تنمية القدرات الذاتية، اكتساب المهارة في تسيير الحوارات، استعادة الثقة بالنفس، التغلب على الإرهاق، أو حتى تطوير الموارد البشرية في العمل ومواجهة انخفاض الانتاجية، أشياء وأخرى يسعى إليها الانسان من أجل تحقيق أهدافه في الحياة وذلك بالاستعانة بأخصائيين في تطوير الذات أو ما يسمى ب"الكوتشينغ"، ثقافة جديدة شهدها المغرب في السنوات القليلة الأخيرة ودخلت أسواره بتأثير من الغرب. وللتقرب أكثر من الموضوع وإخراج الصورة من عتمتها استقصت "العلم" أراء مواطنين واختصاصيين في تطوير التنمية الذاتية بالمغرب. ما هو الكوتشينغ؟ تطوير الذات او ما يسمى ب"الكوتشينغ"، هو عبارة عن حوار أوعملية تطويرية مركزة على المستفيد وماذا يريد بصورة خاصة، وأيضا عملية مستمرة يتم تحديد اطارها الزمني تبدأ من يوم إلى سنة حسب نوع البرنامج. ويركز "الكوتش" على تمكين الزبون من الوصول إلى الاجابات والخيارات المناسبة من بيئته ومن داخل نفسه، ليس عبر نقل معلومة ما أو تدريبه على مهارة ما كما يحدث في التدريب او التدريس، حيث يرتكز التدريب بصورة عامة على المدرب وقدرته على عرض و نقل المعلومة أو النظرية ذات العلاقة لمجموعة من المتدربين في سياق زمني ومكاني محدد ينتهي غالبا بانتهاء عملية التدريب، وعبر مادة وأنشطة تدريبية محددة ومعدة مسبقا من قبل مدرب المادة. ويعتبر التدريب أحد الخيارات التطويرية ولكن ليس الخيار الوحيد كما يعتقد البعض، حيث هناك تحديات يواجهها الشخص تحتمل أكثر من احتمال وأكثر من اتجاه، ولا يمكن الاجابة عليها بإجابة واحدة محددة إلا بعد الاستماع، ومحاورة وإثارة افكار الشخص من خلال أسئلة ونماذج "الكوتشنغ" المصممة لذلك. البحث عن السعادة ببهجة وسرور ارتسمت على محياه قابلنا فهد شاب في العشرينيات من عمره، فبعد الانتهاء من الحصص التدريبية مع "الكوتش" يختلج في خاطره احساس ينم عن الارتياح والطمأنينة، كان فهد يعاني من التوتر الدائم والقلق، وأحيانا تراوده افكار شيطانية تخرجه عن شعوره وتتسبب له في الأرق الدائم، لكن بعد طواف البحث عن حل في كل العيادات الطبية لم يجد العلاج إلا عند عيادة مدرب تطوير الذات أو"الكوتش"، يقول "لم اتخيل أني سأخرج من الحالة التي كنت فيها، لكن بعد ثلاث حصص مع "الكوتش" احسست أنني أعيش وسأعيش مجددا بعقلية أكثر انفتاحية على المجتمع، فالآن وجدت سعادتي عند عيادة "الكوتشينغ" " التخلص من الخجل فاتن طالبة في العشرينيات من عمرها، التحقت بإحدى المراكز المختصة في تطوير الذات منذ شهر، صرحت ل"لعلم" أن اختيارها هذا جاء بناء على نصيحة إحدى صديقاتها التي استعانة بأخصائية في تطوير الذات، فاستطاعت التغلب على مجموعة من المشاكل التي كانت تعيق مسيرتها الجامعية، تقول"التحقت بهذا المركز بعدما لاحظت التغيير الذي طرأ على صديقتي، حيث استطاعت التغلب على خجلها، ولأنني ما زلت أتابع دراستي بالجامعة التي تتطلب إنجاز عروض وإلقائها أمام الجميع فإنني أجد صعوبة في ذلك حيث أخجل وأرتبك، والحمد لله مع الحصص التي أتلقاها بدأت أحس بالتطور". تسيير المقاولة بنجاح "في البدء كنت متحمسا لفكرة المقاولة، فقمت بالاشتغال عليها رفقة مجموعة من الزملاء، لكن مع كثرة الطلبات التي بدأت تتوافد على المقاولة بدأت أحس بالتعب، وفي نفس الوقت اختلطت عليا الأمور في التسيير، فقررت اللجوء إلى "كوتش" متخصص في تسيير الأعمال" يقول سعيد شاب في الثلاثينيات من عمره في تصريح ل"العلم"، مضيفا " لقد ساعدني الكوتش كثيرا من خلال توجيه مجموعة من النصائح في طريقة تسيير المقاولة، وكذا تنمية قدراتي في التعامل مع الشركاء في العمل، وتعزيز ثقتي في تسيير الاجتماعات التي يتم عقدها مع العملاء من دول أخرى، والعمل كفريق واحد، فعلا لقد كان أفضل حل بالنسبة لي". الحصول على العمل وفي إحدى المراكز المتخصصة في تطوير الذات المتواجدة في العاصمة الرباط قابلنا توفيق تقني في المعلوميات، الذي صرح ل"العلم" أنه أخيرا سيتمكن من إجتياز مقابلات الحصول على العمل بكل سهولة، يقول" لقد حصلت على دبلوم تقني العام الماضي، وكلما ذهبت لشركة ما لاجتياز المقابلة لا أتوفق في ذلك، نظرا للارتباك الذي يصاحبني أثناء الاجابة عن الأسئلة، أضف إلى ذلك انعدام الثقة بنفسي وبما أقول، فقررت اللجوء إلى "الكوتشينغ"، الذي سهل علي المأمورية من خلال الحصص المتنوعة التي أتلقاها، فبدأت أشعر بتحسن كبير بالمقارنة مع الماضي". أطور ذاتي بنفسي وعلى عكس كثير من الأشخاص الذين يفضلون الاستعانة بأخصائي في تطوير الذات، ترى فاطمة امرأة في الثلاثينيات من عمرها، تشتغل في قطاع الصحة أنه لا ضرورة في ذلك لأنه يبقى موضة يقلد فيها المغاربة الغرب كتقليدهم للباس وغيره، تقول" صراحة لاحظت في الآونة الأخيرة ان العديد من الأشخاص أصبحوا يلجؤون لما يسمى "الكوتش" ليطور ذاتهم، أنا عن نفسي في غنى عنه، فإذا أردت أن أطور من ذاتي سأطورها بنفسي، بعيدا عن ذلك، لأنه مضيعة للوقت وللمال" وفي نفس المنحى اتجه محمد رجل في الأربعينيات من عمره موظف في قطاع التعليم اكد في تصريح ل"العلم" انه لا يؤمن اطلاقا بما يسمى "الكوتشيغ"، معتبرا أنها ثقافة غزت المغرب بتقليد من الغرب، يقول "معرفتش شنو كيدير هاد الكوتش، بصراحة لمغاربة ولو كيقلدو كلشي، وولاو كيمشيو عند هاد الأخصائيين غي باش واحد يبان على لاخور موضة وصاف، بحال إلى كلبس من الماركة لفلانية وكنمشي للنادي لفلاني، ودابا زلات كنمشي عند الكوتش الفلاني، حنا من شحال هادي شكون كان كينمي قدراتنا، كنا راسنا وبتيسيير من الله، كنتغلبوا على كلشي، الحصول كلشي تبدل وصاف". كيربحو لفل تنمية مهارة الحياة العملية الكاتب والباحث في علم النفس المصطفى يطو اعتبر في تصريح لجريدة "العلم" أن الهدف الأسمى من برامج تنمية الذات هو تنميه مهارات الحياة العملية، كمهارات القيادة والتواصل و تنظيم الوقت والتفاوض، والفكرة التي تستند إليها هذه التقنيات هي أن تغيير العالم يبدأ من ذواتنا، فالنجاح أو الفشل يتوقف أساسا على الإنسان وليس الظروف الاجتماعية. وأضاف "غير أن ما يعاب على هذه البرامج أن مفهوم التنمية الذاتية لا يكاد أن يكون طبقيا نتيجة لافتقاره للموضوعية، والواقع أن مفهوم تنميه الذات بأساليبه المختلفة هو فن "تكنيك" أكثر منه علم، فضلا أن المختصين فيه تناولوا في أحيان كثيرة مفهوم تنميه الذات و تطوير الشخصية من منظور شخصي يستند إلى الخبرة الذاتية، بالإضافة الى أن المدربيين الغربيين يعتمدون على البرمجة اللغوية العصبية كأداة لتغيير الافكار السلبية وبالتالي تفريغ اللاشعور من كل الخبرات المؤلمة والمشاعر السلبية المكتنزة عبر طرق تخفيف الضغوط". مؤكدا أنه في المغرب يمكن القول أن مجموعة من الناس احترفوا هذه المهنة من خلال تبريرهم الحصول على شواهد في التنمية الذاتية، شواهد منحت لهم من طرف مدربيين مشكوك في مصداقيتهم وغير حاصليين على شواهد من معاهد متخصصة، لدى تجدهم يغرقون في العموميات ويستندون على الدين وقواعد الاخلاق، في حين أن التنمية الذاتية لها قواعد عملية ونظرية. "وهنا نشير إلى انه رغم صحة الأصول الفكرية لمفهوم تنميه الذات ممثلة في قاعدة أن تغيير العالم يبدأ من الذات، إلا أن العديد من المختصين الغربيين في التنمية البشرية قد أكدوا على الذاتية، لدرجه إلغاء الموضوعية تحت تأثير الفلسفة الليبرالية و يترتب على ذلك إنكارهم لدور الظروف كعامل معوق أو مساعد في حركية التطور الاجتماعي ". مضيفا في تصرح ل"العلم" أن عدد من الكتاب قاموا بمحاولات عديدة لتوطين تنميه الذات وتطوير الشخصية وأساليبها في الوطن العربي، منهم إبراهيم الفقي وعمرو خالد ... "غير أن نجاح محاولات توطين تنميه الذات، يتوقف على تجاوز موقفي القبول المطلق أو الرفض المطلق لتنميه الذات وأساليبها، إلى موقف نقدي يجعل القبول أو الرفض متوقف على مدى اتساق أو تناقض مفاهيم وأساليب تنميه الذات مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، وهنا نشير إلى انه إذا كانت بعض هذه المفاهيم والأساليب تناقض مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة ، فان الأساس الفكري لمفهوم التنمية البشرية هو" الانطلاق من أن الإنسان هو العامل الحاسم في التطور الاجتماعي "، يتسق مع مفاهيم استخلاف الإنسان وتسخير الطبيعة في المنهج الاسلامى، كما أن الأصول الفكرية لمفهوم تنميه الذات "قاعدة أن تغيير العالم يبدأ من الذات "،تتسق مع تقرير المنهج الاسلامى على اسبقيه التغيير الذاتي على التغيير الموضوعي كما في قوله تعالى "إن الله لا يغبر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" بالاضافة الى مدى صحة أو خطاْ نظريات وأساليب تنميه الذات طبقا لمعياري التجربة والاختبار العلميين. وأكد الباحث في علم النفس المصطفى يطو أن هناك تفاعل مع هذه البرامج والدليل تجلي مجموعة من المدربيين وظهورهم المفاجئ في شكل دورات وورشات، لكن الاشكال يتجلى في كون أن قلة قليلة تحضر هذه الدورات، وإن حضرت فهدفها الاستفادة من هذه الدورات قصد اكتساب حرفة جديدة قد تدر المال على اصحابها في المستقبل، لدى قد تنافس التنمية الذاتية العيادات الطبية للأمراض النفسية" والسبب يضيف يطو هو "أن كليات الطب لا تعتمد على اختصاصيين في التحليل النفسي، نخرج اطباء يعالجون بالعقاقير المصححات الدماغية والمسكنات ولا نهتم بالعلاج المعرفي والسلوكي، لهذا سيتعاطى المغاربة وسيتفاعلون مع برامج التنمية الذاتية لتصحيح افكارهم ولكسب الثقة في ذواتهم". وعن الفئات التي تلجئ لهؤلاء الاختصاصيين، صرح يطو ل"العلم" "أن الشباب هم أكثر الفئات اقبالا على تطوير الذات، لأنهم يحتاجون التنمية الذاتية لتحقيق ذواتهم وبالتالي النجاح من خلال تقوية قدراتهم التواصلية والإبداعية، باعتبارها طريقة للتميز وخلق مجال حيوي داخل المجتمع ووسيلة للتشغيل الذاتي، لدى نجد برامج تنمية ذاتية تنصب على فن التواصل وطرق الوصول الى النجاح، والمرافقة النفسية والدعم التربوي وتنمية القدرات لإعادة برمجة افكارنا للتخلص من عوائق النجاح، وأخيرا يجب الاعتراف ان هذه البرامج تعزز الثقة وتزرع التحفيز في النفوس وتطوير المهارات الذاتية".