نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    حكام سوريا يقاتلون "ميليشيات الأسد"    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعبة أجهزة الإستخبارات في منطقة الشرق الأوسط: سياسة زعزعة التوزنات وتوسيع الصراعات.. بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 02 - 02 - 2015

خلال الأيام والأسابيع التي تلت تاريخ 12 فبراير 2008 وهو اليوم الذي تم فيه إغتيال قائد الجناح العسكري لحزب الله عماد فايز مغنية في دمشق بسيارة ملغمة، أشار عدد من المحللين إلى العملية لا يمكن أن تكون قد تمت بدون تعاون أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، لأن التغلب على إجراءات الحماية التي كانت تحيط بمغنية تتطلب تنسيقا يفوق قدرات الموساد الإسرائيلي في ذلك التاريخ وخاصة في العاصمة السورية.
بدأ عماد مغنية نضاله ضمن صفوف حركة فتح وبدا منذ حداثته شغوفا بالأمور العسكرية واثبت براعته فيها، كان مغنية أحد المتعاونين في "القوة 17" التابعة لحركة فتح، وهي القوة العسكرية الخاصة، التي كانت تتولى حماية قيادات حركة فتح مثل أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد. وقد ساهم مغنية في عملية نقل سلاح فتح إلى المقاومة اللبنانية، ممثلة بحركة أمل وحزب الله بعد أن اضطرت حركة المقاومة الفلسطينية وأساسا "فتح" إلى مغادرة بيروت، اثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. واتهم من قبل وكالة المخابرات الأمريكية بأنه كان أحد الحراس الشخصيين لياسر عرفات. بعد حركة فتح الفلسطينية انتقل إلى حركة أمل، ثم حزب الله اللبناني.
في عام 1982، وحسب تقارير حكومة واشنطن قاد عماد مغنية ثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. والعمليات كانت: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في أبريل 1983 والتي أسفرت عن مقتل 63 أمريكيا، وتفجير مقر قوات المارينز الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في بعلبك، والذي أسفر عن مقتل 58 فرنسيا. هذه العمليات كانت السبب الرئيسي لإنسحاب القوات الأجنبية من لبنان.
بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق سنة 2003 إتهمت المخابرات الأمريكية عماد مغنية بتنفيذ وإدارة سلسلة من العمليات التي استهدفت القوات الأمريكية في العراق وذلك انطلاقا من مقر إقامته في دمشق حيث اشرف على تنفيذ عمليات انتحارية وزراعة عبوات ناسفة حصدت أرواح الكثير من الجنود الأمريكيين وحملت هذه العمليات، وفقا للاستخبارات الأمريكية، "بصمات حزب الله الواضحة". وتقول الأجهزة الأمريكية أن حزب الله تلقي ولسنوات دعما بالسلاح والمال من العراق بأمر من الرئيس صدام حسين، وان بعض هذه الأسلحة أدت إلى مقتل جنود أمريكيين في لبنان.
في أعقاب اغتيال مغنية أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بيانا ينفي فيه ضلوعه في العملية قائلا "إسرائيل ترفض أي محاولة من الجماعات الإرهابية إلصاق أي مشاركة لها بالحادث" وأضاف البيان" ليس لدينا ما نضيفه بعد ذلك. وزارة الخارجية الأمريكية علقت بالقول "أن العالم بات أفضل بدونه" "كان قاتلا بدم بارد"، وكانت واشنطن قد رصدت 5 ملايين دولار لمن يعتقله أو يقتله.
اغتيال المبحوح
بعد ذلك بحوالي سنتين تقريبا ويوم 19 يناير 2010 اغتيل محمود المبحوح وهو أحد قيادي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية بفندق البستان روتانا في مدينة دبي عن عمر ناهز 50 عاما. وقد تم اغتياله بعد صعقه كهربائيا داخل غرفته ومن ثم جرى خنقه حتى لفظ أنفاسه دون أن تظهر أي اصابات على جسده، لكن تشريح الجثة كشف عن آثار للسم في جسده يعتقد أنها بقيت من محاولة سابقة. يذكر أن المبحوح تعرض لأربع محاولات اغتيال قبل هذه العملية.
أخطر محاولة إغتيال سابقة للمبحوح جرت بين السادس والثامن من نوفمبر 2009 في الامارات كذلك، حيث تعقبه فريق مكون من تسعة اشخاص سعوا لادخال سم في جسمه. ما زال من غير الواضح كيف نفذت هذه المحاولة. تخمينات شرطة دبي أن السم أدخل في شراب قدم اليه أو بطريق مسه قطعة أثاث ملوثة في حجرته. كان يفترض أن يتغلغل السم في دم المبحوح وان يقتله في ساعات معدودة ولكن ذلك لم يتحقق. قدر المختصون ان اختيار طريقة العمل هذه ينبع من الرغبة في تنفيذ "اغتيال هادئ"، يمكن أن ينكشف ولكن بعد أن يكون المغتالون قد فروا خارج الدولة. أما "الاغتيال الضاج" بتفجير أو بنار قناص فسيفضي فورا إلى اغلاق المطارات والموانئ ومطاردة واسعة للمغتالين.
بعد ذلك عرف أن المبحوح مرض حقا. ويصف أخوه أنه شعر في ذلك الوقت انه ليس على ما يرام بل فقد وعيه ساعات طويلة. لم يتابع مخططاته كالعادة بل عاد إلى دمشق حيث التقى طبيبه الذي شخص غيبوبته العجيبة باعتبارها "مرض القبلة". تلقى المبحوح التشخيص، ويقال أنه قبل نهاية سنة 2009 أكدت تقارير للمخابرات السورية التي لها صلات تعاون وثيقة مع المخابرات الروسية أن الأمر يتعلق بمحاولة إغتيال، وجرى جلب دواء خاص من موسكو التي لها باع كبير في مواجهة الأجهزة الأمنية الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص.
سجل أن 27 شخصا شاركوا في الإعداد لعملية الإغتيال غادر بعضهم الإمارات قبل التنفيذ فيما فر الآخرون بعده بساعات قليلة. سلطات الإمارات أصدرت مذكرات جلب وإعتقال دولية ضد 11 شخصا. وأعلن قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان أن رئيس المجموعة يحمل جوازا فرنسيا بينما الباقون، فأحدهم يحمل جوازا المانيا وثلاثة يحملون جوازات سفر إيرلندية، بينهم امرأة، إضافة إلى ستة أشخاص آخرين يحملون جوازات سفر بريطانية. سجل عدد من الملاحظين غياب جوازات أمريكية رغم أنه يقدر أن نصف العاملين في الأجهزة الأمنية الصهيونية يحملون جنسية مزدوجة إسرائيلية وأمريكية، وهو ما أثار شكوكا.
بعض المطلوبين للعدالة في عملية الإغتيال والمؤكد جرمهم بفضل كاميرات التصوير في الإمارات ضبطوا في أوروبا، ولكن تدخلات واشنطن وتل أبيب سمحت لهم بالتوجه إلى إسرائيل.
ضرب مفاعل نووي ثم اغتيال مغنية
فضائح الكذب والخداع كثيرا ما يتم الكشف عنها خاصة بالنسبة للصراع الذي لا يتوقف في منطقة الشرق الأوسط. في نهاية شهر يناير 2015 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" معلومات عن مشاركة المخابرات المركزية الأمريكية في قتل قائد الجناح العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق. وحسب تحقيق الصحيفة، فإن قتل مغنية تم بعمل مشترك بين الموساد والسي أي إيه، وبتنسيق كامل بين الجانبين.
وعن تفاصيل العملية، يشير التحقيق إلى أن عملاء المخابرات المركزية تابعوا مغنية لأشهر وحددوا الموعد المناسب للتنفيذ ويوم 12 فبراير كانوا يتابعون مغنية خلال تنقله في أحد شوارع دمشق ليلا، وحين غادر أحد مطاعمها ومشى نحو سيارته تم التفجير وقتل فورا، وبين تحقيق الصحيفة أن عملاء الموساد الإسرائيلي كانوا يتحكمون بالعبوة الناسفة عبر جهاز التحكم عن بعد وبواسطة نظام تحديد الموقع العالمي أو نظام التموضع العالمي "GPS"
وأكد التحقيق أن الموساد في تل أبيب كان على اتصال مباشر مع العملاء الأمريكيين الذين كانوا يتابعون خطوات مغنية.
وقال مسئول سابق في الاستخبارات الأمريكية للصحيفة، إن إسرائيل كانت مصرة على تنفيذ عملية التفجير بنفسها للانتقام من مغنية. مشيرا إلى أن "سي أي إيه" كانت على علم بمكان إقامة مغنية وتحركاته قبل نحو عام من اغتياله، وأن إسرائيل هي من اقترحت أن تكون العملية مشتركة وأن تنفذ في دمشق.
ويفيد التقرير، أن "سي أي إيه" جندت مجموعة عمل، وأسست بنية تحتية سرية للبحث في شخصية مغنية وملاحقته ومتابعته باستمرار ومعرفة نقاط ضعفه، وقد استطاعت تلك المجموعة الوصول حتى إلى شقته، وعرض الموساد على الجهاز الأمريكي أن يتم وضع دراجة نارية مفخخة، لكن الأميركيين رفضوا.
ويقول التقرير إن الأمريكيين ساعدوا بتجهيز العبوة الناسفة التي تم صنعها في ولاية كارولينا شمال الولايات المتحدة ويستعصى رصدها بعد أن وضعت في دولاب احتياطي على الباب الخلفي لسيارة جيب متوقفة قرب سيارة مغنية.
وحسب التقرير فإن مغنية لم يكن وحده في دمشق، وخلال الإعداد للعملية اتيحت فرصة اغتيال سليماني قاسم قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، وفي مرحلة ما كانا يقفان جنبا إلى جنب في نفس المكان الذي تم فيما بعد استهداف مغنية فيه، وكان من الممكن الضغط على زر التفجير، لكن الأمريكيين رفضوا قتل قاسم سليماني رغم العداء العلني الأمريكي لطهران.
يسجل أن قاسم سليماني قاد الحرب في العراق ضد المقاومة التي تستهدف قوات الاحتلال الأمريكية. ولإكمال قصة التحالف الأمريكي الإسرائيلي أشار تقرير الصحيفة إلى أن الموساد و"سي أي إيه" عملا جنبا إلى جنب في سوريا وخاصةً في عام 2007 لضرب أهداف سورية بالطائرات، ومنها قصف مفاعل نووي سوري في دير الزور أي قبل عام من اغتيال مغنية.
فجر يوم الأحد فاتح فبراير 2015 رفض وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التعليق على تحقيق صحيفة واشنطن بوست حول تورط المخابرات المركزية في عملية اغتيال عماد مغنية.
ونقل الموقع الالكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن كيري قوله "لا أعرف عن هذه التقارير، وزارة الخارجية لا تستجيب ولا تعلق على المسائل المتعلقة بعمل الاستخبارات، وأنا لا استطيع أن أقول أي شيء أكثر من ذلك".
هل هي رسائل ؟
ما إن نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرها، حتى تداعى المعلقون الأمنيون والعسكريون الإسرائيليون إلى عرض معاني ذلك. وفيما رأى معلقون أن تسريب الأنباء عن الدور الأمريكي في عملية الاغتيال يرمي إلى إظهار أنه ليس في وسع إسرائيل العمل في المنطقة العربية من دون الولايات المتحدة، أشار آخرون إلى أن هذا الكشف يورط واشنطن مع "حزب الله".
وكتب المعلق الأمني في "معاريف الأسبوع"، يوسي ميلمان تحت عنوان "التسريب ليس صدفة"، إن من سرب التفاصيل لصحيفة "واشنطن بوست" أراد نقل رسالة لإسرائيل ورئيس حكومتها أن "ليس في وسعكم العمل من دوننا. انظروا كيف كان التعاون وطيدا بين جهازي الاستخبارات للدولتين، إن من شأنه أن يتضرر جراء سياسة رئيس حكومتكم. هذا هو الجوهر المستتر للرسالة المسربة".
يوسي ميلمان، الذي سبق له أن نشر بالاشتراك مع الصحافي الأمريكي دان رفيف كتابا عن عملية الاغتيال بعنوان "عملاء ضد يوم القيامة"، أشار إلى أن هناك في الولايات المتحدة من يرغب في نيل حصة من الإنجاز حتى عبر تسريب معلومات غير دقيقة. ففي نظره كان الموساد العنصر المهيمن في عملية اغتيال مغنية الأب برغم أنباء عن مشاركة جهات أخرى بينها الاستخبارات المركزية.
وشدد على أن "مغنية كان هدفا لإسرائيل أكثر مما كان هدفا للولايات المتحدة. ويرفض ميلمان الانطباع المتولد من قراءة ما نشر في الصحف الأمريكية وهو أن الاستخبارات المركزية كانت الشريك الأكبر والموساد الأصغر في العملية.
وخلص ميلمان إلى أنه برغم أن الرسالة في التسريب موجهة إلى الإسرائيليين ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، فإن النشر يمكن أيضا أن يخدم المصلحة الأمنية لإسرائيل. فالأمريكيون بذلك يتحدون "حزب الله" ويضعونه أمام وضع صعب: ليست إسرائيل وحدها التي تواجهونها، وإنما أيضا الولايات المتحدة.
ومن هذه النقطة بالذات، ينطلق المعلق العسكري في "القناة العاشرة" آلون بن دافيد، الذي نشر تعليقات أيضا في "معاريف الأسبوع"، ليشير إلى أن نشر هذه الأنباء يورط الولايات المتحدة في المعركة ضد "حزب الله".
وكتب بن دافيد أن قصة اغتيال مغنية نشرت بالتوازي في اثنتين من كبريات الصحف الأمريكية، ما يشير إلى وجود حملة مدروسة. وعلى عكس تقدير ميلمان، فإنه "خلافا لكل القصص التي كتبت حتى اليوم عن اغتيال مغنية، والتي ضمت الكثير من الاختلافات والتكهنات، ما نشر هذه المرة يحتوي معلومات دقيقة".
ويضيف بن دافيد: "لم تخف واشنطن بوست أن مصدر معلوماتها موظف سابق في "سي آي ايه"، والشعور هو أن هذه حملة موجهة أولا وقبل كل شيء إلى داخل الولايات المتحدة. فوكالة الاستخبارات المركزية تلقت شحنات من الانتقادات في لجنة مجلس الشيوخ، خصوصا على طريقتها في التحقيق مع المشبوهين بالإرهاب في الدول الأجنبية. وهذا النشر يأتي ليوضح أن الوكالة تعرف كيف تفعل أمورا أفضل. لكن هذا النشر يورط الولايات المتحدة مع حزب الله، الذي لم يتهم الأمريكيين أبدا بإغتيال مغنية".
ويلحظ بن دافيد أيضا أن التسريب يحوي "غمزة" للإيرانيين لأن القصة، كما نشرت، تفيد بأن الأمريكيين منعوا اغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني. وربما أن في ذلك إثارة للمقارنة بين ما أراده الأمريكيون حينما منعوا العملية بسبب وجود سليماني، وما فعله الإسرائيليون عندما لم يمتنعوا عن اغتيال جهاد مغنية الإبن برغم وجود ضابط إيراني. واعتبر أن نشر القصة في الولايات المتحدة غير مرتبط باغتيال جهاد مغنية، لأن الصحافيين اللذين أعدا التحقيق، عملا عليه منذ شهور واتصلوا بجهات إسرائيلية في هذا الشأن قبل أسابيع من اغتيال مغنية الإبن.
أما المعلق الأمني في "يديعوت"، رونين بيرغمان، فكتب أنه منذ بضعة أشهر يعمل صحافيان أمريكيان كبيران مختصان بشؤون الاستخبارات وهما جيف ستاين من "نيوزويك" وآدم غولدمان من "واشنطن بوست" على سبق صحافي جدي وهو: الولايات المتحدة كانت الجهة الرائدة وفق ستاين أو شريكة مركزية وفق غولدمان في اغتيال عماد مغنية. ومع حلول الذكرى السنوية السابعة للاغتيال، نشر الصحافيان بالتوازي تحقيقيهما مفصلين عن العملية من مرحلة التخطيط وحتى الضغط على الزر الذي شغل المادة المتفجرة.
ويخلص بيرغمان إلى أنه "إذا كانت المعلومات صحيحة، فإنها تشكل مثالاً آخر على التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في تلك الفترة، ولعمق القرب بين البيت الأبيض وديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي. هكذا قوة الارتباط الاستخباري بين محافل الاستخبارات في الدولتين. فالعلاقات التي نسجها مئير دغان ورئيس شعبة الاستخبارات "أمان" في حينه عاموس يادلين مع مدير الاستخبارات المركزية مايكل هايدن ومع زملائه كانت غير مسبوقة، ولكنها ما كانت لتبقى لولا القرب بين شارون وأولمرت وبين الرئيس جورج بوش. ويمكن للمرء أن يشتاق فقط لتلك الأيام".
ترابط في الأحداث وعودة إلى المبحوح
تقرير الواشنطن بوست عن إغتيال مغنية أعاد إلى الواجهة ما تؤكده مصادر رصد عن أن هناك جهودا تبذل من أجل كشف علاقة التعاون الممكنة بين الأجهزة الإسرائيلية والأمريكية ليس فقط في إغتيال المبحوح في دولة الإمارات، بل العديد من عمليات الإغتيال والتخريب التي تعرضت لها العديد من الدول العربية خاصة خلال السنوات الأربع الماضية، عمليات خدمت مشاريع الفوضى الخلاقة التي وضعها المحافظون الجدد من أجل إعادة صياغة وتشكيل الشرق الأوسط في حلة جديدة.
هناك ترابط في الأحداث قد يعتبره البعض مستفزا، فقبل كشف صحيفة البوست الأمريكية لتقريرها حول مغنية بأيام هاجمت إسرائيل يوم الأحد 18 يناير 2015 قافلة سيارات لحزب الله في منطقة الجولان التي تم تحريرها خلال حرب 6 أكتوبر 1973. الهجوم أسفر عن إستشهاد ستة من مقاتلي حزب الله ون ضمنهم أبن عماد مغنية جهاد.
بعد عشرة أيام من الهجوم الصهيوني ورغم تحذيرات واشنطن وتل أبيب من أن ردا إنتقاميا سيقود إلى حرب شاملة تدمر لبنان وسوريا، جاء رد حزب الله وأسفر عن قتل وجرح 9 جنود صهاينة. لم تنشب حرب شاملة وحتى الرد الإسرائيلي كان متواضعا جدا.
"محسوبة ومحدودة" بهذه العبارة وصف كتاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية العملية التي رد بها حزب الله في شبعا.
واشارت الصحف إلى أن نتنياهو كان مضطرا لإبقاء الرد عند هذا الحد حتى لا يتهم بأنه استخدم الحرب لجلب الأصوات الانتخابية لصالحه.
فقد كتب عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس" ايضا" ان العملية التي قام بها حزب الله انتقاما لمقتل عناصره كانت محسوبة ومحدودة".
فمن وجهة نظر الحزب فإن "إسرائيل أصابت هدفا عسكريا حساسا بالنسبة له، فجاء رد حزب الله مركزا على هدف عسكري وليس مدني، فالحزب لا يتطلع حاليا للقيام بعمل طموح قد يؤدي إلى الانجرار إلى معركة جديدة".
ويضيف الكاتب "وفي المقابل فإن إسرائيل أيضا قصرت ردها على العملية بقصف مواقع لحزب الله في المناطق المحاذية للحدود، واستمرار رد الفعل الإسرائيلي مرهون بقرار من المؤسسة السياسية بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية".
ويستمر هارئيل "ان الحكم على الأجواء التي سادت في اعقاب العملية التي وقعت في ال 18 من شهر يناير، يقول الى ان إسرائيل تميل هي أيضا إلى التهدئة وعدم التصعيد، حتى ولو كان نتنياهو معني في هذه المرحلة ان يظهر تصميما وإصرارا امنيا، إلا أن الحرب مع حزب الله هي شأن آخر، فمن الصعب رؤية حرب كهذه تخدم نتنياهو في معركته الانتخابية، لأنه عند انتهائها سيكون مضطرا لتقديم كشف حساب عن أن المواجهة الواسعة جلبت نصرا مقنعا يعزز من موقفه".
ويضيف الكاتب" لجميع هذه الأسباب يبدو أن لرئيس الحكومة مصلحة واضحة لإنهاء جولة العنف الحالية في اقرب وقت، وعليه ان يميز بين التصريحات العلنية وبين العمل الفعلي".
تحت عنوان "جانبي الحدود تعلما معرفة حدود الحوار العنيف بينهما" كتب تسفي بارئيل مقالا في عدد يوم 29 يناير من صحيفة "هآرتس" تناول فيه العملية العسكرية التي قام بها انصار حزب الله ضد قافلة عسكرية إسرائيلية بالقرب من جبل دوف، وتساءل، هل هذا هو الرد الذي حذر به حزب الله اسرائيل بأنه سيضرب في الزمان والمكان المناسبين؟ ويجيب الكاتب يبدو ان تبادل النيران بين الطرفين سيكون من الأفضل اعتباره كحوار عنيف يعرف كل طرف منهما حدوده في هذا الحوار.
ويعتبر الكاتب أن معضلة الرد الذي توقعه وانتظره الكثيرون، تم حلها يوم 28 يناير بصورة محسوبة ومخطط لها ومدروسة، نتيجة المخاوف السورية اللبنانية من فتح جبهة جديدة واسعة في الجولان السوري، الأمر الذي سيضعف الأسد ويعزز جبهة المعارضة.
كما ان فتح جبهة على الحدود اللبنانية يشكل خطرا كذلك، مما قد يؤدي إلى سحب جزء من قوات حزب الله التي تساعد نظام الأسد، الأمر الذي سيؤدي أيضا إلى إضعاف الجيش السوري وتقوية المعارضة.
ويضيف بارئيل "فعلى اعتبار مزارع شبعا اراض سورية بموجب قرار الأمم المتحدة، رغم انها تقع ضمن حدود الاراضي اللبنانية، فإن العملية تم شنها من منطقة موضع خلاف، فلا هي سورية ولا هي لبنانية، الامر الذي يدفع بحزب الله للقول انه عند وعده بأن "اي اعتداء على سوريا هو اعتداء على المقاومة" وعليه فهو يعفي إسرائيل على الأقل مؤقتا من توسيع مساحة الرد داخل الأراضي اللبنانية".
ويضيف الكاتب "ان الحقيقة تطرح نفسها بأن كلا الفريقين غير معنيين بالتصعيد، وان ليس لهما مصلحة بفتح جبهات مشتعلة في الجولان او في لبنان، ففي بداية الأحداث في سوريا ساد الاعتقاد ان حزب الله سيفتح جبهة ضد إسرائيل، إلا أن هذا الاعتقاد لم يعد قائماً الان".
"غبي ألقى حجرا"
في لبنان كتب محلل سياسي: إن الحرب التي كادت تقع بين إسرائيل و"حزب الله" تم تجنبها أساسا بسبب ميل حكومة نتنياهو لاحتواء المواجهة بعد رد حزب الله في مزارع شبعا. فمن الصعب تخيل اندفاع إسرائيل إلى حرب ليس بالوسع تقدير مداها زمنيا ومكانيا من دون الاستناد إلى تأييد أو على الأقل إلى تفهم أمريكي. وواضح أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، خصوصا بين الحكومتين، ليست في أفضل أحوالها على أقل تقدير.
وعدا ذلك، ليس من السهل على إسرائيل أن تتدهور إلى حرب في زمن انتخابات وفي ظل انقسام واضح حول ما إذا كانت هذه الحرب ضرورية أم لا. وتكفي قراءة واحدة لوسائل الإعلام الإسرائيلية وتعاطيها مع اغتيال شهداء القنيطرة وتشكيكها في أن خلف ذلك دوافع انتخابية وليس متطلبات أمنية لإدراك أنه كان يصعب توفير إجماع أو أغلبية لهذه الحرب. وعلى ضوء ذلك وواقع أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الميزانيات كان من شبه الواضح أن الاندفاع إلى حرب صار أمرا مستبعدا.
ولم يكن مقنعا لعموم الإسرائيليين ادعاء نتنياهو أن إيران "تحاول منذ زمن ما، عبر "حزب الله"، انشاء جبهة إرهاب أخرى ضدنا من هضبة الجولان. ونحن نعمل بحزم ومسؤولية ضد هذه المحاولة". ونظر كثيرون باستهجان إلى محاولته توسيع الجبهة والقول إن "حكومة لبنان ونظام الأسد شركاء في المسؤولية عن عواقب الهجمات التي تنطلق من اراضيهما ضد دولة اسرائيل". ونظرا لإدراكه ذلك لم يجد بدا من إطلاق التهديدات التي وصفها معلقون بأنها فارغة: "من يقف خلف الهجوم اليوم سيدفع كامل الثمن"، و"اقترح على كل من يحاول تحدينا من الحدود الشمالية أن يرى ما حصل في قطاع غزة. فقد تلقت حماس في صيف سنة 2014 الضربة الأشد منذ قيامها، والجيش الإسرائيلي جاهز للعمل بقوة في كل الجبهات.
بل إن تهديدات نتنياهو "الفارغة" هذه جعلته موضع انتقاد من جانب المعلقين. وقد أشارت افتتاحية "هآرتس" مثلا إلى أن "ثلاثة أحداث" توضح للإسرائيليين خطورة "الدعاية الانتخابية" لنتنياهو. وتذكر أن نتنياهو عجز عن الإقناع بأن اغتيال مسلحي القنيطرة "كان ضروريا". واعتبرت أن أصدقاء إسرائيل الجمهوريين والديمقراطيين يرون في زيارة نتنياهو للكونغرس "عملية تستهدف تجاوز رئيسهم". وإذا لم يكن هذا كافيا، فإن حكومة نتنياهو، وفق الصحيفة "قررت إلقاء زجاجة حارقة اخرى إلى ساحة العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، حين نشرت في نهاية يناير عطاءات لبناء 450 شقة جديدة في المستوطنات". وركزت الصحيفة على أنه "لا توجد صدفة في بؤر الإحراق الثلاث التي اشعلها نتنياهو. كل واحدة منها تمثل وجها آخر للدعاية ذاتها: في هضبة الجولان سعى نتنياهو لان يستعرض قيادته العسكرية، في الكونغرس قدرة صموده في مواجهة رئيس يراه معاديا لإسرائيل، وفي توسيع المستوطنات، تصميمه على تلبية مطالب اليمين".
وقد حاول المعلق العسكري لموقع "يديعوت" الإخباري، رون بن يشاي شرح أسباب عدم ذهاب إسرائيل للتصعيد ردا على عملية "حزب الله" في مزارع شبعا. وفي نظره، رمت عملية "حزب الله" الكرة في الملعب الإسرائيلي ما جعل كلا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون ورئيس أركانه بني غانتس في معضلة. إذا وجهوا ضربة ل"حزب الله" فالنتيجة ستكون مواجهة شاملة ربما "حرب لبنان الثالثة" يدمر فيه لبنان و"حزب الله" لكن الجبهة الداخلية الإسرائيلية "ستتضرر بشدة، إن لم يكن أكثر من ذلك". وإذا "كبحت إسرائيل نفسها فقد تفقد أثر الردع الذي حققته في حرب لبنان الثانية. وبوسع حزب الله أن يتفاخر بحق، أنه من يردع إسرائيل وليس العكس". وشدد على أن هذين العاملين الاستراتيجيين يوازن أحدهما الآخر ويجعلان القرار أشد صعوبة. ولم ينسَ بن يشاي الإشارة للبعد الانتخابي الذي يجعل اليمين وحده يتحمل مسؤولية القرار لا البعد الدولي.
وفي ظل هذه التقديرات لم يكن صدفة أن يطالب كاتب التحقيقات في "هآرتس"، آري شافيت، بإعادة "المارد إلى القمقم" معددا حقائق بينها أن إسرائيل أنشئت فوق بركان ينفحر كل بضع سنوات. وبعد أن يشير إلى طبيعة العداء مع "حزب الله" بوصفه "عداء الظلاميين والمتنورين" يشير إلى مصلحة إسرائيل في تجنب الحروب. ولكنه يرى أن هذه الحقائق تقود إلى استنتاج هو "عاجلا أم آجلا ستندلع حرب لبنان الثالثة" ولذلك "محظور اتخاذ اجراءات تشجع نشوب الحرب قد تفرض على إسرائيل خوض حرب خطرة".
عموما وبحسب "يوسي كلاين" في "هآرتس" فإن النظرة في إسرائيل لما جرى تتلخص في أن "أحدا ما مسئول عن العملية في سوريا. أحد ما، بمزيج من الغباء واللامبالاة "أدى مهامه". وكأن مهامه منقطعة عن الواقع، وكأن ألف حكيم يمكنهم ان يخرجوا من البئر حجرا ألقى به غبي واحد".
تفعيل السياسة الخارجية الأمريكية
خلال شهر مايو 2014 أصدر معوض محمد باحث تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ماسون في واشنطن بحثا حدد فيه خطوط السياسة الأمريكية جاء فيه:
مطلع هذا العام وقف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام تجمع لرجال الأعمال ومديري البنوك حول العالم في واشنطن، وتحدث عما سماه "النظام العالمي الجديد وفق النفوذ الاقتصادي" ويقضي حديث بايدن بضرورة التوجه جديا نحو تفعيل السياسة الخارجية الأمريكية وفق المصالح الاقتصادية دون الدخول في صراعات سياسية قائمة، سوى بالقدر الذى يسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بنفوذها السياسي ومصالحها الاستراتيجية في هذه المناطق، كحفاظها على أمن إسرائيل في الشرق الأوسط على سبيل المثال. وهنا تبرز فكرة طرحت كثيرا في أوساط صناع السياسة الخارجية الأمريكية داخل الكونغرس عما يسمى "دبلوماسية الطائرات بدون طيار" أي دعم الحلفاء في المنطقة للتعامل مع ما يجرى من تطورات بما في ذلك تداعيات "الربيع العربي" دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة تماما كما تفعل الغارات التي تشنها الولايات المتحدة عبر الطائرات بدون طيار.
أصبحت الولايات المتحدة تدرك أن المهم في الحروب هو كيف تنتهي لا كيف تبدأ ؟ فقد دخلت في حروب عديدة استطاع الرؤساء في كل عصر من عصورها على حدة أن يحصل على دعم شعبي كاف مكنه من خوضها، لكن النتائج لم تكن محمودة، لا على المستوى الإقليمي من حيث تشكيل القوى الإقليمية الجديدة، ولا من حيث تحقيق الهدف المعلن وغير المعلن منها، وإن شئت خذ حرب العراق مثالا صريحا على ذلك. وقد أصدر مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكي بحثا مطولا عن الدبلوماسية والحروب الباردة، هو خلاصة مجموعة أبحاث أشرف عليها وزير الخارجية السابق، هنري كسينغر، الخلاصة أن الخيار العسكري يؤدي إلى حرب باردة جديدة، وأن على الولايات المتحدة التوقف عن اعتبار أنها من الممكن أن تخضع الأخرين لقواعدها، مع الإقرار بأن فهم التاريخ ليس نقطة قوة لصانعي السياسة الخارجية الأمريكيين إذ أنه قد يذهب بهم أحيانا للقراءة من قاموس الواقع القديم لعلاقة الولايات المتحدة مع روسيا والشرق الأوسط والذي يحمل مصطلحات من قبيل "شرطي العالم"، "قوة الردع"، إذ أن على واشنطن التسليم بأن الشرق الأوسط لم يعد كما كان وأن موسكو لم تعد منكبة داخليا على أزماتها الاقتصادية وأن هذين التصورين الجديدين يتطلبان تصورا مختلفا يتسم بالديناميكية والتطور ولا يستخدم هذه المصطلحات القديمة.
وتبدو هذه الصيغة الجديدة لتعاطي واشنطن مع العالم غير متوافرة بعد، ويجري البحث عن أكثر أشكالها نفعاً من قبل الساسة في واشنطن، مع ما يستغرق ذلك من جهد وتكلفة، فيما يتوقع أن تستغل روسيا هذا الوقت للإمعان في تحسين مواقعها على الأرض، قبل أن تخلق الولايات المتحدة هيكلية رادعة جديدة لا تعتمد على سياسة الخط الأحمر.
علينا أن نفهم أن السياسة الخارجية هي فن تحديد الأولويات وفي بعض الأحيان لا يقف عامل واحد كأداة لحسم معاركها، وواشنطن أصبحت تدرك أكثر من أي وقت مضى أن عليها التوقف عن البحث عن دعم الحلفاء في المنطقة والاتجاه مباشرة لتسوية القضايا العالقة التي تؤثر مباشرة على حليفها الاستراتيجي إسرائيل، مع القبول باستمرار النزاعات الأخرى التي لا تؤثر مباشرة على مصالحها حتى وإن كان لها تأثيرها الممتد على الإقليم برمته.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.