تحل اليوم الذكرى الخامسة عشرة لجلوس جلالة الملك محمد السادس على عرش آبائه وأجداده الميامين. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1999، بويع جلالته ملكًا للمملكة المغربية خلفًا لوالده جلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، باني المغرب الجديد، فكان جلالته خير خلف لخير سلف، واصل مسيرة البناء الديمقراطي والنماء الاقتصادي وتعزيز الاستقرار السياسي وترسيخ قواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات والتعبئة من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة وحماية المكتسبات والتمسك بالثوابت والمقدسات. لقد اقترن العهد الجديد الذي انبثق فجره في هذا اليوم قبل خمسة عشرة سنة، بالإصلاحات العميقة والإنجازات الكبرى والمكاسب الوطنية التي وضعت بلادنا على طريق التقدم والتحديث والتطوير والتجديد في جميع المجالات الحيوية، مما فتح أمام المغرب الآفاق الواسعة عرف كيف يرتادها، وجعل بلادنا تشهد أوراشًا متعددة تغطي كل القطاعات. وهو الأمر الذي عزز من قدرة المغرب على الانطلاق نحو بناء المستقبل على قواعد راسخة. لقد ارتبط عهد جلالة الملك محمد السادس الذي تحل اليوم الذكرى الخامسة عشرة لاعتلائه عرش آبائه وأجداده، بدينامية سياسية عالية، تبلورت في قرارات شجاعة جريئة، انتقلت بالمغرب من مرحلة إلى أخرى، وضخت دماء جديدة في الشريان الوطني، وجددت الحياة السياسية على نحو غير مسبوق، ووضعت البلاد على مسار يتجه نحو المستقبل بقوة وبحكمة وبرؤية جديدة وبفكر سياسي جديد، وكان الدستور الجديد الذي أقره الشعب بغالبية غير مسبوقة، قوة دفع لهذه النقلة النوعية التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة. وبذلك دخلت بلادنا المرحلة التي تهيئها للانخراط في الحركة الديمقراطية الحديثة، وللاندماج في التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، وللارتقاء إلى المستوى العالي من التطور الذي يحقق للبلاد الأهداف الوطنية التي تسعى إليها في التقدم والتنمية الشاملة المستدامة، وفي امتلاك شروط النهضة الحضارية التي تنفتح على آفاق العصر، ولا تفرط في الثوابت وفي الخصوصيات الروحية والثقافية واللغوية. لقد أعطى العرش المغربي، بالقرارات التاريخية الحاسمة التي اتخذها في شجاعة وبقوة ذاتية، زخما لدينامية الدولة المغربية، فتحوّل المغرب إلى ورشة دستورية وسياسية لا تقل أهمية وتأثيرا في المجتمع، من الورشة الاقتصادية والاجتماعية التي تعم البلاد، بحيث صار البناء السياسي والديمقراطي والاقتصادي والإجتماعي، هو الطابع المميّز للمرحلة الراهنة، والبناء في الحاضر هو بالمنطق الرياضي وبالحسابات السياسية والاستراتيجية، البناء للمستقبل، لأن المستقبل يبدأ اليوم وليس غدا. وتلك هي الحكمة التي أدركها العرش واستوعبها وتمثلها وعمل مع الشعب على تحقيقها في الواقع المعيش، فكان العرش المغربي بانيا للحاضر، وبانيا للمستقبل، ومجددا للدولة، ومجددا للمجتمع، ومحييا للأمل الوضيء في نفوس المواطنين. إن الذكرى الخامسة عشرة لجلوس جلالة الملك محمد السادس على العرش، تحيلنا على ملحمة وطنية للبناء الشامل المتكامل على أرسخ القواعد لمغرب جديد، يتطلع إلى المستقبل بقيادة العرش الباني للمستقبل.