من الدواوير القصديرية المنسية، المستور عيبها بحائط، مطبق حابس، دوار أبيه المحاذي لمعمل المكتب الوطني للشاي والسكر، وطريق الرباط بالمجاورة مع أمل سيدي البرنوصي، والضحى والطريق الحضري السيار وهو كريان قصديري، قديم مسن، بلغ من الكبر عتيا، يعيش سكانه في وضعية مزرية، مع الإحساس بحكرة التهميش، ولوعة الفقر المدقع الجاثم عليهم، وحرقة الهشاشة التي نخرت أجسامهم، وقسوة التخلف والإقصاء، والبؤس، والحرمان، وشظف العيش الذي أبعدهم عن ركب الحياة الكريمة، ! وما زاد من سوء حظهم، أن أمرهم بقي على ما هو عليه، إن لم نقل ازدادت المعاناة، خصوصا والبراريك الخشبية القصديرية، والزرائب المبنية بالأسمنت والطوب العشوائي، قد تآكلت، وتسوست، وأصبحت مرتعا للحشرات، والفئران، والديدان، والصراصير، والنمل، والبق، والبراغيث، والناموس، مع انعدام المرافق الصحية، وقنوات صرف المياه المستعملة، حتى الحفر المخصصة بطريقة عشوائية لهذا الغرض،أضحت هي الأخرى تنذر بالخطر، وحتى أسلاك الإنارة المتدلية، في الزقاق الضيقة، والمسالك العشوائية، العوجاء الملتوية، وعلى أطراف الزرائب، وسطوحها لم تعد صالحة، حتى استعمال اسطولا في قضاء الحاجة، والتبول، والتغوط، أحرجت الأسر، ولذلك فهم يتضجرون على الدوام من استقبال الضيوف، الوافدين عليهم، في المناسبات والأعياد، وأيام تبادل الزيارات العائلية، وباختصار فالناس في جحيم، ومحن متنوعة. وما دام أن صبرهم قد نفد، وأن الوعود كانت عبارة عن كلام في كلام، ومجرد محاولات إغراء، لانتظار السراب، فقد سبق للسكان أن نظموا وقفات احتجاجية، كان آخرها تلك التي نظمت في هذه الأيام للمطالبة بالحق في السكن اللائق، شارك فيها المئات من السكان الذين تدفقوا على طريق الرباط بطريقة منظمة هادئة، وهم يعاودونها بين اليوم والآخر ولا زالت مستمرة .وحتى تبقى الوقفة تحت السيطرة، ولتطويق مسيرة المحتجين، انتقل إلى عين المكان، عدد هائل من القوات الأمنية، الممثلة في ممثلي السلطة المحلية، ورجال الأمن، وأفراد القوات المساعدة، ومصالح أخرى لها ارتباط وثيق بالأمن، والاستخبار إذ بطريقة حضارية حاولت هذه القوات تفريق جمع المحتجين، لكن حجم العدد الهائل للسكان ،حال دون تفريق هذا الجمع، الذي ظل اليوم كله يحتج، وكان اليوم يوم جمعة، حيث بعد صلاة الجمعة، تجدد اللقاء، كما توالت احتجاجاتهم ووقفاتهم داخل أيام الأسبوع ولا سيما في هذه الأيام حيث ازداد عدد المحتجين، الذين بحت حناجرهم، وعلت أصواتهم، بترديد شعارات معبرة عن المعاناة، وفي نفس الوقت منددة بالتهميش، والإقصاء، والفقر، والهشاشة، والحرمان، ومطالبة بالسكن اللائق، والحياة الكريمة، ولا شك في أن الرسالة قد وصلت، وما على وزارة الإسكان، وسياسة المدينة، والسلطات الأخرى إلا التجاوب مع رسائل السكان، والنظر في وضعيتهم الاجتماعية السكنية بعين الاعتبار، وذلك بالبحث عن الحلول التي ترضي السكان وتخدم مصلحة الوطن.