تقاليد وأدبيات الجلوس على المائدة، تعلمناها من البيت، من نصائح الأب والأم، والمعلم أيام كان المعلم موسوعة تعليم وتربية وآداب، تعلَّمنا أن غسل اليدين نظام عسكري لا يمكن إهماله أو نسيانه أو التغاضي عنه... وإن حصل الغلط فتلك الطامة الكبرى... صفعة تعيد الغافل إلى الرشد، أو حرمان من الأكل على مائدة الطعام.. لقنونا البسملة، وعدم الكلام أثناء الأكل وعدم حشو المعدة عن آخرها، فالثلث للطعام والثلث للماء والباقي للهواء.. قانون أساسي ونظام داخلي لسير مائدة الطعام.. لن أتكلم عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي غيرت كل الثوابت، فتلك رهانات وواقع لا يرتفع، أن نأكل في المكتب، والشارع والحافلة.. والحمد لله أننا لا نفعلها في المرحاض... لأن عصر السرعة أباح كل شيء، .. حتى المحظورات أباحها ولو لم تفرضها ضرورات.. لكن هل جربتم، أو بالأحرى عشتم وافداً آخر للعبث بأدب مائدة الطعام وخصوصياتها.. جربتم أن تضع الأم أو الأخت أو الزوجة، أي ربة البيت عموما، طبق الأكل على مائدة الطعام... وتمنع الجميع من الشروع في الأكل. أو لمس الطبق حتى تحضر هاتفها النقال، تُشغِّل كاميرا الواتسب وتشرع في التصوير... وويح لمن تترامى يده إلى الطبق قبل الانتهاء من أخذ الصور... ويصعب الأمر أكثر إذا كانت معدة الطبق مبتدئة أو كان الطبق وصفة تقليدية مغربية (الرفيسة، البسطيلة، الكسكس..) وتنتهي وصلة التشويق والتصوير، ولا يشرع في الأكل إلا بعد أن تطمئن السيدة أن الصورة وصلت إلى مرماها... وحققت هدفها.. إنه سيناريو أصبح معتادا في كل بيت ترتبط فيه ربة المنزل أو من يعد الطعام فيه، بمواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص الفيسبوك والانستغرام، حيث لا يمر يوم دون أن تجد عشرات الصور لأطباق يومية أعدتها وصورتها نساء بأسماء مستعارة، »فتكات« أو »مولاتي« وسواء أن أُخذت الصور ببيت الأهل أو كانت بصدد تناولها في مطعم.