لا يخفى أنّ المسلمين مطالبون ومأمورون بتبليغ الدين إلى الأمم الأخرى. قال الله تعالى: «الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله. وكفى بالله حسيبا» [سورة الأحزاب الآية 39] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عنّي ولو آية». وقال : «نضر الله امرء سمع منا شيئا فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع. وذلك أنّ الإسلام دين للإنسانية جمعاء: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [سورة الأنبياء الآية 106]. فالرسول الكريم رحمة لكل الناس، مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وثقافاتهم.. ولا يمكن أن يعرفوا ويذوقوا هذه الرحمة إلاّ من خلال المسلمين أنفسهم. ولهذا كان الأمر بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة عامّا شاملا لكل المسلمين، ماداموا مطالبين بتعلم قواعد دينهم، وفهم رسالته، لكي يتمكّنوا من تبليغها إلى كافّة الخلق. هذا واجب إسلامي دائمٌ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وهو يزداد تأكيدا في عصرنا هذا الذي اختلطت فيه المفاهيم، وتضاربت فيه الأقوال، وبذل فيه أعداء الإسلام الجهود والأموال لتشويه صورته، وإيهام النّاس، في الغرب والشرق، بأكاذيب افتروها عن حقائقه، وعن حياة رسوله، وعن المسلمين ودعوتهم، مما أدّى إلى اختلالات في تصوّرات الأجانب لديننا، وانعكاس لصورته في أذهانهم، حتى صار كثير منهم يكنّ العداء له ولأتباعه المسلمين، بل ويحارب تعاليمه ويسعى إلى النّيل من قيمه وتاريخه، وتضليل المسلمين. وإن كان كثير من عقلاء الغرب والشرق يدركون عن وعي أنّ المستقبل لهذا الدين، ومنهم من يدخل فيه، ومنهم من يفهم حقائقه خير فهمٍ ويشرحها لبني جنسه. لكن العطش المعرفي لدى معظم الأجانب من الملل والنّحل الأخرى لا يزداد إلا شدّة، ويبدو أنّ ما يبْذل، رسميا، من جهودٍ مشكورة لإروائه لا يكفي، أو هو في حاجة إلى إعادة نظر في طرقه وأساليبه. مما يدلّ على حدة هذا التعطش الغربي لمعرفة الإسلام أنّ أكثر الكلمات أو الأسماء المبحوث عنها في شبكة الأنترنت هي اسم «محمد» صلى الله عليه وسلم، كما أكدت ذلك معطيات إحصائية واستقرائية دقيقة، والمسلمون لم يوظّفوا هذه الوسيلة الإعلامية الهائلة (الأنترنت) كما ينبغي، اليوم، لتحقيق هذه الأهداف الدّعوية والتعريفية الضّرورية. على أن الاستفادة الحقيقية من الأنترنت وغيره من الوسائل الإعلامية المتاحة للمسلمين في هذا العصر، لن تؤتي أكلها إلا إذا قامت على أسس علمية وتربوية ونفسية واستراتيجية صحيحة ذكية. لابد ، في المقام الأول، من إتقان اللغات العالمية الرئيسية خاصة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية... بالإضافة إلى الاجتهاد في فقه واقع ونفسيات وعقليات وتاريخ المجتمعات التي نخاطبها ونوجّه إليها الدّعوة، مع تطوير الأساليب بما يتلاءم مع مقتضيات تلك الظروف والعقليات والثقافات، فالمسلمون مطالبون بمخاطبة النّاس على قدر عقولهم، وبمراعاة أعرافهم وأحوالهم الاجتماعية وتصوّراتهم. بل بتوظيف كل ذلك من أجل الإقناع بحقائق الإسلام وقيمه. ولابد، كذلك، أن يوازي الدعوة والتواصل والتّعارف الخارجي، دعوة وتواصل وتعارف داخلي. لا يمكن أن يدعو المسلم إلى قيمة من القيم الإسلامية في البلاد غير المسلمة وأن يخلّ بعض المسلمين بتلك القيمة في بلادهم. فهذا تناقض ينفر المدعوّ، ويثبّط الداعية. إنّ التعارف والحوار والتواصل مبادئ دعا إليها الإسلام وأقام عليها منهجه الدعوي إلى جانب الحكمة والإحسان والرّحمة والعدل ومحبّة الخير للآخرين. ،ولا سبيل إلى حوار حضاري حقيقي إلا من خلال هذا المنهج. فالمسلمون يحملون أمانة التبليغ، ورسالة الهداية، والإنسان، في كل مكان اليوم، متعطش إلى هذه المعرفة، ومبادئ هذه الدعوة. يبقى أن نُحسنَ التبليغ، ونجدّد أساليب التواصل على أسس علمية هادفة.