لا يختلف أحد معي في أن أمتنا تمر في المرحلة الحالية بأخطر ما مر بها عبر تاريخها كله، لن نتحدث كثيرا عن أنظمة تحطمت ودول انقسمت، ولن نسهب في الحديث عن الرغبة الأمريكية المحمومة في إعادة تقسيم المنطقة وتغيير خريطتها الجغرافية، لن نبذل جهدا في اثبات المؤامرة لأننا نعيش في وسط لهيبها، ولن نعيد الكلام حول تلك الكيانات الإرهابية المتأسلمة التي أصبحت ذات قوة ومنعة لأننا نكتوي بإرهابها ليل نهار، فقد أصبح من المعلوم بالضرورة أن كيانات «ميليشيات الإخوان» و«أنصار بيت المقدس» و«جيوش النصرة» و«داعش» و«القاعدة» تحظى برعاية أمريكية حقيقية، ودعم مالي وتسليحي حتى ولو بدت الصورة في الظاهر غير ذلك، فليست الصورة العلنية دائماً هي الصورة الحقيقية، ولعلك لا تستطيع رؤية الحقيقة إذا اعتمدت على النظرة الأولى السطحية، أو إذا شدك الحماس وسيطرت عليك المشاعر، فالمشاعر الجانحة غير المنضبطة لا تترك مجالا للعقل ولا تدع فرصة للبصيرة، أما الحقيقة فهي أن تلك الكيانات الإرهابية ما هي إلا مجرد أدوات أو عرائس خشبية يحركها اللاعبون من وراء الستار، وسيظل اللاعب الأكبر متحكماً في مسارها على المسرح، يحقق بها خطته التي ترمي إلى وضع المنطقة في حالة فوضى عارمة، أطلقوا عليها الفوضى المنظمة، تنتهي إلى صنع خريطة جديدة للمنطقة تشرف عليها كيانات اقتصادية دولية عملاقة. أصبح الكلام في شأن خطة التقسيم والفوضى المنظمة من باب التكرار الممل، ولذلك يجب أن نطرح كيفية المواجهة بدلاً من الوقوف على الأطلال وندب الحظ ولوم النفس وجلد الذات، وأول الأفكار التي يجب أن تقوم الأمة بتفعيلها هي إنشاء مؤسسة تنويرية كبرى تضم كبار المفكرين والمثقفين العرب تكون مهمتها وضع تصور «فكري وعقائدي» لمواجهة خطاب التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الديني، ولها في سبيل ذلك أن تقود حراكا ثقافيا يضع الأمة على الخريطة العالمية من حيث الإبداع والتنوير. أما الأمر الآخر فهو ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، فبئس ما فعلناه حينما جعلنا أمريكا تقود المنطقة عسكرياً، إذ أين كانت الاتفاقية العسكرية التي وقعتها الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية؟! ألا يدفعنا تقصيرنا في السابق إلى تلافي التقصير في الوضع الحالي الذي نعيشه، عراقنا مستباح، ومصرنا تتكالب عليها الخفافيش، وحدث ولا حرج عن سورية وليبيا واليمن، في الوقت الذي تنص فيه اتفاقية الدفاع العربي المشترك على «إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقررها مجلس الدفاع المشترك». وقد ورد في الاتفاقية أيضا «تقديم المقترحات لتنظيم قوات الدول المتعاقدة ولتعيين الحد الأدنى لقوات كل منها حسبما تمليه المقتضيات الحربية وتساعد عليه إمكانات كل دولة. ج – تقديم المقترحات لاستثمار موارد الدول المتعاقدة الطبيعية والصناعية والزراعية وغيرها وتنسيقها لصالح المجهود الحربي والدفاع المشترك». وقد استلزمت الاتفاقية «تنظيم تبادل البعثات التدريبية وتهيئة الخطط للتمارين والمناورات المشتركة بين قوات الدول المتعاقدة وحضور هذه التمارين والمناورات ودراسة نتائجها بقصد اقتراح ما يلزم لتحسين وسائل التعاون في الميدان بين هذه القوات والبلوغ بكفايتها إلى أعلى درجة». فأين هذا الجيش العربي الموحد؟! الذي بإمكانه الرد على أي مؤامرة دولية تحاك ضد المنطقة، والذي بإمكانه أيضاً القضاء على تنظيمات الدواعش الإخوانية الإرهابية، وهل يكفينا في هذا الصدد ما تقوم به دولنا حالياً من شراء الأسلحة وتكديسها دون أن تقوم بأي قدر من الجهد لإنشاء الجيش العربي الموحد الذي يستطيع استخدام هذه الأسلحة لحماية شعوبنا؟!، يا حكام العرب شعوبكم تستغيث بكم فافعلوا شيئاً لله والوطن.