تحتاج المرأة في فرنسا وهي تقف على حصيلتها الحقوقية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة إلى أكثر من مراجعة لوضعيتها حيث "الاختراقات" التشريعية والدستورية التي تحققت حتى اليوم بعد نضال عمره نصف قرن أو يزيد، لم ترق لمستوى تطلعات المرأة في العيش بكيفية متساوية في الحقوق السياسية والاجتماعية مع الرجل. وبالعودة إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يكن مدهشا في شيء، أن يضفي جميع المرشحين طابعا نسويا على حملاتهم. فما من مرشح إلا وتباكى على حقوق المرأة الضائعة في السياسة والاقتصاد والشغل. وجميعهم وعدوا بالتغيير من أجل مكاسب متزايدة فى التمثيل الحكومي والبرلماني وعلى مستوى الوظائف العليا. وقد تصاعدت حمى المنافسة لكسب أصوات النساء اللواتي يشكلن 52،5 % من النسيج السكاني الفرنسي، بين يمين يعتبر المرأة أقوى قاعدة لبناء المجتمع وتغييره وتحصينه، ويسار يعارض بقوة إبعاد المرأة عن الفعل السياسي والاقتصادي نظرا لأهميتها في تفعيل المجتمع وتزويده بقيم متطورة تؤمن بالتغيير والمعاصرة، ووسط يؤمن بقدرة المرأة على المبادرة والفعل، وبمكانتها كشريكة فاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية، ويمين متطرف يتساءل بشيء من الحسرة الانتخابية :"هل يليق بفرنسا تعميق وتكريس صورة المرأة الجسد، بدل المرأة التخيل والإدراك والابتكار والمسئولية..؟ وهل يليق بفرنسا أن يرسخ الخطاب السياسي في أذهان الفرنسيين فقط الصورة التقليدية للمرأة كأم وربة بيت وجسد؟. ولم يفوت أحد من المرشحين المناسبة الانتخابية للإثناء على المرأة التي "لا حضارة ولا نهضة بدونها"..غير أن النساء وهن يتابعن بتقزز وحسرة الحملة الانتخابية، كن يدركن في معظمهن، أن المرشحين هم في حالة "تسول انتخابي" يبعث على الشفقة. فبعد مرور ستين سنة من الكفاح، لم يحدث تغيّر كبير في حياتهن، حيث تمثيلهن علي المستوى الانتخابي (مجالس، جماعات، محافظات، برلمان..) وعلى مستوى مواقع السلطة ما زال متدنيا، فيما ارتفع إسهامهن في مجال رعاية الأطفال والواجبات المنزلية، ليكرسن بذلك صورة فرنسا في عمقها المحافظ المبني على سيادة التقاليد الذكورية. فإلى اليوم لم تتخلص فرنسا بشكل كامل من النموذج السائد في الخمسينات، وهو نموذج الرجل المعيل لأسرته، فيما النساء مسئولات عن المهام المنزلية. وبالرغم من أن الأمور قد تغيرت كثيرا خلال ستين عاما، لكن النساء مازلن فى وضع متأخر جدا بالنسبة للرجال في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية. ومن هنا فإن السجل العام لفرنسا عبر عقود من الكفاح على جبهات متعددة لمواكبة الاتجاهات الدولية فيما يخص المساواة بين الجنسين، يبقى ضعيفا مقارنة بالبلدان المجاورة لها. فمن الناحية التاريخية، لم تُمنح المرأة الفرنسية حق التصويت والأهلية لشغل المناصب العامة حتى سنة 1944، أى بعد وقت طويل من منح حق التصويت للمواطنات فى معظم الدول الأوروبية الأخرى. وبالرغم من بعض التقدم الذي تحقق على صعيد المساواة في المناصب الإدارية والانتخابية، فأن ترتيب فرنسا فى التصنيف الدولي الخاص بالتمثيل النسوي فى البرلمان، هو الثالث والسبعون عالميا فقط. ومع حلول القرن الواحد والعشرين، لم تشكل النساء أكثر من 5،9 % من أعضاء مجلس الشيوخ، و22،5 % من أعضاء المجالس المحلية، و7،6 % فقط من رؤساء المحافظات. كما غابت النساء بدرجة كبيرة عن مؤسسات وإدارات السلطة التنفيذية السياسية، وهو شيء نابع من التفضيل الذكوري للمؤهلين لمراكز الوظائف العليا. وجاء التعديل الدستوري سنة 1999 ليتضمن فقرتين تعززان مبدأ التمثيل المتساوي بين الرجال والنساء، وإلزام الأحزاب السياسية بتطبيق هذا المبدأ. وتبع ذلك سنة 2000، تشريع مفصل يقر مبدأ التكافؤ. وكان من نتائجه أن حقق مكاسب للنساء عند مستويات محددة فى الانتخابات، حيث فازت النساء سنة 2001 ب 47،5 % من المقاعد فى انتخابات المجالس المحلية، لكن التشريع لم يؤد إلى تقدم ملحوظ على مستويات أخرى، إذ بقيت أعلى مراكز السلطة تحت سيطرة الذكور. وحتى فى انتخابات المجالس المحلية، مازالت النساء مستبعدات من السلطة التنفيذية المحلية ومحرومات من مركز رئاسة المحافظات المهمة. فبعد انتخابات ،2001، كان 93 % من رؤساء المحافظات من الرجال . وكررت انتخابات 2008 المحلية، القصة نفسها، بعد أن شكل الرجال 91،5 % من محافظي المدن، و83،5 % من رؤساء القوائم، و86،5 % من المجالس المحلية. ومن هنا فإن مبدأ التكافؤ هو مبدأ زائف مبني على نموذج المواطن الذكر الذي مازال يحتكر مراكز السلطة السياسية الرئيسية فى فرنسا، وهو ما يجعل النساء يجزمن اليوم بأن تركيز الساسة على المرأة لا يعدو أن يكون مجرد تسوّل انتخابي لا غير. ومن الناحية الاجتماعية، فإن ظاهرة العنف الذكوري على المرأة (وخاصة العنف العائلي) أصبح يأخذ أبعادا كارثية بفرنسا كما شأن معظم الدول النامية والفقيرة، إن لم يكن أكثر حدة في بعض الحالات. وترصد دراسة نشرتها أسبوعية "ماريان" في عددها ما قبل الأخير، الممارسات الذكورية القاسية على المرأة بدءا من العنف الجسدي كالضرب والبصق والتعذيب، إلى ما هو أشد وطأة كالعنف اللفظي والعاطفي والنفسي الذي أصبح متفشيا في السنوات الأخيرة بمختلف مناطق المعمور، حتى إن آخر تقرير للأمم المتحدة الخاص بالعنف العائلي يقر بأن ما لا يقل عن 500 مليون من نساء العالم يتعرضن سنويا للتعنيف النفسي والجسدي على يد أزواجهن وأن 8 % منهن يلاقين حتفهن نتيجة ذلك.