منذ نشأته سنة 1981، لم يشهد مجلس التعاون الخليجي أزمة مثل تلك التي اندلعت بين مكوناته منذ الخامس من شهر مارس الحالي، والتي تنذر بأن تعصف بكيان المجلس وتخلط كافة الأوراق في المنطقة. صحيح أن هذا المجمع الخليجي لم يكن في منأى عن صراعات متفرقة، و لكنها ظلت نزاعات ثنائية ،سرعان ما كان يخبو لهيبها بفعل وساطات خليجية أو عربية ،مثل ما حدث من خلافات بين البحرين و قطر في نهاية التسعينات حول مجموعة جزرمن بينها خاصة جزيرة فشت الدبل. بيد أن إقدام المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة على سحب سفرائها من قطر في الأيام الأخيرة الماضية، يمثل تصعيدا خطيرا في العلاقات الخليجية. و رغم الصبغة الطارئة المفاجئة التي اتسم بها القرار، فإنه يجسد في واقع الأمر تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، باعتباره تحصيل حاصل لتدهور تدريجي متواتر بين البلدان الثلاث المذكورة ودولة قطر. إذ لطالما آخذت تلك البلدان على قادة الدوحة خروجهم عن الخط السياسي الذي يوحد الرؤى في المنظومة الخليجية متهمين إياهم بكونهم يمثلون استثناء متفردا في التعاطي مع متغيرات الأوضاع على الساحة العربية ،خاصة إبان فترة ما اصطلح عليه (الربيع العربي) وكذا تطور و تسارع الأحداث على المشهد المصري والتعامل مع جماعات إسلامية أبرزها جماعة الإخوان المسلمين. وتلك أمور لم يشأ البيان المعلن عن انسحاب سفراء البحرين والسعودية والإمارات أن يفصل فيها مكتفيا بالإشارة إلى أن قطر لم تلتزم بما تم الإتفاق عليه خلال قمة الرياض في شهر نونبر الماضي، و أوجز القول بأن الإتفاق كان يقضي ب" نهج يكفل السير ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس والإلتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرارتلك الدول وعدم دعم الإعلام المعادي" و من دون شك أن لفظة (الإعلام المعادي) تحيل على القناة الفضائية ( الجزيرة ) التي أضحت في نظر الدول المجاورة فوهة بندقية إعلامية تسوق لطروحات تناقض التوجهات المعتدلة لدول الخليج و تحولت إلى بوابة لأطروحات النهج الاسلامي المتشدد من أبرز تجلياته الخطب الدعوية للشيخ القرضاوي و كذا الانحياز البين إلى تيار الإخوان المسلمين. كما أن انحياز قطر الى نظام الإخوان في مصر و عدم مباركة ما وصف بالثورة التصحيحية التي تزعمها وزيرالدفاع عبدالفتاح السيسي و أنهت فترة حكم محمد مرسى، خيم بظلاله القاتمة على العلاقات بين الدوحة و أخواتها، اعتبارا لكون ما قام به السيسي ينسجم مع القناعات الجيوستراتيجية لباقي مكونات المجلس الخليجي، و المتمثلة خصوصا في وقف المد الأصولي بدول المنطقة بشكل خاص ، وعلى الساحة العربية بوجه أعم. ويبقى السؤال هل تفلح وساطات عربية في نزع فتيل التصعيد، أم سيترك الأمر للقمة العربية المرتقبة بالكويت رغم تصريح وكيل وزارة الخارجية الكويت من أن تلك القمة لن تنظر في موضوع سحب السفراء. هذا إذا ما لم تحدث تطورات محتملة تحول دون التئام القمة.