تظهر زيارة رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، إلى باريس على رأس وفد وزاري هام، استمرار تأثير فرنسا في المشهد السياسي الداخلي بالجزائر، في ظل ما يتسرب من كو نها تبحث عن ترتيب خلافة عبدالعزيز بوتفليقة، وأن المسؤولين الجزائريين يتوجهون إلى فرنسا للحصول على التزكية والدعم خلال الملرحلة المقبلة. وكان سلال قضى يومي الخميس والجمعة المنصرمين على رأس وفد مُشَكل من 15 وزيرا في العاصمة الفرنسية باريس، للإشراف رفقة نظيره الفرنسي مانويل فالس على اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين. بيد أن الزيارة التي تصدّرتها العناوين الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، لم تخل من ترتيبات سياسية تتعلق بمستقبل الرجل في المشهد الجزائري القادم، بما أنه أحد الخيارات المطروحة لخلافة بوتفليقة في قصر المرادية. في هذا السياق، يصف مراقبون زيارة سلال مع نصف حكومته لفرنسا، بأنها زيارة تفوق كثيرا الزيارات العادية لسابقيه أو لرؤساء حكومات صديقة لفرنسا، وأنه جاء في "ثوب" رئيس المستقبل والخليفة المحتمل لبوتفليقة، وباحثا عن تزكية من الإليزيه مقابل الاستمرار في مفاضلة جزائرية رسمية للمصالح الفرنسية. ولفتت مصادر مطلعة على الشأن السياسي في الجزائر، إلى أن قصر الإليزيه، الذي سبق أن زكّى ولاية بوتفليقة الرابعة في مقابل امتيازات اقتصادية هامة، يريد الاستمرار في مد جسور التقارب والثقة مع السلطة وتمتين العلاقات بين الطرفين، بغض النظر عن بقاء بوتفليقة أو رحيله. وسلال هو البديل المناسب للفرنسيين في حال وقوع أي طارئ في هرم السلطة، ولذلك فإن منظّري الإليزيه يركزون على "ضمان مصالح باريس من داخل سلطة بوتفليقة، وعدم التعاطي مع المعارضة". زيعتبر مراقبون، أن ذهاب سلال للبحث عن دعم الإليزيه يؤكد على أن الطاقم السياسي يريد أن يستبق حركة الجيش الذي يرفض أن يكون على الهامش، وهو ما عكسه بيانه الأخير الذي تبنى فيه الحياد كدليل على عدم رضاه عما يحاك في الخفاء. ولم يتردد عمار سعداني أمين عام الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) في توجيه انتقادات صريحة لحكومة سلال، مصراً على تضمين الدستور القادم، ما يرسم حق الحزب الحاكم في رئاسة وتشكيل الجهاز الحكومي، ما يعني إبعاد سلال عن الساحة. كما تذكر تسريبات بأن قائد هيئة أركان الجيش، الفريق قايد صالح، كان أشد المعارضين لتقديم سلال كمرشح للسلطة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويشير المراقبون إلى أن سلال حاول استمالة الفرنسيين بتصريحات تؤكد أنه لن يكون من المطالبين بالاعتذار التاريخي أو التعويض عن فترة الاستعمار، فقد حثّ على "ضرورة ألا يرهن الماضي، حاضر البلدين ومستقبلهما"، في إشارة إلى طيّ صفحة الحساسيات التاريخية التي هيمنت على علاقات البلدين طيلة العقود الماضية. وأجرى سلال، سلسلة لقاءات في فرنسا، شملت لقاء مع الرئيس فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء مانويل فالس، وانتهت بالتوقيع على 20 اتفاقية في مجالات الطاقة والنقل والسياحة والصحة والإنشاءات وغيرها.