احصائيات وأرقام لايصدقها العقل ولا المنطق وتؤشر عن وجود اختلالات عميقة داخل المجتمع، وتؤكد أن ما يفتعل داخل المجتمع وفي عمقه مخالف بل مناقض لما يظهر على السطح. إن الدراسة الوطنية التي انجزت حول العنف الجنسي تجاه الأطفال ببلادنا تؤكد أن 30 قاصرا يتم الاعتداء عليهم جنسيا يوميا في المغرب، بمعنى أن هناك اعتداء جنسيا على حوالي طفلين كل ساعة، وهذا ما يعطي كما جاء في الدراسة 11 ألف اعتداء جنسي على القاصرين سنويا في هذا البلد السعيد. طبعا، إن هذا الرقم المهول يمثل الحد الأدنى إذا ما استحضرنا الاكراهات والصعوبات التي تحول دون التبليغ عن آلاف الحالات الأخرى، سواء بسبب عدم وعي الأطفال الصغار بخطورة ما يقترف ضدهم، أو بسبب الخوف من الفضيحة بالنسبة للعائلة،أو بسبب الوساطات التي يبادر بها بعض «المحسنين» للتستر عن الفعل الخطير المقترف، أو بسبب عدم وصول كثير من الحالات إلى وسائل الإعلام ولا إلى منظمات المجتمع المدني المشتغلة على هذه القضية البالغة الأهمية. إن الأرقام المعلنة في حدودها الدنيا تؤشر على الخطورة البالغة التي أضحت تكتسيها هذه الظاهرة المريبة جدا، فالاعتداء جنسيا على طفلٍ له تأثيراته السيكولوجية والاجتماعية. وحينما يسجل الاعتداء على 11 ألف طفل سنويا فإن ذلك يعني أن 11 ألف طفل أصبح عرضة للتشوه النفسي الخطير. ما هي أسباب هذه الظاهرة الخطيرة؟ إن الجواب عن هذا السؤال هو من اختصاص مراكز الأبحاث والدراسات، ومن اختصاص الباحثين السوسيولوجيين والنفسيين، ومن اختصاص الجامعات، هذه الجحافل من الأشخاص والمؤسسات الذين تخلوا عن أدوارهم في سبر أغوار تفاعلات المجتمع وراحوا يهرولون وراء التفاهات، ولكن مع ذلك نجازف بالقول إن أسباب تنامي هذه الظاهرة تعود بالأساس إلى ضعف وازع الأخلاق عند كثير من الأشخاص، وضعف العامل الأخلاقي يعود بدوره إلى تقلص وتراجع أدوار المدرسة والأسرة، ثم إن الأمر يتعلق بمرض نفسي مزمن، فالذي يعتدي جنسيا على طفل يعاني من كبت جنسي، ويبحث أين يفجر مكبوتاته الجنسية الوحشية، فلا يجد غير تربة فطرية بريئة. إن الجهود الرسمية لاتكفي لنعيد للمجتمع قيمه التي دمرتها التطورات الهائلة الحاصلة في العديد من المجالات خصوصا في المجال التكنولوجي، لذلك فهي مسؤولية المجتمع برمته، مجتمع مدني، مدرسة، أسرة، وغيرها، وهذا ليس محققا لحد الآن مع كامل الأسف.