قصائد جميلة كانت ستضيع ويطويها الزمان، لشاعر من تواضعه تمنى لوكان شاعرا هو ذ. الهاشمي الهواري، لولا أن الله قيض لها باحثا نذرنفسه لجمع وتحقيق التراث الأدبي والعلمي المراكشي الحديث والمعاصربدأب ومثابرة نادرين، إذ توجهت همة ذ. أحمد متفكرلهذه الغاية منذ عقود واستطاع أن ينجزحتى الآن حوالي أربعين مؤلفا تخلد ذلك التراث القيم، وكان آخرها هذا الكتاب الذي أهداني مشكورا نسخة منه، والذي اختارله عنوانا " ليتني كنت شاعرا" وهوأحد عناوين قصائد الديوان الذي يضمه هذا الكتاب، مع تمهيد، وترجمة للشاعرالهاشمي الهواري، وكلمة ابنه ذ. عبد الرحيم، وكلمة أخرى لابنه ذ. طارق. يقول ذ. أحمد متفكر: " والمرحوم بكرم الله تعالى الأستاذ الهاشمي الهواري من أعلام التربية والتعليم بمدينة مراكش، ومن شعرائها ومثقفيها الذين كان لهم حضورفي الساحة الثقافية. ولم يكن رحمه الله يهتم بجمع شعره وتدوينه وتنقيحه، شأنه شأن العديد من شعراء مراكش، ولهذا فقد ضاع الكثيرمن شعره ولم يبق منه إلاما هوبين يديك عزيزي القارئ". نبذة عن الشاعرالهاشمي الهواري الهاشمي بن محمد بن الهاشمي الهواري، الفيلالي الأصل، المراكشي الميلاد والنشأة والمدفن. ولد بمدينة مراكش بحي سيدي عبد العزيزدرب وايحاح عام 1350ه موافق 1931 م. وهووحيد أبويه من الذكور. تلقى تعليمه الأولي بكتاب الحي، ثم بمدرسة الحياة الحرة بحي المواسين درب اسنان، ثم التحق بجامعة ابن يوسف ودرس على شيوخها السادة : الرحالي الفاروق، محمد بن عبد الرازق، محمد الكيكي، مولاي إبراهيم السليطين، مولاي الصديق العلوي، محمد عماد الدين، عبد السلام المسفيوي وغيرهم. وفي نفس الوقت كان يحضردروس العلامة محمد المختارالسوسي بمدرسته بالرميلة، حي باب دكالة لمدة تقرب من ست سنوات. انخرط في سلك التعليم الابتدائي وتدرج في أسلاكه من معلم ثم مفتش في السلك الابتدائي بتزنيت، ثم عين أستاذا بالسلك الإعدادي بمدينة مكناس، ثم مديرا بنفس المؤسسة ثم رئيسا لرابطة المديرين بالمغرب إلى أن أحيل على التقاعد. وبعد تفرغه من الأعمال الإدارية التربوية مارس خطة العدالة لفترة قصيرة لم يحررفيها من العقود إلا عددا قليلا يعد على رؤوس الأصابع. لقد رزقه الله من الصفات الحسنة، والأخلاق الكريمة ما جعله محببا عند الجميع، بشوشا لاتفارق الابتسامة محياه، وكأن الشاعرعناه بقوله : إذا جئته في أي حال تريده تراه بشوشا باسما متهللا مع شئ من الدعابة والمرح، وكان ظاهره كباطنه. أما مواقفه الوطنية فكانت ثابتة على مبادئ حزبه حزب الاستقلال لكنه كان متفتحا على كل الأحزاب دون تعصب ولاتطرف، تجمعه علاقة الود والاحترام مع أعضائها، كان من الأطرالفاعلة داخل حزبه، والمساهم في جل التظاهرات الحزبية، وقد عين سنة 1957 مفتشا للحزب بمنطقة سوس. وعمل واعظا تابعا للمجلس العلمي بمراكش منذ سنة 1402 ه / 1982م، وعضوا بالرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، وخطيبا للجمعة إلى جانب مشاركته في الأنشطة العلمية والثقافية التي يقوم بها المجلس العلمي ونظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمراكش. كرم من طرف ثلة من أصدقائه بشراكة مع المجلس العلمي لمراكش. وتوفي صبيحة يوم الأحد 7شعبان 1443موافق 16يونيه 2013م، ودفن بمقبرة الشيخ أبي العباس السبتي بعد صلاة العصر، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح الجنان. الهاشمي الهواري الشاعر يقول ذ.أحمد متفكر:"بدأ ينظم الشعروهوطالب لم يتجاوزسنه الرابعة عشرة سنة من عمره، حيث كان يشارك بقصائده في المناسبات الوطنية والدينية، إما بإلقائها على أمواج الإذاعة المغربية، أونشرها في الصحف والمجلات المغربية كمجلة دعوة الحق، ومجلة الإيمان. منذ أحيل على التقاعد وذ.أحمد متفكريشجعه على جمع شعره وطبعه، وكان يعد بالشروع، وتمرالشهورويعيد عليه الفكرة فيجيب نفس الجواب إلى أن رحل عن الدنيا دون أن يهتم بالموضوع. لكن قيض الله تعالى لهذا الشعرأن يرى النورعلى يد أبنائه البررة الذين طلبوا من ذ. أحمد متفكرالعمل على إخراج هذا الديوان ليبقى وسام فخرللأسرة الهوارية، وليبقى اسم الأستاذ الأديب الهاشمي الهواري تردده الأجيال كأحد شعراء هذه المدينة الساحرة. وقد رتب ذ. متفكرالقصائد حسب سنة نظمها، ووضع القصائد غيرالمؤرخة في نهاية كل غرض من الأغراض الشعرية. يقول:" وفي الأخيرفأنا أحزربأن هذه الباقة المتبقية من شعرالشاعرلاتمثل حياته الشعرية، فإما أن يكون قد أتلف بعض القصائد، أوأنه لم يحتفظ بها، وعلى كل فهذه القصائد الباقية ستعطي صورة عن الأستاذ الهاشمي الهواري الشاعروالإنسان" (17). . والمطالع لهذا الديوان العبق بشذى الحب والقيم الإنسانية الرفيعة، لابد أن يتأثربصدق الشاعرالهاشمي الهواري ورهافة إحساسه وجمالية لغته الشعرية وصوره البلاغية وسلاسة قصائده وعذوبة ألفاظه ولطافة خياله الشعري، وقد قسم ذ. متفكرالديوان إلى قصائد عائلية وأخرى دينية وعرشيات ووطنيات ومديح وإخوانيات ورثاء وهجاء ومختلفات. وهذا تنويع جميل وسعة كبيرة تدل على قدرة الشاعرعلى نظم قصائد في مختلف الأغراض الشعرية، وقد اختارمن بحورالشعرالعربي الأصيل: الخفيف والكامل والطويل والبسيط والرمل ومجزوءه، لكن البحرالشعري المهيمن على الديوان هوالطويل. يقول الشاعرفي مطلع قصيدته " في رحاب المولد الشريف" : سعد الزمان وعمت الآلاء في مولد راقت به الأنحاء ميلاد خيرالعالمين محمد من جاء أسوة دأبه العلياء جاء الرسول بشرعة وهداية فازدانت الدنيا وعم رخاء سئم الأنام ترديا طال الورى فأتى الخلاص وأشرقت أضواء صالت جهالة قبله وتوتر وطغت جحافل شأنها الإيذاء تطاولوا لايرعون عهدا وذمة ولارادع يثني وما لهم إصغاء وتناسوا تعاليم الشرائع والهدى فساءت ظروف واستبان الداء حتى أنارالكون دين محمد فهدى الأنام وزالت الظلماء قد جاءه القرآن أعظم معجز يبقى الزمان وإنه لشفاء يتألف هذا الكتاب الذي أعده وعلق عليه ذ. أحمد متفكرمن 216صفحة من قطع كبير، وقد صدرعن المطبعة والوراقة الوطنية في مراكش.