تعني الهجرة بوجه عام حركة الانتقال -فرديا كان أم جماعيا- من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا أم سياسيا. ويمكن التميز بين الهجرة الشرعية والهجرة غير الشرعية، فالهجرة الشرعية هي التي تتم من خلال الإجراءات الرسمية بالحصول على تأشيرة دخول إلى البلد المقصودة عن طريق مكاتب الهجرة في تلك البلد أو السفارات والقنصليات المعتدة، أما الهجرة غير الشرعية فهي التي تكون من خلال وسائل وطرق غير شرعية عن طريق سماسرة أو مهربين أو مافية متخصصة في هذا المجال. ويلخص العالم الديمغرافي الفرنسي الكبير ألفريد صوفي إشكالية الهجرة بقوله "إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات" والذي خلق الهجرة بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير هو عملية ترسيم الحدود بعد الحرب العالمية الأولى، حيث في السابق كانت تتم الهجرة بصورة انسيابية تبعاً لأغراض محددة سلفاً؛ ولكن تنازع المصالح السياسية والاقتصادية زاد من حدة الهجرة، والهجرة كانت وما زالت تتم بشكل عمودي من الجنوب الفقير إلى الشمال الغني. وتعد الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية أو غير القانونية ظاهرة عالمية موجودة ومتفشية في الدول المتقدمة كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفي أميركا اللاتينية كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، أو الدول النامية كدول الخليج، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل عائقاً بالنسبة إلى تنقل القبائل من دولة إلى دولة أخرى مثل: ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا. وفي الآونة الأخيرة اكتسبت هذه الظاهرة أهمية بالغة في حوض البحر الأبيض المتوسط نظرا لاهتمام وسائل الإعلام بها، فأصبحت تشكل رهانا أساسيا في العلاقات بين الضفتين. وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتفاوت الاجتماعي والغنى بين الشمال والجنوب وفي ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للدول الفقيرة مثل: غزة، ويتجلى التباين في المستوى الاقتصادي بصورة واضحة بين الدول الطاردة والدول المستقبلة، وهذا التباين هو نتيجة لتذبذب وتيرة التنمية في هذه البلاد التي لازالت تعتمد أساسا في اقتصادياتها على الزراعة والتعدين. بالإضافة إلى البطالة التي تمس عدد كبير من خريجي الجامعات وهي ظاهرة منتشرة هنا في فلسطين حيث في غزة وحدها تشير الإحصائيات أنه ما يزيد على 60000 عاطل عن العمل وخاصة بين فئة الشباب، كذلك التباين في الأجور، والفقرة المفقع الذي يسود المجتمع الغزي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأمني من جراء العدوان المتكرر على غزة، واستمرار الصراع الحزبي والفصائلي على السلطة. هذه العوامل مجتمعة دفعت الشباب إلى أن يقع في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة الذين يتقاضون من كل شاب المبالغ الطائلة التي تجعله يبيع كل ما يملك في سبيل تحقيق الحلم والطموح في الوصول إلى الشمال الغني لكي يصبح غنيان، بالرغم تعرض الكثير من الشباب إلى حالات النصب والاحتيال تحت ذريعة أنهم سيوفرون للشباب عمل في دول الشمال الغني. حيث النتائج الكارثية والموت هو النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة والتي ناتجة أيضا عن عدم توفر الوعي الكامل بمخاطر الهجرة غير الشرعية عند الشباب الذين يلقون حتفهم وهم في طريقهم إلى أحد الموانىء الإيطالية التي هي في الغالب المنفذ الرئيس الذي يسلكه المهربين، حيث يتم تسفيرهم على متن سفن صغيرة الحجم ليس ليدها أي مقومات لنقل أعداد كبيرة أو توفير خدمات على متنها، أو احتوائها على معدات الأمن والسلامة؛ فتكون النتيجة غرقهم في البحر، والذي ينجو منهم يعامل أسواء المعاملة لمخالفته القانون الإيطالي، حيث يتم إعادته مرة أخرى إلى أرض الوطن مرحلاً مهاناً إلى بلده مرة أخرى، أو ترحيلهم إلى أحد الدول الأوربية من خلال المافيات والمهربين هناك. وهذا ما حصل للمهاجرين من غزة والتي ظهرت فجأة خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث بدأت أعداد كبيرة من الشباب بالهجرة عن طريق البر عبر الأنفاق إلى مصر ومن ثم إلى ميناء الإسكندرية ثم إلى إيطاليا، حيث غرق عدد كبير منهم في وسط البحر المتوسط، وهذه الهجرة ناتجة في الغالب عن حالة اجتماعية نفسية نتيجة الحرب على غزة لأنها لم تكن موجودة في الأصل. كما هي منتشرة في بقاء مختلفة في العالم منذ زمن طويل. بالرغم أن الكثيرين من أبناء غزة غادروا غزة بشكل رسمي عن طريق المعبر أثناء العدوان، إلا أنهم عادوا بعد الحرب ليؤكدوا تمسكهم بالوطن وبأرضهم وفي أصعب الظروف الإنسانية. إن ما يحدث الآن في غزة قد يكون ليس في مستوى الظاهرة، ولكن مؤشر خطير يشير إلى وضع غير سليم يجب البحث في الأسباب الحقيقية ومعالجتها، وهذا يتطلب من كافة المسؤولين في السلطة والفصائل والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني سرعة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من هذه الظاهرة وعدم تفاقمها، وخاصة الدعوة للخروج من عنق الزجاجة في التنازع على السلطة وتغليب مصلحة الوطن على الحزبية والفصائلية.