شكل القضاء الدستوري في الأنظمة الديمقراطية دعامة أساسية لبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات ومدخلا رئيسيا لتعزيز المسار الديمقراطي ما دام القضاء الدستوري موكول إليه مهمة حماية الحقوق والحريات الأساسية من أي تشريع من شأنه المس بهذه الحقوق والحريات أو أي تطبيق أو تأويل أو تفسير قد يؤدي إلى خرق مبادئ الدولة الديمقراطية عندما اعتمدت بعض الدول نظاما يقضي بحق المواطن في الدفع بعدم دستورية قانون يرى فيه مسا بحقوقه وحرياته الأساسية بمناسبة نزاع أمام المحاكم أو تحصين العملية الديمقراطية بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية يضمن احترام إرادة الناخبين في اختيار ممثليهم بكل نزاهة وشفافية من خلال تمكينهم من الطعن في أي انتخاب يعتبرونه مشوبا بالفساد. إن هذا الدور النبيل للقضاء الدستوري بما يحمله من أسس وضمانات لحماية حقوق الانسان والحريات العامة دفع المشرع الدستوري المغربي في أول دستور عرفته البلاد في 1962 إلى إحداث غرفة دستورية بالمجلس الأعلى ليتم الارتقاء بها في الاصلاح الدستوري لسنة 1992 إلى مجلس دستوري. وجاء الاصلاح الدستوري الأخير ليتم الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية انسجاما مع توجهات جلالة الملك في خطاب 9 مارس 2011 التاريخي بترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية تكريسا لاستقلال القضاء، مؤكدا جلالته على مبدأ سمو الدستور والقانون وما يتطلب ذلك من ضرورة الارتقاء بالمجلس الدستوري الى محكمة دستورية ذات اختصاصات واسعة تشمل إلى جانب مراقبة دستورية القوانين والنظر في الطعون الانتخابية مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية والبت في المنازعات بين الدولة والجهات، بالإضافة إلى تخويل هذه المحكمة صلاحية البت في دفوعات المتقاضي بعدم دستورية قانون تبين للقضاء أن من شأنه المساس بالحقوق والحريات الدستورية بما يضمن تعزيز الديمقراطية المواطنة كما جاء في الفصل 133 من الدستور، هذا المقتضى الجديد قررت الحكومة تأجيله إلى حين اصدار قانون تنظيمي خاص به. إن هذه الاختصاصات الواسعة التي خولها الدستور للمحكمة الدستورية تجعل القضاء الدستوري في قلب التحول الديمقراطي الذي علق عليه المغاربة آمالا كبيرة في تحصين حقوقهم وحرياتهم من أي مس من أي جهة كانت ما دام سمو الدستور يشكل مبدأ دستوريا لا يمكن تجاوزه تحت أي ذريعة كانت، بما في ذلك الاجتهادات القضائية الناتجة عن تأويل وتفسير القوانين. فإلى أي مدى ساهم القضاء الدستوري في بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات ؟ إلى أي حد ساهم القضاء الدستوري في تحصين حقوق وحريات المواطنين، بما فيها الحقوق المدنية والسياسية ؟ إلى أي مدى تمكن القضاء الدستوري من مسايرة التوجه الجديد الذي جاء به الاصلاح الدستوري روحا ومنطوقا وترجمة التفعيل الديمقراطي للدستور؟ هل تمكن القضاء الدستوري من الانسجام مع التحول النوعي الذي طرأ عليه بالارتقاء من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية بما يضمن الانتقال من الرقابة السياسية لدستورية القوانين الى الرقابة القضائية ؟ إلى أي مدى تمكن القضاء الدستوري من إعطاء المراقبة القضائية لدستورية القوانين مدلولها الحقيقي بما يضمن الانتقال الى قضاء دستوري ديمقراطي ؟ إنها أسئلة وغيرها تطرحها المهمة النبيلة الموكولة للقضاء الدستوري بعد الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية وما يقتضيه هذا الارتقاء من تحول جذري في هذه المهمة يصبح معها القضاء الدستوري القلب النابض للعدالة ببلادنا.