ستقولون من أنت الذي تريد محاورتنا ومحاسبتنا عن كيفية تدبيرنا لاختصاصاتنا (القضائية والحكومية والبرلمانية) في مجال الشأن القضائي والعدالة بشكل عام؟ أنا إنسان، أنا مواطن ومهني أيضا. أليس من حقي محاورتكم دون وسيط؟ أليس من حقي محاسبتكم عن الخلل الذي يحكم تدبيركم لاختصاصاتكم؟ أليس من حقي مساءلتكم ومطالبتكم بتقديم الحساب. ستقولون طيب، لمن نقدم الحساب؟ وفي أي إطار؟ كلكم مسئولون عن الخلل الذي يعتري طريقة تدبيركم لاختصاصاتكم. وكلنا (كمواكنين ومهنيين) مسئولون معكم إن لم نصارحكم ونحاوركم عن حقيقتكم في مجال تدبيركم للشأن القضائي. سأبدأ بمحاورة السادة القضاة ثم أعضاء الحكومة ثم النواب البرلمانيين لأختم بملاحظات عامة: ** ** السادة القضاة: تقولون إنكم مستقلون ولا يمكن محاسبتكم ولا مراقبتكم عن الأحكام التي تصدرونها، ومن لم يعجبه الحكم فأمامه طرق الطعن. لا أيها السادة؛ هذا المنطق استبدادي وذو ميولات سلطوية. المواطن الذي أنا، والإنسان الذي أنا، يلاحظ على أدائكم خللا كبيرا يضيع وقتي ويضر بمصالحي. ثم إن منطقكم يتعارض مع مبدأ مساءلة كل من ينيط به القانون صلاحية اتخاذ القرار على أي مستوى لأن الله وحده هو الذي لا يسأل، الباقي يسألون. هل أحصيتم عدد القضايا التي تنطقون فيها بعدم القبول؟ هل أحصيتم عدد الأحكام التي لا تصلح لشيء وأسميها الأحكام العبثية والتي لا تقبل التنفيذ يضطر أصحابها للرجوع إليكم لتفسيرها ثم لتفسير التفسير؟ ألا تفكرون في حلول واقعية للنزاعات التي تعرض عليكم أم أن دوركم مجرد آلي. أعود إلى ظاهرة عدم القبول وأسميا بأحكام الغفلة لأن من يميل إلى إصدارها يصطاد أسباب عدم القبول ولا يفكر في جوهر الحق موضوع النزاع. تقولون إن القاضي غير ملزم بتوجيه الأطراف ولا بتنبيههم إلى البيانات الضرورية لقبول دعاويهم. وتقولون إن الأطراف مدعوون تلقائيا للإدلاء بما لديهم من حجج وبيانات تحت طائلة عدم قبول دعاويهم. ألا تفكرون في مصير مبالغ الرسوم القضائية التي تحملها المتقاضي ليوصل إليكم دعواه وقد تصل إلى الملايين؟ ثم ألا تفكرون في الوقت الذي يضيعه المتقاضي في مسطرة تنتهي بعد القبول وهو كما تعلمون إجراء لا يمنع من طرق أبوابكم مرة أخرى لعرض نفس النزاع لكن بعد أداء رسوم مرة أخرى؟ أنا المواطن الإنسان، أسائل الجهات التي تنقطكم على أساس عدد الأحكام التي تصدرونها (أو ما يسمى خطأ المردودية) لا على أساس جودتها. من حق أي واحد أن يقول إن القضاء في المغرب بطيء أمام ظاهرة كثرة الأحكام بعدم القبول أو الأحكام الغير القابلة للتنفيذ. ومن حق الجمعيات المدنية احتساب مثل هذه الأحكام ضمن خانة الأحكام الرديئة. وعندما تقرر نشرها سواء بالتعليق أو بدونه فإنما تمارس حقها في المساءلة بغاية الارتقاء بقضائنا إلى مستوى أفضل. ** ** السادة أعضاء الحكومة أنا الإنسان المواطن أسائل الحكومة عن مآل الرسوم القضائية التي يتحملها المتقاضي في القضايا المحكومة بعدم القبول؟ ألا يعتبر تصرف الحكومة في هذه الأموال بمثابة استخلاص غير مبرر؟ لأن الخدمة المقابلة لها لم تحص وهي الفصل في جوهر النزاع؟ حتى الأحكام القاضية برفض الطلب لماذا تحتفظ الحكومة (ميزانية الدولة) بمبالغ الرسوم القضائية ولا تردها إلى أصحابها؟ أنا الإنسان المواطن أسائل الحكومة عن مآل المذكرة التي رفعتها لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى السيدين رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات، بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2013، تدعوهما إلى العمل على إلغاء الرسوم القضائية، وحذف باب المداخيل المتعلق بها من مشروع القانون المالي لسنة 2013، مع مراجعة كل النصوص والتشريعات التي تتعارض مع مبدأ مجانية التقاضي؟ بالمناسبة فإن السيد رئيس الحكومة لا يجيب لا على الرسائل والمذكرات المرفوعة إليه مباشرة ولا على الشكايات التي تحال عليه من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وكنا طلبنا في عهد الأستاذ عبد اليوسفي بوضع نص تشريعي يعاقب كل موظف رفض التوصل برسالة أو يتوصل بها ولا يجيب عنها داخل أجل شهرين ولازالت هذه المذكرة في رفوف رئاسة الحكومة. لماذا لا تبادر الحكومة إلى تقديم مشروع نص تشريعي يأمر بتصفية الرسوم القضائية في حدود ما قضى به الحكم الصادر في موضوع الدعوى. في مصر عندما يصدر حكم بعدم قبول الدعوى أو حتى برفض الطلب ترد الرسوم القضائية إلى صاحبها. (مادة 75 فقرة سابعا من قانون رقم 90 لسنة 1944 المتعلق بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2009 بتعديل بعض أحكام قوانين الرسوم القضائية فى المواد المدنية والجنائية وأمام مجلس الدولة). أما فرنسا فقد ألغت الرسوم القضائية منذ سنة 1977 وإن عادت مؤخرا لتفرض رسما ثابتا قدره 35 يورو عن كل دعوى مهما كانت قيمتها. أما نحن في المغرب فإن الرسوم المفروضة تبتدئ من 4,5% إلى 1% من قيمة الطلب إضافة إلى صوائر أخرى. ** ** السادة أعضاء البرلمان أنا الإنسان المواطن، أسائل البرلمان عن سبب عدم مبادرته إلى إصدار نصوص تشريعية للحد من الخلل الذي تعرفه آلة العدالة ببلادنا؟ كما أسائلكم مدى التزامكم بحماية حقوق المتقاضين وتفعيل مبدأ مجانية التقاضي وذلك بإلغاء الرسوم القضائية؟ أسائل السادة البرلمانيين ما الذي يمنعهم من مساءلة القضاة عن كيفية تطبيق القانون. علما أنه إذا كان المشرع يصدر القوانين فإن مراقبته (البرلمان) تمتد إلى متابعة كيفية تطبيقه للوقوف عند مكامن الخلل سواء في النص أو في الممارسة لمعالجته تشريعيا؟ ولن يكون ذلك بجديد. كلنا نستحضر ما جرى في فرنسا شهر دجنبر 2005 حين تشكلت لجنة تقصي برلمانية وشرعت في استنطاق قاضي للتحقيق الذي كان بيده ملف قضية وترو affaire Outreau حيث تم الاستماع إليه بعد أدائه اليمين القانونية وتم نقل بعض جلسات الاستماع على القنوات التلفزية، وفتح نقاش واسع حول وضعية القضاء وحول ضمانات الحريات الفردية للمواطنين، وكان رئيس اللجنة يقول للقاضي إننا كمشرعين نود التعرف على حاجياتكم لنصوص قانونية لضمان حقوق المواطنين وحرياتهم. ** ** ملاحظات عامة ختامية في زمن نسميه بزمن الرصاص انعقدت جمعية عمومية للقضاة لدى محكمة ببني ملال (على ما أتذكر) ليصدروا بلاغا استنكاريا ضد صحيفة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي لأن هذه الأخيرة وصفت الحكم القضائي الذي أدان مناضلين من الحزب بأنه حكم جائر. كما أن أحد المسئولين بوزارة العدل، لم يستوعب التحولات التي أقدم عليها المغرب في مجال حرية الرأي وضرورة الإنصات للمواطنين وجمعيات المجتمع المدني، قد انتفض وأزبد وأرعد أمام وزير للعدل الذي كان يترأس اجتماعا بالقاعة الكبرى للوزارة، السب هو أن ممثل إحدى الجمعيات المشاركة في الندوة طالب بوضع آلية لتعويض المتضررين من الأحكام القضائية الجائرة. وطالب المسئول القضائي المذكور بالضغط على المتدخل لسحب كلامه أو طرده من الاجتماع لأنه حسب رأيه يتهم القضاة بارتكاب الجور. ولا زالت فلول تلك الأصوات التي كانت تتباها في تحرير صكوك اتهام في حق كل من يجرؤ على انتقاد الأحكام القضائية أو سياسة الحكام (استنادا إلى ظهير كل ما من شأنه)، تحاول فلول هذه الأصوات أن تتصدر المشهد في ادعاء الدفاع عن تحصين القضاء بمنع التعليق على أحكامه (سياسة النعامة) ردا على مشروع نشر الأحكام المرتبة في خانة الأحكام الرديئة. لقد حقق المغرب مكاسب في مجال حرية التعبير بفضل نضالات أبنائه الذين قدموا ضريبة الاعتقال والاختطاف، وكان بجانبهم محامون فضلاء لاقوا بدورهم أنواعا من الاضطهاد والتهديد والمعاناة والإهانات وسوء المعاملة، بسبب وقوفهم أمام المحاكم دفاعا عن حقوق الإنسان. وهؤلاء المحامون، (منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال مستمرا في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية) لم يفكر أحد بعد في رد الاعتبار لهم. ومن جملة نتائج هذه المكتسبات ما يتمتع به الآن قضاتنا من حرية في تأسيس جمعياتهم وفي التجمع والتظاهر والتعبير عن آرائهم، في الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزية وعلى المواقع الإليكترونية إسوة بباقي المواطنين، وقد لقوا منا ومن الجمعيات المدنية دعما ومساندة. سعيُنا دائما هو الارتقاء بقضائنا إلى المستوى الذي يشرف بلادنا، ونعتز بالمجتهدين من قضاتنا الذين يعملون في صمت إرضاء لضميرهم المهني ومسايرين للآفاق التي وعد بها الدستور الجديد. إن الحوار الصريح، بدون تشنج ولا ضغينة، حول ما يعرفه قضاؤنا من خلل، سيساعد على رصد مكامنه لمعالجته. ونحن نستحضر ذكرى 23 مارس، نحيي نضالات شعبنا بمختلف فئاته، التي حققت هذه المكتسبات التي ننعم بها ونطمع إلى المزيد. أتمنى التوفيق للجميع.