يتحول المكان بطلا ولا ينتهي الفيلم إلا بموته / اندثاره ، هكذا يتحفنا كين لوتش في عمله الأخير " قاعة جيمي " التي يعيد فيها نسج قصة " جيمس غرالتون " الناشط الشيوعي الأسطورة الذي أثار غضب السلطات و الكنيسة في أيرلندا المحافظة في الثلاثينات . كين لوتش المخرج الايرلندي الملتزم تجاه قضاياه الوطنية و الشعب الأيرلندي ، يجد نفسه وفيا لمواضيعه ذات النفس السياسي والتي تطالب بالحرية و المقاومة لتحقيق العدالة ، حيث يصرح ذات مرة في أحد حواراته " "لقد حاولت دائماً التقاط الحقيقة في اللحظة نفسها ، إن فكرة إنشاء فضاء مفتوح ومقاوم تمتزج فيه الأفكار التقدمية والثائرة في مجتمع متسلط، لهي بالفعل فكرة ألهمتني كثيرا " يبدأ الفيلم بعودة المناضل المعارض جيمي جرالتون (باري وارد) ليعيش مع والدته في إيرلندا ، و كان قد طرد من بلاده نحو الولايات المتحّدة الأمريكية أثناء فترة الحرب الأهلية التي نشبت في أيرلندا عقب حرب التحرير، وقد تم في ذلك الوقت نفي كل معارض للحكومة التي شكلتها بريطانيا آنذاك وكان جيمي من بين هؤلاء ، وعند استقراره سيفتح قاعة على شكل مركز ثقافي ترفيهي تُعقد فيه دورات تعليمية في الرسم والموسيقى والرقص والملاكمة وجلسات نقاشية في الأدب والسياسة والقضايا المحلّية، وتُحيى فيه حفلات الرقص والغناء والسهر. لكن رجل الدين والقيم على الكنيسة حاول ما أمكن إغلاق هذا الفضاء لأنه ينافس الكنيسة ويهدد وجودها ، بل اعتبر جيمي شيطان يحمل أفكارا متطرفة تقوم على تفكيك ثقافة المجتمع الأيرلندي المحافظ ، ليتم في الأخير إحراق هذا الفضاء بعد أن ابتز جميع من كان ينشط به ويسجل أسماءهم ليتم فضحهم داخل الكنيسة . الفيلم يدعو إلى التحرر وإلى الدفاع عن القيم الإنسانية النبيلة ، والانحياز للإنسان الأيرلندي البسيط من عمال وفلاحين أمام الملاكين الكبار والبرجوازية التي تستحوذ على كل شيء ، ومناصرة المهمشين و الفئات الصغيرة التي يغتصب حقها كما حدث مع أسرة لأربعة أطفال يتم نزع بيتهم لتوسيع أراضي أحد الملاكين ، مما جعل جيمي أن يوحد أهل القرية ليتم استعادة المنزل بالقوة ، فيقول جيمي في تلك اللحظة " نريد أن نعيش وأن نفرح وأن نرقص وأن نغنّي، لا أن نحيا وحسب كالكلاب، وهذا من حقّنا " . كما لم يتوانى المخرج في فضح الصراع التقليدي بين الأفكار التحررية والتقدمية ، وبين الكنيسة بتحالفها مع السلطة والبرجوازية ليخلص أن الشر هو المنتصر دائما في كل الحقب ، بعدما تم اعتقال جيمي و طرده مرة ثانية نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى مماته . لم يترك صاحب " الريح التي تهز الشعير " الذي نال عليه السعفة الذهبية سنة 2006 ، فرصة للتنبؤ بمستقبل جيمي داخل بلاده التي كانت تعده بالعيش الكريم وبالحرية ، بل أدخلنا في حالات إنسانية كبيرة داخل فضاء مغلق لكنه منفتح على كل المبادئ التحررية وضد القيود التي تعيق الانطلاق مهما كانت نوعيتها . - فيلم قاعة جيمي سيعرض يوم 19 نوفمبر 2014 في إطار السينما الأوربية بالرباط بقاعة النهضة في الساعة السادسة والنصف مساء .