تدخل مصر إبتداء من صيف سنة 2014 مرحلة تاريخية جديدة، ستتميز بتحديات ضخمة لن تكون مصيرية بالنسبة لها فقط بل بالنسبة لكل منطقة الشرق الأوسط الكبير، ذلك أن الصراع الدائر على أرض الكنانة خاصة منذ بداية سنة 2011 لم يكن محليا فقط بل كان ذا أبعاد دولية وذلك في نطاق عالم يعاد تشكيل توازناته وقواه وتحالفاته. يوم الأحد 30 مارس أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية بمصر إن الجولة الأولى للانتخابات ستجرى يومي 26 و27 مايو مما يعني أن مصر سيكون لها رئيس جديد بعد عام كامل تقريبا من عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي. وعزل الجيش مرسي المنتمي لجماعة الإخوان في الثالث من يوليو 2013 عقب احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه. وقال المستشار أنور العاصي رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية في مؤتمر صحفي يوم الأحد إن جولة إعادة إذا لزم الأمر ستجري يومي 16 و17 يونيو. وأضاف أن الاعلان عن نتيجة الجولة الأولى سيكون في موعد أقصاه الخامس من يونيو فيما ستعلن النتيجة النهائية للانتخابات في حال إجراء جولة ثانية في موعد أقصاه 26 يونيو. وبحسب قانون الانتخابات الرئاسية الذي أقر قبل أسابيع يتعين على المرشح الحصول على الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة وهي 50 بالمئة زائد واحد ليحسم الانتخابات من الجولة الأولى. وإذا لم يحقق أي من المرشحين هذه النسبة تجري الاعادة بين الاثنين الأعلى أصواتا. وهذه هي الانتخابات الرئاسية الثانية التي تشهدها مصر في أقل من عامين. وكان إعلان المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع السابق اعتزامه الترشح للرئاسة قد أثار ردود فعل واسعة، حيث رحب منافسه حمدين صباحي بترشحه، ودعا إلى انتخابات "ديموقراطية نزيهة شفافة تضمن حياد الدولة وحق الشعب في اختيار رئيسه بإرادته الحرة". وطالب بفرص متساوية في وسائل الإعلام الرسمية، فيما تحفظت قوى أخرى عن ترشحه. واعتبرت جماعة "الإخوان" الخطوة "دليلا" على أن عزل الرئيس السابق محمد مرسي "انقلاب" وقال القيادي في الجماعة ابراهيم منير لوكالة "فرانس برس" انه "لن يكون هناك أمن او إستقرار" في ظل رئاسته. خارجيا سجلت معارضة غير علنية في كل من واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب وطهران. مواقف الشباب يسجل أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسي أحدث حالة من الانقسام داخل القوى الثورية والشبابية في مصر، خاصة داخل حركة تمرد التي ساهمت بشكل كبير في الدعوة إلى مظاهرات 30 يونيو التي أسقطت حكم الإخوان، وتباينت مواقف قيادات الحركة من الانتخابات الرئاسية وانقسمت إلى فريقين، أحدهما يؤيد المشير، والآخر يدعم حمدين صباحي. أحد منسقي حملة حمدين أكد أنه مرشح من الثورة، ويعبر عن انتماءات وأفكار شباب 25 يناير و30 يونيو، كما أنه قادر على التعبير عن عموم الشباب، ولديه حلول اقتصادية كفيلة بالقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأوضح المنسق أن الحديث عن انتخابات محسومة لصالح مرشح معين غير صحيح بالمرة، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تدشين الحملة الرسمية لصباحي، وسيتم تنظيم 40 فعالية في اليوم الأول لها، داعيا أجهزة الدولة إلى الحياد بين المرشحين، وعدم التدخل في الانتخابات، لأن الجميع في النهاية يسعى إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة. من جهة أخرى، أكد مصطفى السويسي المتحدث باسم حركة "تمرد" الجناح المؤيد للسيسي أن تمرد تؤيد السيسي لعدة أسباب، أهمها الشعبية الكبيرة له والتي ستؤهله لاتخاذ قرارات تؤثر بشكل مباشر على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، موضحا أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان يعتمد على شعبيته في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية وقوى الاحتلال. ويتسابق المرشحان على كسب ود القطاع الشبابي العريض، لأنه يمثل شريحة كبيرة ومؤثرة، يعول عليها كل مرشح في مناصرته ودعمه، ويحاول كلاهما التأكيد أن مطالب الطبقة الشبابية في مقدمة أولوياته، لذلك أعلن كل منهما عزمه إجراء حوارات مكثفة خلال الفترة المقبلة. حياد حكومي الحكومة المصرية سعت إلى طمأنة المتنافسين فتعهدت في بيان أعقب اجتماعها يوم 27 مارس "بالوقوف على مسافة متساوية من جميع المرشحين مؤكدة "سنقف على الحياد الكامل أثناء إجراء الاستحقاق الرئاسي". وأشارت إلى أنها "تتابع الإجراءات التي تتخذها اللجنة القضائية المشرفة على الرئاسيات باعتبارها صاحبة الاختصاص الوحيد في ما يتعلق بالعملية الانتخابية كاملة، وتؤكد عزمها على توفير كل متطلبات نجاح العملية الانتخابية بنزاهة وشفافية ووقوفها على مسافة واحدة من كل المرشحين". ورحبت ب "التعاون مع كل الجهات المصرية والأجنبية الراغبة في متابعة الانتخابات". واعتبر الناطق باسم وزارة الخارجية بدر عبد العاطي أن "مسألة أن يترشح أي شخص للرئاسة أمر يعني الشعب المصري فقط دون غيره"، مشيرا في مؤتمر صحافي إلى أن "ما يعني العالم الخارجي هو إدارة عملية انتخابات حرة ونزيهة". وقال إن "من حق أي مواطن مصري طبقا للدستور الجديد أن يترشح للانتخابات الرئاسية وما يهم الخارجية والحكومة المصرية بالكامل هو أن تتم إدارة عملية انتخابات حرة ونزيهة، وهذا هو التزام الحكومة أمام الشعب والعالم الخارجي بالكامل". وأكد أن "مصر ليست لديها مشكلة في أن يهتم العالم الخارجي بما يحدث على أرضها، فهي أكبر دولة عربية". لكنه شدد على أن "هناك فارقا بين المتابعة والتدخل في الشأن الداخلي للبلاد... وزارة الخارجية والحكومة ليستا مطالبتين بتبرير مواقف الشعب المصري أمام الخارج، فالشعب هو من يحسم قراره ومصيره". وأشار إلى أن اللجنة العليا للانتخابات ستتلقى طلبات متابعة الانتخابات الرئاسية المقبلة من الدول الأجنبية والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام الأجنبية والعربية وممثلي السفارات المعتمدين في القاهرة "حتى يعلم الجميع في الداخل والخارج أنه لا يوجد شيء نخفيه". وتوقع "أن تكون المتابعة والمشاركة كبيرة"، مؤكدا أن "هناك طلبات من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية وتجمع الكوميسا لمتابعة الانتخابات المقبلة وليس لدى مصر ما تخفيه والعملية الانتخابية ستكون مفتوحة للجميع". الملاحظون يتوقعون حسب ما هو متوفر الآن من معطيات، أن يكون التنافس بين شخصين فبخلاف السيسي لم تعلن أي شخصية سياسية بارزة الترشح للانتخابات سوى السياسي اليساري حمدين صباحي مؤسس "التيار الشعبي" الذي حل ثالثا في انتخابات 2012 الرئاسية التي فاز بها مرسي بأغلبية صغيرة على منافسه أحمد شفيق حيث حصل الأول على 13230131 صوت أي نسبة 51.73 في المئة مقابل 12347380 صوت للثاني أي 48.27 في المئة. وقد لا تجرى جولة ثانية من الانتخابات بالنظر إلى التوقعات بالفوز الكاسح للسيسي، وفي حين يراه مؤيدوه منقذا لمصر حيث جاء تدخل الجيش استجابة لمطالب الشعب الذي نزل الى الشوارع احتجاجا على سعي الجماعة للهيمنة على "مفاصل الدولة" وفرض رؤية متشددة للاسلام على المجتمع، تتهم جماعة الاخوان السيسي بتدبير انقلاب عسكري على الشرعية. ومن المنتظر اجراء انتخابات برلمانية في اعقاب الرئاسية لكن لم يتحدد موعدها بعد. تحديات ضخمة بغض النظر عن الشخصية التي ستفوز في الانتخابات الرئاسية، سيواجه رئيس مصر القادم تحديات ضخمة من بينها انعاش الاقتصاد الذي تضرر بسبب الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات بعد الاطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011، ومواجهة المشاريع المختلفة التي وضعتها قوى أجنبية إقليمية ودولية لتقسيم مصر على أساس ديني ومناطقي عبر حرب أهلية وتحويل شبه جزيرة سيناء إلى وطن بديل للفلسطينيين وتدمير الجيش المصري وذلك كجزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد والقاضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة. السيسي عندما أعلن عن ترشحه تعهد ببناء دولة خالية من الخوف والارهاب وقال "نحن مهددون من الإرهابيين ومن قبل أطراف تسعى لتدمير حياتنا وسلامنا وأمننا... سأظل أحارب كل يوم من أجل مصر خالية من الخوف والارهاب". وأقر السيسي بصعوبة المهمة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية وقال "لدينا نحن المصريين مهمة شديدة الصعوبة.. ثقيلة التكاليف". وأضاف "أنا لا أقدم المعجزات... لن ينجح الحاكم بمفرده بل سينجح بشعبه وبالعمل المشترك معه". وتابع "المصريون يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمن وحرية، وأن يكون لديهِم الحق في الحصول على عمل وغذاء وتعليم وعلاج ومسكن في متناول اليد". وقال السيسي، انه يريد ان يكون أمينا مع المصريين ومع نفسه"، مضيفا "لدينا نحن المصريين مهمةَ شديدة الصعوبةِ، ثقيلة التكاليفِ والحقائقَ الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والأمنية في مصر سواء ما كان قبل ثورة 25 يناير، أو ما تفاقم بعدها حتى ثورةِ 30 يونيو وصلت إلى الحد الذى يفرض المواجهةَ الأمينة والشجاعة لهذه التحديات". وتابع "يجب أن نكونِ صادقينِ مع أنفسنا، بلدنا يواجه تحديات كبيرة وضخمة واقتصادنا ضعيف". واكد ان "هناك ملايين من شبابنا يعانوا من البطالةِ في مصر وهذا أمر غير مقبول، ملايين المصريين يعانوا من المرضِ، ولا يجدون العلاجِ، وهذا أمر آخر غير مقبول". واعتبر انه "غير مقبول" كذلك ان "تعتمد مصر، البلد الغني بموارده وشعبه، على الإعاناتِ والمساعدات". غير ان السيسي لم يغلق باب الأمل. وقال: "رغم كل الصعاب التي يمر بها الوطن اقف امامكم وليس بي ذرة يأس او شك بل كلي امل في الله وفى ارادتكم القوية لتغيير مصر الى الافضل". واستدرك مضيفا: "لكن يجب علينا أن ندرك انه سوف يكون محتم علينا أن نبذل جميعا أقصى الجهدِ لتجاوز الصعوبات التى تواجهنا في المستقبل". وتابع: "صناعة المستقبل هي عقد بين الحاكم وبين شعبه، الحاكم مسئول عن دوره وملتزم به أمام الله وأمام شعبه، والشعب أيضا عليه التزامات من العمل والجهد والصبر، لن ينجح الحاكم بمفرده بل سينجح بشعبه وبالعمل المشترك معه". توقعات المسجل أن غالبية الملاحظين والمحللين حتى هؤلاء الذين لم يسغهم سقوط حكم حركة الإخوان لا يشككون في أن السيسي سيكون الرئيس الخامس للجمهورية في مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952، إلا إذا حدثت مفاجآت. صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قالت إن العديد من المصريين يرون في السيسي "زعيما لا يقهر تقريبا" وقادرا على حل العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة التي تواجه مصر منذ أحداث 25 يناير 2011. وتابعت: "السيسي، انطلاقا من وجهة النظر هذه، تصدى لأعداء مصر في الداخل والخارج وبإمكانه استعادة وضع البلاد كقوة إقليمية". أما صحيفة "لوس أنجيليس تايمز" فقالت إن فوز السيسي البالغ من العمر 59 عاما في الانتخابات القادمة "بات مؤكدا واقعيا". صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت أنه من المتوقع على المستوى العالمي أن يفوز السيسي في الانتخابات القادمة "ليضفي صبغة رسمية وشرعية على السلطة الفعلية التي يمتلكها حاليا". وذكرت الصحيفة أن السيسي يواجه تحديات ضخمة بينها اقتصاد راكد ونسبة تضخم بلغت قرابة 10 في المئة خلال عام 2013 وحده، واضطراب عمالي واسع النطاق وموجة من الهجمات الإرهابية واحتجاجات متواصلة في الشوارع من طرف الاخوان ضد عزل الرئيس السابق. صحيفة "ذي غارديان" البريطانية بدورها قالت إنه "من المتوقع أن يفوز السيسي في أي انتخابات رئاسية باكتساح حيث يراه الكثيرون المرشح الوحيد الذي لديه سلطة السيطرة على بلد أنهكته الإضطرابات على مدار ثلاث سنوات". سياسة الأرض المحروقة يسجل أن بعض وسائل الاعلام تحدثت عن فرضية إبعاد السيسي من السباق الرئاسي بالقوة، فقد صرح اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن هناك مخططات لاغتيال السيسى، مضيفا أن هناك مبالغ مالية تم رصدها لاغتيال المشير من الإخوان وأجهزة بعض الدول الخارجية التى لا ترغب وصوله إلى رئاسة الجمهورية. وأضاف خلال حوار في برنامج الحياة المذاع على قناة الحياة، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية مصرة على مشروعها التى لا تريد به التقدم للوطن العربى والإخوان كانوا أداه لتنفيذه. يوم الأحد 30 مارس وحسب مصادر إعلامية في القاهرة ولندن حيث لجأ عدد من قادة تنظيم الاخوان، نجحت السلطات المصرية في الكشف عن خطة تستهدف الحملة الانتخابية للسيسي وحتى منافسه صباحي ومحاولة اغتيال أحدهما وبث الفتنة انطلاقا من الجامعات المصرية وغيرها من المناطق ذات الأهمية. وعلم من مصادر موثوق بها في منطقة الخليج العربي أن اجتماعا عقد خلال الثلث الأخير من شهر مارس 2014 بين قيادات في ما يسمي "تحالف دعم الشرعية"، وأخرى جهادية، لبحث سيناريو الفترة القادمة. وكشفت المصادر أن الاجتماع وضع خطة لاستهداف مقرات الحملة الانتخابية للسيسي وصباحي، من خلال تنظيم مظاهرات أمامها ومحاصرتها على أن تقوم عناصر خاصة باقتحامها وتدمير محتوياتها. وفي السياق ذاته كشف مصدر أمني رفيع المستوى أن قوات الجيش والشرطة في سيناء تمكنت فجر السبت 29 مارس من ضبط 3 عناصر فلسطينية أثناء محاولتهم التحرك جنوب رفح بعد أن قاموا بالتسلل من غزة إلى سيناء عبر أحد الأنفاق. وأشار المصدر إلى أن القوات عثرت على رسالة مشفرة بحوزة الأشخاص الثلاثة، اعترفوا أنها موجهة من القيادي الإخواني الهارب والمقيم في غزة حاليا محمود عزت، إلى إحدى الجماعات التكفيرية الموجودة برفح، وهي المجموعة التي تتشكل من حوالي 150 عنصرا مسلحا، بينهم 70 من المنتمين لجماعة الإخوان، وتطلق هذه المجموعة على نفسها اسم "أنصار الشريعة والشرعية". المصدر أشار إلى أنه بعد التحقيقات الأولية مع العناصر المقبوض عليها، والمعلومات التي وفرها رجال المخابرات الذين قاموا بفك شفرات الرسالة، وجد أنها تتضمن تعليمات من محمود عزت بوضع خطة "اغتيال السيسي" وأنه أطلق على هذه العملية اسم "المصيدة"، ووفقا لتلك الخطة فإن المجموعة الموجودة في سيناء تقوم بالتواصل مع عناصر الإخوان في جميع أنحاء مصر، لتشكيل مجموعات مدربة من أجل تنفيذ مخطط اغتيال السيسي لو فكر التحرك في جولة انتخابية في أي محافظة. وذكر المصدر، وفقا للمخطط الذي جاء بالرسالة، فإن حركة حماس والتنظيم الدولي للإخوان، سوف يقدمان مستلزمات الدعم لتنفيذ هذا المخطط، الذي يحظى بمباركة قطر والدول الكبرى التي تريد إعادة سلطة حركة الإخوان. المصادر نفسها ذكرت أن الأمن المصري نجح في تسجيل سلسلة اجتماعات بالصوت والصورة تمت قبل أسابيع، بفندق ميلينيوم سنتر بوينت، في العاصمة القطرية، الدوحة، بين نجل داعية مصري مناصر للإخوان، وإعلامي مصري كان يعمل سابقا بقناة الجزيرة، وكذلك اجتماع بين هذا الأخير ومرشح رئاسي، إضافة إلى اجتماع بين هذا المرشح، ومراسل الجزيرة السابق، في عاصمة غربية، اتفق فيها على تنظيم حملة هجوم ضد السيسي، وتصعيد مواجهات طلبة الجامعات المؤيدين للإخوان مع الشرطة، وإظهار مصر على أنها في حالة فوضى. مرشح محتمل للإخوان قال الدكتور طارق فهمى الباحث فى الشئون السياسية، إن الشعب المصرى يريد أن يصبح "السيسي" رئيسا لمصر ولديه حملات شعبية كبيرة وتأييد كبير على مستوى الجمهورية، لأن المواطنين متفائلون بمستقبل جديد للبلاد تحت قيادته. وأضاف "فهمى" في حديث متلفز ان "حركة الإخوان لن تدعم حمدين صباحى" لرئاسة الجمهورية، والطرفان ليس لديهم ثقة متبادلة، ومن الممكن أن نفاجأ بمرشح رئاسى يدفع به الإخوان". إذا كان التهديد بتصعيد العنف المسلح أحد أسلحة جماعة الإخوان فإنهم في نفس الوقت يمارسون مناورات أحد أهدافها إبعاد تهمة الإرهاب عنهم، فبينما يستعد قطار حملة الانتخابات الرئاسية للانطلاق، أطلقت جماعة الإخوان بالونات اختبار بحسب مراقبين، حيث أبدت فيها استعدادها للتراجع خطوة لتحقيق توافق سياسي. وقال جمال حشمت، القيادي البارز في جماعة الإخوان، في تصريحات له يوم 22 مارس، إن "الجماعة تسعى إلى الوصول لتوافق سياسي على غرار ما نجح فيه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس، عندما تنازل عن السلطة". وأضاف حشمت في تصريحات لوكالة "الأناضول"، من مكان ما خارج مصر، أن "الجماعة تستعد لإعلان حدث سياسي مهم في شهر أبريل"، مكتفيا بالقول: "سنضع أيدينا مع كل ثوري محترم منحاز للديمقراطية والحريات". وتابع حشمت، الذي شغل منصب وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى "الغرفة الثانية للبرلمان قبل إلغائه في دستور 2014"، أن "الحدث يأتي في إطار السلمية المبدعة من جانب الإخوان والتحالف الوطني لدعم الشرعية "الداعم للرئيس السابق مرسي" وآخرون لم يحددهم، ويأتي استثمارا للحراك الشعبي في مصر". وشدد عضو شورى الجماعة على أن جماعة الإخوان "لديها نية للتنازل لتجميع المصريين واسترجاع الديمقراطية والحريات"، مضيفا أنه إذا كان ثمن تجمع المصريين المؤيدين للشرعية أو المسار الديمقراطي هو رجوع الإخوان، وحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لها خطوة أو خطوتين للوراء والتراجع عن صدارة المشهد، الذي حازه في إطار ديمقراطية تشاركية، فهو أمر مقبول يمكن بدء الحوار عليه". لكن مجدي قرقر، القيادي في "تحالف دعم الشرعية"، قلل من أهمية تصريحات حشمت قائلا إنه من المبكر جدا الحديث عن تحالف مع قوى سياسية لا تبدي حاليا رفضها للمسار السياسي الراهن، مضيفا أنه من السابق لأوانه توقع أن تقيم جماعة الإخوان تحالفا مع حركة شباب 6 أبريل أو الاشتراكيين الثوريين. من جانبه، استنكر إمام يوسف، عضو الهيئة العليا لحزب الأصالة، القيادي ب"التحالف الوطني لدعم الشرعية" تصريحات حشمت، مطالبا في بيان له أمس رموز "الإخوان" في الخارج بضبط تصريحاتهم، مؤكدا أن التحالف ليست لديه مبادرات يقدمها، وأن تراجع "الإخوان" خطوة إلى الخلف شأن يخصهم، إلا أنهم فصيل من فصائل التحالف وليس هم التحالف. محاولات إجهاض النهوض التهديد الأمني سيكون التحدي الأخطر خلال الأشهر القادمة، خاصة لإنعكاساته على مشاريع النهوض الاقتصادي التي ستتحدد على أسسها مواقف الشارع المصري. منذ الإطاحة بمرسي، تعرضت قوات الشرطة والجيش لهجمات متكررة كما سقط عشرات المدنيين ضحية للهجمات والتفجيرات التي قام بها من عارضوا عزل مرسي، وقد اعلنت "جماعة انصار بين المقدس" مسؤوليتها عن اكثرها دموية وادت الى مقتل بضع مئات من العسكريين ورجال الشرطة. وتتهم السلطات جماعة الاخوان المسلمين بالتواطؤ مع التنظيمات الجهادية المسئولة عن الاعتداءات على الجيش والشرطة. وقالت وزارة الداخلية المصرية يوم السبت 29 مارس إن 496 شخصا قتلوا بينهم 439 من افراد الجيش والشرطة في هجمات إرهابية منذ الصيف الماضي. في واشنطن يعتقد الخبراء انه مع استمرار التحديات الأمنية التي يرجح ان تعيق قدرة السيسي على الوفاء بوعوده بتحسين الأوضاع الاقتصادية، فان البلاد ستتجه إلى مزيد من عدم الاستقرار وهذا ما يعول عليه أنصار تنظيم الإخوان وحلفائهم في الخارج للعودة إلى تولي السلطة في القاهرة. ميشال ديون الباحثة في مركز كارنيغي للسلام الذي يقدم المشورة إلى البيت الأبيض قالت، ان خطاب السيسي يحمل على الاعتقاد بانه سيواصل الحملة على الإخوان التي لا تسمح بتحقيق تقدم كبير نحو عودة الاستقرار. واضافت: "لم اسمع المشير السسي يتحدث عن أي شيء يفهم منه انه سيكون هناك تغييرا في الاستراتيجية الأمنية". واعتبرت ديون انه "اذا استمر قتل الناس كل اسبوع فسيكون من الصعب بل ربما من المستحيل اعادة الاستقرار الذي لا غنى عنه ليقف الاقتصاد على قدميه من جديد". واعتبر شادي حامد وهو محلل كذلك في معهد بروكينغز ان الاضطرابات الامنية قد تعيق السيسي وتمنعه من تحقيق وعوده بانعاش الاقتصاد لكن ذلك لن يؤدي على الارجح الى تراجع كبير في الدعم الذي يحظى به على المدى القصير. وقال حامد "اذا لم يستطع الوفاء بوعوده، ولن يستطيع على الأرجح، فانه سيلجأ إلى آلة القوة". هذا الرأي يختلف معه خبراء آخرون ويشيرون إلى أن الكثير من المصريين يرون اليوم ان الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي يمكنها انهاء ثلاث سنوات من الاضطرابات ما ادى الى تراجع فكرة تولى رئيس مدني قوي السلطة. وقال اندرو هاموند الخبير في شؤون الشرق الاوسط في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية "ان هذا يؤكد مرة اخرى ان جمهورية العسكريين التي حكمت منذ العام 1952 عادت بالعقلية نفسها، أي بعقلية المؤسسة التي تحمي الدولة". أسلوب العصا والجزرة إذا كانت حركة الإخوان تستخدم أسلوب العصا والجزرة في التعامل مع الأوضاع التي أسقطت سلطتها في مصر، فإن البيت الأبيض يتبع نفس التكتيك. فبينما أوقفت الإدارة الأمريكية تنفيذ عقود التسليح لمصر كثفت ضغوطها على الرياض والامارات لحجب أو على الأقل تقليص دعمهما للقاهرة. خلال زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز للولايات المتحدة التقى نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز يوم الخميس 20 مارس في واشنطن وناقشا قضايا ثنائية، وبعدها زار يوم السبت مقر وكالة الاستخبارات المركزية وكان قد التقى قبل ذلك وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل، خلال كل تلك اللقاءات أشار مسئولون وخاصة من البنتاغون أن قضية دعم الرياض بمبلغ 1800 مليون دولار صفقة أسلحة مصرية من روسيا ستضع عراقيل أمام مصادقة الكونغرس على صفقات أسلحة أمريكية للسعودية. يشار إلى أن البيت الأبيض وفي نطاق مناوراته لتبرير سياساته يستتر وراء ما يسميه ضغوط الكونغرس. فمثلا هددت إيلينا روس ليتنين، رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في مجلس النواب الأمريكي باللجوء إلى القضاء، لإيقاف إرسال طائرات الأباتشي إلى مصر. وقالت في تصريحات صحافية: "تلك الخطوة قد تدفعنا إلى اللجوء إلى الدعاوى القضائية ضد الإدارة، حال تمرير المساعدات إلى مصر". نفس أسلوب المناورة استخدم خلال زيارة الرئيس أوباما للرياض والتي انتهت يوم السبت 29 مارس 2014. يوم الجمعة 28 مارس نشرت صحيفة هافنجتون بوست، الأمريكية، نص دعوات 13 من أساتذة الجامعات الأمريكية وخبراء مراكز الأبحاث على رأسهم نعوم تشوميسكى، أستاذ اللغويات والفلسفة، يدعون فيها البيت الأبيض لإتخاذ مواقف أشد من ساسة القاهرة الجدد. عماد شاهين، الأستاذ بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، والمحلل الدائم الظهور على قناة الجزيرة القطرية، طلب من الرئيس باراك أوباما إدانة ما وصفه بالتكتيكات الوحشية من قبل الحكومة المصرية ضد المعارضة. وأشار إلى أن هذا يضع مستقبل الشرق الأوسط ومصداقية الولاياتالمتحدة على المحك.. وزعم الخطاب أن آمال الملايين وتطلعاتهم نحو الحرية والكرامة الإنسانية، قد تبددت بسبب ما وصفه ب"الانقلاب العسكرى" فى مصر ضد الرئيس المنتخب محمد مرسى.. مضيفا أن دعم الحرية والديمقراطية فى مصر والعالم العربي يجب أن يغلب على أي فكرة خاطئة بشأن الحفاظ على الاستقرار المؤقت الذي وعدت بتحقيقه الحكومة المصرية عبر البنادق والأسلحة. الخطاب الذي حمل توقيع، ناثان براون ومارينا أوتاوا، الخبراء لدى مركز كارنيغي للسلام الدولي، ومحمد فاضل، الأستاذ بجامعة تورنتو، وروبرت سبرنغبورغ، الأستاذ في الكلية البحرية الأمريكية، حث الرئيس الأمريكى على توجيه تعليمات لوزير الخارجية جون كيرى، لعدم التصديق على بيان بأن مصر تستوفى الشروط التى فرضها الكونغرس بشأن الديمقراطية في ظل الظروف الراهنة. وقال الخبراء إن للأسف الشديد فإن العديد من حلفاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة بقيادة السعودية والإمارات، هم من أشد المؤيدين للحكومة المدعومة من الجيش في مصر وقوى الاستبداد في المنطقة.. وأضافوا: "نحثكم على اغتنام الفرصة لتوضيح أمام جميع الأنظمة أن الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون وتطبيق أعلى معايير حقوق الإنسان، هي حجر الزاوية في سياسة الولاياتالمتحدة في المنطقة". وختم الخبراء خطابهم بالقول: "السيد الرئيس، إن القيادة هي اغتنام لحظة لتغيير مسار التاريخ من أجل مستقبل أفضل للإنسانية.. وهذه هي اللحظة التي يجب ألا تتركها". وتعليقا على الخطاب، رد عدد من القراء الأمريكيين الذين اتفقوا على رفض الخطاب، مؤكدين على أن الإخوان فازوا بالسلطة عبر الانتخابات الديمقراطية، لكنهم انتهكوا هذه الديمقراطية وأساءوا استغلال السلطة، مثلهم مثل حماس فى قطاع غزة. كما قارن قراء آخرون بين الوضع في مصر وأوكرانيا، مشيرين إلى أن ما يوصف بالانقلاب في مصر تم رفض وصفه بنفس المصطلح في أوكرانيا، لأن الأمر يتعلق بما يتفق مع مصالح السياسة الأمريكية.. وأشار القراء الأمريكيون إلى أنه يجب الانتظار للانتخابات المقبلة المقررة في مصر، بدلا من السعي لإشاعة الفوضى. دعم موسكو دعم دول في الخليج العربي للقاهرة ليس وحده الذي يقلق واشنطن وتل أبيب، تحرك موسكو لإحياء تحالفاتها القديمة مع مصر يولد موجات إرتدادية في دوائر القرار بالعاصمة الأمريكية. والزيارة التي قام بها المشير السيسي إلى روسيا في منتصف شهر فبراير 2014 واعلان بوتين تأييده السيسي ليكون رئيسا لمصر، وتوقع اتفاقيات سلاح بحوالي 4 مليارات دولار، أغضبت واشنطن كثيرا ودفعت بأصحاب القرار فيها إلى متاهة من المواقف المتناقضة التي تعكس حالة متقدمة من الإحباط. صحيفة "معاريف" الإسرائيلية توقعت أن تحاول روسيا ملء الفراغ الذي تركته واشنطن بعد توتر العلاقات بين أمريكا والنظام المصري الجديد وحذرت من أخطار ذلك. يوم الأحد 30 مارس بدأ الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية زيارة لإسرائيل اجتمع خلالها بوزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون الذي إنتقد استراتيجية الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط وأوكرانيا. الجيش الإسرائيلي ذكر في بيان له إن ديمبسي ومضيفيه ناقشوا "قضايا ذات اهتمام استراتيجي مشترك وفي مقدمتها التطورات في مصر وسوريا، وأن الزيارة ستعكس "التزام الولاياتالمتحدة الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل". المحللون يؤكدون أن تعزز القوة الروسية وتتمدد نفوذها وتأثيرها في العالم، أربك الإدارة الأمريكية لأنها ومنذ أكثر من عقد لم تعد معتادة على الثنائية القطبية بل تريد الاستمرار في ان تكون هي القطب الوحيد. إن روسيا بعد أن أعادت بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية أخذت المبادرة السياسية بنسج تحالفات كثيرة خاصة في الشرق الأوسط ومع مجموعة البريكس، من اجل كبح النفوذ الأمريكي الذي تراجع بعد حرب العراق والأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي والتي استفاد منها الاقتصاد الروسي. عمر نجيب [email protected]