صديق عراقي كان يظهر كثيرا على السكايب وكنا نسولف "نتحدث" عن الآتي والماضي وعن الحاضر الملتبس حتى نمل من الحديث ونمل مما نطلق عليه "السوالف" المأخوذة من كلمة "سالفة" أي حكاية. وهناك حكايات أيضا من سالف العصر والأوان وكان يا ما كان. نغلق السكايب ونذهب للنوم فتدهمنا الأحلام المزعجة من كثر ما نرى على الشاشات من أحداث مرعبة كلها ذبح وسكاكين وسيوف وبنادق. هذا حالنا كل يوم .. فجأة أنقطع الصديق العراقي عن الظهور على السكايب ومرت أيام ما أقلقني ذلك سيما وأن حديثه معي موسوم بالملل والإكتئاب. حاولت مكالمته عبر الهاتف النقال. الهاتف يرن ولا جواب. إنتابني قلق حقيقي. كلمت إبنه، فقال لي أن والدي أطلق ذقنه وهو معتكف في المنزل ولا يذهب للشغل، لا ينظرإلى شاشة التلفزيون ولا يقرأ كتابا كعادته ونحن قلقون بشأنه. رجوته أن يطلب منه الإجابة على مكالمتي أو الظهور على السكايب لبضع دقائق. نجحت في أن أجعله يتحدث لبضع دقائق. أوضح لي أنه ومع حالة الكآبة التي يمر بها إلا أن حادثا حدث قرب منزله. حيث خرج أبناؤه يتسامرون قريبا من البيت مع أبناء الحارة كما خرجت زوجته وإبنته في زيارة لبيت الجيران. وفجأة هز المنزل إنفجار قريب من الدار وتكسر زجاج النوافذ وسقطت الصحون من الرفوف وسقط جهاز التلفزيون على الأرض من شدة الإنفجار. قال، وحاولت معرفة مصير أهلي وصرت أبحث عنهم حيث إنتابني الشعور بأنني خسرتهم جميعا. وبعد أن عرفت بسلامتهم بدأت أفكر بمصير الآخرين الذين يفقدون أبناءهم وعائلاتهم كل يوم وتيقنت بأنني سوف يصيبني مثل ذلك المصاب، فأصبت بما يشبه الشلل في عدم قدرتي على فعل شيء. قال لي .. أنها اللاجدوى من العيش واللا جدوى من الحياة. رجوته أن يذهب إلى الحلاق ويعود للحياة طالما انه قرر الزواج وبناء الأسرة وإنجاب الأولاد فهو مسؤول عنهم. لو لم يكن قد أتخذ هذا القرار الإجتماعي وقرر العيش وحيدا والموت وحيدا فمن حقه أن يعتكف وأن يمل وحتى ان يطلق النار على رأسه ويموت لو شاء .. لكنه قرر تأسيس مجتمع صغير إسمه العائلة وهو مسؤول عنهم وممنوع إعلان اللاجدوى أمامهم إذ ما الجدوى من اللاجدوى. هل يستطيع مثل هذا الإحتجاج منع مجنون تافه وفاشل يريد أن يزرع الموت في الحياة فينتج المفخخات ويودي بحياة الأبرياء .. أبدا لن يستطيع. هذا قدر وعلى البلدان المتحضرة الحيلولة دون القدر الغادر والعيش مع القدر الجميل. ولا جدوى من اللاجدوى! سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا [email protected]