كشفت مصادر مقربة من الحكومة الجزائرية، عن قيام شخصيات قوية من داخل النظام بفتح قنوات اتصال مع الإسلاميين ضمن عملية إعادة هيكلة تتم في صفوف النظام وبهدوء تمهيدا لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يعاني من مشكلات صحية مزمنة. وقالت المصادر إن الخطوة تأتي تحسبا لحدوث أي فوضى إذا ما حدث فراغ رئاسي مفاجئ، على غرار أحداث العام 2005 بعدما أُعلن لأول مرة عن تراجع صحة بوتفليقة. وصرح عمار سعداني أمين عام حزب جبهة التحرير الحاكم في الجزائر أن المهارات الحركية للرئيس ضعفت بسبب الحادث لكنه يقود البلاد بقدراته العقلية والمعرفية وهي سليمة. والتقارب مع الإسلاميين هو الخيار الذي يراه الائتلاف الحاكم الوحيد للحفاظ على قبضته على السلطة، ولضمان استقرار المرحلة الانتقالية التي ستمهد الطريق إلى عبور الجزائر إلى ما بعد بوتفليقة. لكن الإسلاميين أنفسهم يعانون انقساما حادا في صفوفهم، وتشرذمهم إلى مجموعات تحمل أجندات متناقضة نتيجة لهذه الانقسامات، وانحسرت قوى الإسلام السياسي بين معسكرين أحدهما تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين والآخر يقع تحت جناح التيار السلفي الأكثر راديكالية. وتقول المصادر إن التقارب الأخير الذي شهدته العلاقة بين النظام و"جبهة الإنقاذ"، المحظورة منذ ما يزيد على عقدين، كان جزءا من الاستراتيجية الأكثر شمولا، والتي تعتزم تخصيص حصص في الائتلاف الحاكم لتيارات الإسلام السياسي بشكل عام. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال مدني مزراق، قائد الجناح العسكري في جبهة الإنقاذ، إن "الوقت حان للعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، لكن بطريقة رسمية". ويرى محللون أن خطوات النظام للتقارب مع الإسلاميين باتت مسرعة خاصة عقب الإطاحة بعبدالعزيز بلخادم، مستشار الرئيس الجزائري السابق والذي كان أحد أذرعه القوية في مواجهة الإسلاميين. وقالوا إن خروج بلخادم من دوائر صنع القرار كان تمهيدا للمضي قدما في إعادة تشكيل خارطة المصالح في الجزائر، حيث تتضمن الإسلاميين، وفي مقدمتهم حركة مجتمع السلم (حمس) الإخوانية. لكن لا يبدو أن الأرض مفروشة بالورود أمام النظام دائما، فقد شنت صحف قريبة من مراكز القوى في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم هجوما عنيفا على لقاء مزراق بأويحيى، وهو ما اعتبره مراقبون مقدمة لصراع قد يشتعل داخل أروقة النظام إذا لم ينجح بوتفليقة في تمرير الاستراتيجية الجديدة دون حدوث انقسامات مؤثرة. وتثير تحركات النظام تساؤلات عن إمكانية قبول الجيش بمخرجاتها، خاصة مع حرص قادة كبار على عدم التطرق إلى الحديث عن تلك الخطوات في المناسبات العامة. غير أن رئيس الوزراء الجزائري عبدالمالك سلال كان قد أعلن منذ أيام قليلة خلال جلسة في البرلمان أن ملف الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة مطوي نهائيا. لكن متابعين للشأن الجزائري قللوا من إمكانية نجاح هذا التقارب لأسباب كثيرة أهمها أن الاعتراف بجبهة الإنقاذ وجناحها العسكري سيثير ردة فعل عنيفة من عائلات ضحايا الإرهاب في العشرية السوداء التي ما تزال تطالب بالقصاص لأبنائها. وأشار المتابعون إلى أن انفتاح السلطات على الإسلاميين وخاصة السلفيين المتشددين سيعطيهم الفرصة ليتجهزوا لمرحلة العنف ضد الدولة، وأن هذا سيكون هدية لتنظيم القاعدة ليستفيد من هذا المخزون المتشدد الذي ترعى السلطات نشاطه.