خلف ترحيل التلميذ أشرف السعدي الذي يتابع دراسته الثانوية بمؤسسة "جورج سوريل" بضاحية "لافارين" الباريسية، تذمرا وسخطا كبيرين في الأوساط الطلابية والتعليمية الفرنسية، وأيضا الجمعيات الحقوقية التي نظمت أول أمس بتآزر مع "شبكة تربية بلا حدود" وقفة احتجاجية أمام الثانوية للمطالبة بعودة التلميذ المغربي فورا لمتابعة دراسته بين زملائه في جو من الطمأنينة. وقد أطلقت الشبكة عريضة تحت عنوان "الترحيل إهانة لفرنسا" حظيت حتى اليوم بتوقيع 5000 شخص من أساتذة ومنتخبين وحقوقيين وجمعويين. وقد التحق أشرف (18 سنة) بفرنسا قبل ثلاث سنوات للإقامة عند خاله، محمد النهاري، مالك مخبزة في قلب الضاحية ويحمل الجنسية الفرنسية. وكان على وشك الحصول على بطاقة الإقامة لولا الصعوبات التي اعترضته للحصول على موعد بالعمالة التي تملك وحدها صلاحية البت في ملفات الهجرة. وبينما هو في انتظار الموعد "اللعين"، اعتقلته الشرطة يوم 12 فبراير بتهمة سرقة معطف بأحد المتاجر المختصة في بيع اللوازم الرياضية "ديكاتلون" وتم ترحيله بسرعة جنونية يوم 16 فبراير قبل أن يتسنى له الدفاع عن نفسه وإثبات براءته. وقد رأت "شبكة تربية بلا حدود" في هذا القرار انتهاكا "صارخا" لحقوق المهاجرين ومساسا خطيرا بمبادئ وقيم الجمهورية، بينما اعتبر الحزب الاشتراكي الحاكم بأن الأولوية الآن هي توخي الصرامة المطلقة مع الهجرة السرية. ويمكن اعتبار 2014 سنة كارثية في حصيلة الترحيلات التي استهدفت المهاجرين غير الشرعيين بفرنسا والتي انفرد فيها المغاربة بالمرتبة الثانية مغاربيا وإفريقيا بحصولهم على 2980 قرار طرد من ضمن 30296 حالة. ومن بين المغاربة المطرودين من دخل فرنسا عبر مراكب الموت وشبكات تهريب الأشخاص والبضائع بعد أن ضاقت أسباب العيش ببلدهم المغرب، ومنهم من اختار البقاء بها بعد أن انتهت صلاحية التأشيرات التي حصلوا عليها لمتابعة الدراسة. والحصيلة في الحالتين أن الحزب الاشتراكي دشن سنته الثالثة من الحكم بطرد أزيد من 30 ألف من المقيمين غير الشرعيين. وعلى سبورة المرحلّين المغاربيين، يأتي الجزائريون في المقدمة بفارق ضئيل مع المغاربة (3170) ثم التونسيون (1954)... واستفرد الرومانيون كما حال السنوات السابقة بالصدارة بعد ترحيل 11570 معظمهم من النساء والأطفال متبوعين بالصينيين (6732). ومن أمام مدخل الثانوية انفردت "العلم" برئيس ومؤسس جمعية "شبكة تربية بلا حدود"، ريشار موايون، ليقول سخطه على سياسة الترحيل كما تمارسها الأجهزة الأمنية بأسلوبها المهين للكرامة البشرية، ويبدي موقفه من عمليات التصيد التي يقوم بها البوليس أمام المدارس والثانويات لاستنطاق التلاميذ عن أوضاع آبائهم واقتيادهم بعد ذلك إلى مقر سكناهم لاعتقال وترحيل الجميع أطفالا وآباء إلى موطنهم الأصلي في أجواء من التنكيل والإذلال. وقد ازدادت "شبكة تربية بلا حدود" وترعرعت في أحضان المدارس والثانويات بعد أن تبين لمؤسسيها أن عددا لا يستهان به من روادها يعيش كل يوم تحت هاجس الخوف من أن يصبح يوما ضمن قافلة المرحلين. وقد التأمت سنة 2005 لتشكل ذراعا وقائيا لهؤلاء التلاميذ الذين شاءت إرادة اليمين الحاكم آنذاك أن يفصلهم عن آبائهم كما عزل من خلال قانون التجمع العائلي، الأزواج عن زوجاتهم. ونضالها متواصل حتى تتوصل إلى قوانين أخرى غير تلك التي تنص على ترحيل الأطفال إلى بلدانهم. وعن سؤال حول الأرقام التي تعطي لكل عمالة كوطا محددة من الترحيلات، أوضح ريشارد موايون أن الأرقام التي يتفاخر بها وزير الداخلة (أزيد من 30 ألف ترحيل سنة 2014)، لا تخدم فرنسا في شيء. وكان حري به بدل أن يتحدث عن 30 ألف شخص، أن يقول :"لقد رحّلنا 30 ألف رأس، ما دام الأمر يتعلق بكوطات محددة يتعين على كل عمالة الالتزام بها، وكأنها تتعامل مع قطيع من الأغنام. ولاحظ أن طروحات اليسار المنقولة حرفيا عن اليمين المتطرف فيما يتعلق بالهجرة المفروضة أو الانتقائية، تطرح أكثر من سؤال حول نواياه السياسية الحقيقية في ظل ترسانة القوانين المجحفة التي مهد لها الرئيس السابق ساركوزي بإحداث وزارة الهجرة والهوية الوطنية. ثم إن الترحيل القسري هو اغتصاب للشرف وإهانة لفرنسا وللمبادئ التي قامت عليها، لاسيما إذا كان مقرونا بفصل الأبناء عن آبائهم وحرما التلاميذ من حقهم الأساسي في التمدرس. وعن موقف الفرنسيين بشكل عام من هذه الترحيلات، أعرب عن اعتقاده بأن الأحزاب الفرنسية بمختلف مكوناتها تحاول إقناع الفرنسيين بأن المهاجرين في بعدهم العربي والإفريقي يمثلون الخطر الفعلي على الهوية الفرنسية. وتحاول في سياق ذلك الترويج لشعارات مناهضة لتواجدهم. غير أن تلك الشعارات لا تلقى تجاوبا مع الفرنسيين في معظمهم. فالعنصرية المتواجدة بالفعل، تمارسها مؤسسات أو أجهزة محسوبة على الدولة أكثر مما يمارسها الشعب العادي الذي يتجاور يوميا مع الآخرين في إطار احترام خصوصيات الأجناس المختلفة. والعنصرية، يقول رئيس "شبكة تربية بلا حدود"، خلقتها الدولة الفرنسية بالإهمال لشؤون المهاجرين وما ينتج عن ذلك من استيطان في هوامش المدن التي أهملتها الحكومات من كل التيارات السياسية.