وفي ما يتصل برأي الفقه تجدر الإشارة على إجماع الفقهاء على كون الغرامة التهديدية من صنع وإبداع محكمة النقض الفرنسية قبل أن يلتقطها المشرع وينص عليها قانونا، ونكتفي بإيراد تعريف للدكتور السنهوري احمد عبد الرزاق على سبيل المثال، والذي أورده في مؤلفه : "الوسيط في شرح القانون المدني" - الجزء الثاني ص 807 - إذ اعتبرها "مبلغ مالي يلزم القضاء به المدين بتنفيذ التزاما عينيا خلال مدة معينة، فإذا تأخر التنفيذ كان ملزما بدفع غرامة تهديدية عن هذا التأخير عن كل يوم أو عن كل أسبوع... أو عن كل مرة يأتي عملا يخل بالتزامه وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني، أو إلى أن يمتنع نهائيا عن الإخلال بالالتزام، ثم يرجع إلى القضاء فيما تراكم على المدين من الغرامات التهديدية... ". وبالنسبة للتعريف القضائي للغرامة التهديدية نقتصر على تعريف محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها عدد 752 بتاريخ 11/11/1977 في الملف عدد 701/76 بأنها : "وسيلة يمنحها القاضي للدائن بتمكينه من الحصول على التنفيذ العيني، ويفرضها على المدين عند تأخره عن القيام بواجباته في شكل نقدي معين عن كل وحدة من الزمن إلى أن يتم التنفيذ". وقد شكل صدور قانون إحداث المحاكم الإدارية رقم 90.41 بتاريخ 03/11/1993 ترجمة للرغبة المشرع في حماية أكثر للمواطنين من تجاوز الإدارة للقانون وتكريسا لمبدأ المشروعية ودولة الحق والقانون، وعزز هذا التنظيم فيما بعد بمحاكم الاستئناف الإدارية بمقتضى قانون 80.03 بتاريخ 23/02/2006 ، وفيما يتعلق بقواعد مسطرة التقاضي أمام هذه المحاكم فقد أحال الفصل 7 من قانون 90.41 على قواعد المسطرة المدنية، ولعل هذا هو مستند القضاء في تطبيق الغرامة التهديدية لكون الإدارة قد تتخذ موقفا سلبيا وتمتنع عن تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية ، لذلك يصدر القاضي بطلب من المتضرر الحكم مشمولا في منطوقه بالغرامة التهديدية تفاديا لفرضية امتناع الإدارة عن التنفيذ أو في أمر قضائي لاحق بعد معاينة امتناع الإدارة عن التنفيذ . ولئن كان القاضي الإداري يحكم بالغرامة التهديدية ضد الإدارة باعتبارها شخص معنوي عام إلا أنه نلمس اجتهادا قضائيا جديدا يرمي شخصنه الغرامة التهديد وصدورها ضد مسيري الإدارة الممتنعة عن التنفيذ بصفتهم الشخصية/الذاتية، ولدراسة الموضوع بتروِّ لا بد من تذييل هذه المقدمة بإشكالية نتولى الإجابة عنها في الموضوع وفق النهج السالف ذكره أعلاه ، إذن هل الحكم بالغرامة التهديدية ضد شخص معنوي عام يحقق الغاية من تنصيص المشرع عليها في الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية ؟ وما هو الأساس الذي ارتكز عليه القاضي الإداري في شخصنة الغرامة التهديدية ضد مسيري الإدارة الممتنعين عن التنفيذ من خلال أمر رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط المشار إليه ؟ ولعل التحليل المنهجي السليم يفرض تقسيم هذا الموضوع إلى مطلبين أساسيين نتطرق في الأول إلى مواجهة القاضي الإداري الإدارة الممتنعة عن التنفيذ بالغرامة التهديدية كشخص معنوي عام ، بينما نحاول بحث حيثيات صدور القرار المؤمأ إليه أعلاه في المطلب الثاني. المطلب الأول: تقييم مدى تحقيق فرض الغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام لمبتغى المشرع من سنها: نص الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي" إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف إلزاما بالامتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها. يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب علاوة على ذلك التعويض من المحكمة التي أصدرته". انطلاقا من هذا الفصل تظهر أهمية الغرامة التهديدية في كونها آلية ووسيلة لإجبار المحكوم عليه الممتنع عن تنفيذ الحكم ، وقد درج القضاء الإداري على الحكم بالغرامة التهديدية ضد أشخاص القانون العام بسب امتناع الإدارة عن التنفيذ مع التقيد بطبيعة الحال بعدة شروط وهي : أن يقتضي تنفيذ الالتزام التدخل الشخصي للمدين. أن يتم ذلك عن طريق قيامه بعمل أو امتناع عن عمل . أن يطلب الدائن الحكم بالغرامة التهديدية . عدم وجود وسيلة تنفيذ بديلة أخرى للغرامة . في هذا الصدد اعتبر المجلس الأعلى في قراره عدد 531 بتاريخ 22/02/1989 المنشور بمجلة ق.م.أ عدد مزدوج 42 43 ص 35 : "أن الغاية من الغرامة التهديدية هي إجبار المحكوم عليه ليقوم بتنفيذ ما يقتضي تدخله شخصيا من القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ، وهو ما يقتضي أن يكون العمل المطلوب منه يدخل في دائرة الإمكان... أما الحكم بتصفية هذه الغرامة في شكل تعويض فلا يمكن إلا إذا كان امتناعه عن التنفيذ ليس له ما يبرره" . وتجدر الإشارة إلى أن الشرط الأخير المشار إليه أعلاه يغل يد المحكوم له المستفيد من الحكم القضائي في طلب الحكم بها إذا كان بإمكانه الحصول على التنفيذ بوسائل جبرية أخرى و ينم هذا عن التشدد في اللجوء للغرامة التهديدية ، فالمحكوم لفائدته له الحق قانونا في اختيار أي وسيلة يراها تناسبه لإرغام الممتنع عن التنفيذ طالما أن المشرع في تنصيصه على وسائل التنفيذ الجبرية لم يضع أي ترتيبا لها يلزم بإتباعه، كما أنه ليس صائبا خاصة وأن هذا التشديد يعتبر بحق تخفيفا على الممتنع عن التنفيذ وهو الذي يحاول النيل من قوة الأحكام وإهدار حجيتها ، لكن من جهة أخرى ليس مناسبا الجمع بين وسيلتين جبريتين للتنفيذ في مواجهة امتناع تنفيذ حكم وحيد . وإذا كان القضاء الإداري المغربي استقر على موقف شرعية فرض الغرامة التهديدية على الإدارة الممتنعة عن التنفيذ باعتبارها شخص من أشخاص القانون العام مستندا على إحالة المادة 7 من قانون إحداث المحكم الإدارية على قواعد المسطرة المدنية فإنه لزم أن نتساءل عن مدى فعاليتها في إجبار الإدارة على الامتثال لمنطوق الحكم أو القرار القضائيين؟ وقد أحسن القضاء الإداري صنعا بإقرار الغرامة التهديدية على الإدارة الممتنعة عن التنفيذ اعتمادا على التفسير الواسع للفصل 7 من قانون إحداث المحاكم الإدارية ، لكن وإن كان يبدو للوهلة الأولى جدية هذا الاجتهاد واستقامته إلا أن الفقرة الأخيرة من الفصل 488 من ق.م.م التي تنص على أنه لا يقبل التحويل والحجز جميع الأشياء التي يصرح القانون بعدم قابليتها لذلك تفرغ مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية من محتواها فيما يخص تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة ضدها بالغرامة التهديدية ضد أشخاص القانون العام لأنه لا يتأتى تصور التنفيذ الجبري ضد الإدارة بصفة عامة ولا الحجز على أموالها وهنا تثار إشكالية أمام مبدأ قائم وهو سيادة القانون ومدى خضوع الجميع له وفق تعبير الفصل 126 من الدستور وهنا يخفت وهج الغرامة التهديدية الصادرة ضد أشخاص القانون العام وتحد فعاليتها أثناء التنفيذ ، لكن هل من مخرج للمتقاضي يسلكه أمام هذه البوابة الموصدة ؟ ذلك ما سنتناوله في المطلب الموالي في دراستنا للحيثيات الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 27/06/2014. المطلب الثاني: مرتكزات الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط أمر رقم: 6890 في الملف عدد:6780/7101/2014 بتاريخ 27/06/2014. هذا الأمر قضى في منطوقة" نأمر بتحديد غرامة تهديدية في مواجهة ....بصفته الشخصية في مبلغ 500.00 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ في الملف عدد.... وذلك ابتداء من تاريخ الامتناع الذي هو 28 ماي 2014 والى غاية يوم التنفيذ مع الصائر" ونشير إلى أن محاولة القاضي الإداري شخصنة الغرامة التهديدية في المغرب تعود جذوره إلى سنة 1995 حينما أصدر رئيس المحكمة الإدارية بمكناس بصفته قاضيا للمستعجلات حكما على رئيس المجلس القروي لتوفنيت بصفة شخصية بغرامة تهديديه مبلغها 500,00 درهم عن كل يوم تأخير نتيجة امتناعه عن تنفيذ الحكم القضائي عدد18 بتاريخ 1/6/1995 حائز لقوة الأمر المقضي في غياب أية وسيلة بديلة لإرغامه على الرضوخ لمقتضيات الحكم المذكور بإرجاع الموظف ...إلى وظيفته ، أي إلى الحال الذي كان عليه قبل الحكم بإلغاء مقرر العزل ، لكن الغرفة الاستئنافية الإدارية بالمجلس الأعلى آنذاك أقدمت في قرارها عدد 235 بتاريخ 11/03/1999 على إلغاء الغرامة التهديدية في مواجهة المدعي عليه رئيس الجماعة لتوفنيت بعلة : "أنه لا يجوز إجبار الإدارة على تنفيذ حكم قضائي عن طريق الغرامة التهديدية ، وأن للمتضرر من امتناع الإدارة عن التنفيذ أن يلجأ إلى القاضي لطلب التعويض عن الأضرار الناتجة عن ذلك"، وهو القرار الذي أورده ذ محمد لمعكشاوي في كتابه :"الغرامة التهديدية في التشريع المغربي بين النظري والعملي" - الطبعة الأولى 2010 ص 25 و26 . لكن ما يجعل الأمر ألاستعجالي لمحكمة الرباط مهما ويدفعنا لاستقرائه هو أنه استند في تعليله على بعض المستجدات الدستورية والتشريعية، وهذا ما برز نوعيته في تعامل القاضي الإداري مع معضلة "امتناع الإدارة عن التنفيذ " . أولا : ملخص وقائع هذا الآمر: تقدمت الطالبة... بمقال استعجالي بتاريخ 03/06/2014 تعرض فيه أنها تشتعل كأستاذة جامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة... بعد استيفاءها الشروط الضرورية والمدة المطلوبة تقدمت بطلب الحصول على شهادة التأهيل الجامعي وبعد موافقة عميد الكلية المعنية ، واجتيازها للمباراة وانتهت مناقشة أعمال الطالبة بنجاحها وحصولها على شهادة التأهيل الجامعي بتاريخ 05/07/2011 ، وبناءا عليه تقدمت بتسوية وضيعتها الإدارية إلى عميد الكلية وقررت اللجنة العلمية بالكلية قبول طلبها إلا أن رئيس الجامعة رفض عرض الطالبة على اللجنة المختصة ، فالتجأت إلى المحكمة ، واستصدرت عنها حكما بتاريخ 06/12/2012 في الملف عدد 193/05/2012 قضى بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من اثأر قانونية وبأداء الجامعة درهم رمزي ، وبعد استئناف الحكم صدر قرار قضى بتأييده ، وأمتنع رئيس الجامعة عن التنفيذ ، لدى تلتمس الأمر بتحديد غرامة تهديدية في شخص الممثل القانوني لجامعة... في مبلغ 2000,00 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ وبعد تصريح دفاع الطالبة مفاده أن موكلته تهدف إلى تحديد غرامة تهديدية في مواجه رئيس الجامعة بصفة شخصية وليس في مواجهة الجامعة كشخص معنوي عام . ثانيا: مرتكزات تعليل هذا الآمر الرئاسي: وإذا كانت مسألة الاختصاص قد استقر العمل القضائي على اختصاص رئيس المحكمة بتحديد الغرامة التهديدية فإنه لا حاجة لإطالة النقاش حوله، سيما أن ما يسلب اهتمامانا هو المستجدات الدستورية والتشريعية المعتمدة في تعليل هذا الآمر وهذا ما سنتعرض إليه. الفصل 126 من دستور 2011 : ينص الفصل 126 من الدستور صراحة على أن الأحكام والقرارات القضائية ملزمة للجميع ولفظة "الجميع" تشمل كل من يفترض صدور الحكم ضده ومن كان ملزما بتنفيذه، سواء كان شخصا طبيعيا/ ذاتيا، أو أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص، ولم يعد مقبولا أن تحتج الإدارة بأي سبب طالما أن المسألة حسمت بمقتضى دستوري صريح، وقد صدرت عدة قرارات قضائية قبل إحداث المحاكم الإدارية ترفض الحكم بالغرامة التهديدية بعلة أن القضاء لا يوجه الأوامر للإدارة، منها قرار محكمة الاستئناف بالرباط،الذي أورده ذ.عبدا لله درميش في مجلة "المحامي" الصادرة عن هيئة المحامين بمراكش بالعدد 6 "ص 94 "، استنادا على الفصل 25 من ق.م.م، الصادر بتاريخ 28 شتنبر 1974 ، حيث جاء فيه: "إن الدعوى بأداء غرامة تهديدية المرفوعة إلى قاضي المستعجلات ضد الدولة المغربية وشركة التلفزة معا وتضامنا تتعارض مع عدم إمكان المحاكم المغربية إصدار أوامر إلى الإدارات العمومية "، وقد أحسن التشريع والقضاء معا حينما صححا الموقف الذي كان سائدا، والذي يعتبر هذا القرار من عناوينه. وجاء في هذا الأمر موضوع مناقشتنا ما يلي: " كما أن موقف المشرع الدستوري ل29 يوليوز جاء حاسما بشكل نهائي وواضح عندما أقر هذا التوجه بمقتضى الفصل 126 من دستور المملكة الذي ينص على أن الأحكام القضائية النهائية تعتبر ملزمة للجميع "، ويظهر حسن توظيف الفصل وتطبيقه في هذه الحيثية . 2) الفصل 32 من ظهير إحداث مؤسسة الوسيط: رغم أن مؤسسة الوسيط استحدثت قبل دستور2011 والتي عوضت مؤسسة ديوان المظالم، إلا أن التنصيص عليها في الدستور جعلها تحتل مكانة مهمة فيه، والتي منحت اختصاصات مهمة، إذ نص الفصل 162 من الدستور على أن: " الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية". ومن خلال هذا الفصل يظهر أن المشرع الدستوري في صياغته له يضع في اعتباره معطى عدم التوازن بين الإدارة بشكل عام من جهة والمواطن من جهة أخرى، ووعيا منه بوجود أزمة حقيقة في مسألة استفادة المواطنين من خدمات المرافق العمومية مما يتحتم إعمال مبدأ سيادة القانون وإشاعة العدل والإنصاف، ولن يكون ذلك بطبيعة الحال إلا بوجود مثل هذه المؤسسة المستقلة إلى جانب قضاء إداري كفء وجريء يستنبط معاني ومقاصد المشرع ويعمل على ترجمتها وتثبيتها واقعا درءا لأي شطط أو تعسف . وتنص المادة 32 من الظهير الشريف رقم 1.11.25 الصادر في ربيع الأول 1432 (17 مارس2011) بشأن إحداث مؤسسة الوسيط :" إذا اتضح أن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة الإدارة ، ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو موظف أو عون تابع للإدارة المعنية، أو بإخلال بالقيام بالواجب المطلوب منه، من أجل تنفيذ الحكم المذكور، قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية، لاتخاذ ما يلزم من جزاءات لازمة ومن إجراءات في حق المعني بالأمر. كما يمكنه إن يوجه إلى الإدارة المعنية توصية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية، وإن اقتضى الحال توصية بإحالة الملف إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون، في حق المسؤول أو الموظف أو العون الذي تأكد أنه المسؤول عن الأفعال المذكورة، وفي هذه الأخيرة يخبر الوسيط الوزير الأول (رئيس الحكومة) بذلك". وقد جاء الاستناد على هذا الفصل بشكل واضح في إبرز حيثية معتمدة من طرف رئيس المحكمة كما يلي: " وحيث من جهة أخرى ، فإن ما أضحى يزكي هذا التفسير هو اتجاه المشرع بوضوح من خلال ظهير 17 مارس 2011 بشأن إحداث مؤسسة وسيط المملكة، نحو شخصنه امتناع الإدارة غير المبرر عبر مسؤوليها عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها، حيث نص الفصل 32 منه على عدة إجراءات وجزاءات يتعين أن يتخذها وسيط المملكة في حق المسؤول أو الموظف الممتنع عن التنفيذ بدون مبرر، بدءا بإخبار الوزير المعني بذلك ومرورا برفع تقرير إلى رئيس الحكومة أو إصدار توصية بمتابعته تأديبيا، وانتهاء بالدفع إلى متابعة المسؤول أو الموظف المذكور جنائيا عند الاقتضاء ". إن مسألة امتناع أشخاص القانون العام عن التنفيذ أصبح معضلة حقيقة، فالأحكام والقرارات التي تمتنع الإدارة عن التنفيذ تصل لأرقام ونسب مهولة وتبقى بدون أثر على المستوى الواقع رغم كونها باتة واستجماعها لحجية الأمر المقضي به. وتتمثل أهمية هذا الأمر في كونه وسيلة لدفع المسؤولين الإداريين على التنفيذ خوفا من أن تمس الغرامة التهديدية أثناء تصفيتها برواتبهم . ومن خلال تعليل هذا الأمر يتبين أنه اعتمد على اتجاه المشرع نحو شخصنة الامتناع عن التنفيذ بالنسبة للإدارة في شخص مسؤوليها من خلال مقتضيات القانونية المنظمة للوسيط، " الفصل 32 "، حيث نرى أن طريقة صياغته والعبارات المستعملة من طرف المشرع يؤكد ميله إلى اعتماد مقاربة جديدة نحو شخصنة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، فإذا كان الوسيط كمؤسسة مستقلة متاحة لها القيام بمجموعة من الإجراءات بقصد تأديب الممتنع عن التنفيذ كشخص ذاتي، بل ومتابعته جنائيا، فإن السلطة القضائية هي الأجدر بالعمل على احترام حجية وهيبة ما قضت به، وبلا شك الاستناد على هذا الفصل في تقديرنا له ما يبرره من الناحية الواقعية، لكون الطالبة حصرت بشكل دقيق الجهة الممتنعة عن التنفيذ (رئيس الجامعة بصفته الشخصية) وطلبت الأمر بتحديد الغرامة التهديدية ضده ، وقد أحسن رئيس المحكمة حسن تطبيقه، بل يعتبر هذا الأمر القضائي بحق اجتهادا مواكبا للمستجدات الدستورية والتشريعية، خاصة وأن الحكم بالغرامة التهديدية ضد شخص معنوي عام أصبح تعترضه مشاكل في تصفيتها، إلى جانب أن السلطة القضائية أصبحت مستقلة بمنطوق الدستور - ولو نظريا في انتظار ما ستسفر عنه مشاريع القوانين المكملة والمترجمة لفصول الدستور ذات الصلة بها، وبالتالي لا مجال للممارسة "الولاية" أو "الوصاية الإدارية" على عملها والمقرات الصادرة عنها ولا يتطلب الأمر إلا الجرأة في تطبيق القانون. وتأسيسا عليه يجدر بنا القول إن الغرامة التهديدية لها أهمية بالغة في تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية عموما والإدارية خصوصا، ولئن كان القضاء الإداري في بداياته الأولى لحماية قوة وحجية أحكام وقرارات القضاء كانت تدخلاته محتشمة، إلا إن المحاكم الإدارية ساهمت فيما بعد وبشكل كبير في توفير تراكم لا بأس به مكن من إعطاء تشخيص للوضع انساب وتفاعل معه المشرع في صياغته لكثير من القوانين، ولم يتوان القاضي الإداري في التقاط الإشارات وبشكل حكيم ممثلة في عدة قرارات هي عنون وبداية لاجتهادات لا محالة سيمكن من ترجمة الفصل 126 من الدستور كجواب عن الواقع المقلق في انتظار موقف جاد من محكمة النقض يواكب تطلعات وآمال المجتمع في دولة الحق والقانون.