لا أحد ينكر المجهود المالي الذي قامت به الحكومة لتحسين الدخول ودعم القدرة الشرائية للمواطنين ، حيث عبئت 16 مليار درهم في إطار الحوار الاجتماعي للرفع من الأجور وتحسين دخول الموظفين والمتقاعدين والأجراء في القطاعين العام والخاص، وهو المبلغ الذي يساوي 75 % من مجموع ما تقدمت به الحكومات السابقة منذ سنة 1996. وعلى مستوى دعم القدرة الشرائية للمواطنين نهجت الحكومة سياسة إرادية شجاعة استطاعت بواسطتها الصمود ومواجهة ارتفاعات الأسعار في الأسواق العالمية وهكذا رفعت الحكومة من الغلاف المالي للمقاصة من 20 إلى 36 مليار درهم لضمان استقرار أسعار المواد النفطية والمواد الأساسية كالقمح اللين والدقيق الوطني والسكر والغاز البوطان . و لولا الزيادة في الغلاف المالي للدعم لارتفع معدل التضخم إلى 7.3 في المائة عوض 3.9 في المائة حاليا ، هذا في الوقت الذي ارتفع فيه معدل التضخم في إسبانيا إلى 5.5 و في المائة والولايات المتحدةالأمريكية إلى 5 في المائة وفي إلى مصر 15 في المائة. وبالرجوع إلى مشروع القانون لسنة 2009 والذي يجسد التوجهات الاقتصادية والاجتماعية ومن خلال تفكيك بنية الميزانية واستقراء جميع المعطيات والأرقام ، يتبين بوضوح الهوية الاجتماعية لهذه الحكومة ،حيث خصصت الحكومة 53% من ميزانيتها لسنة 2009 للجانب الاجتماعي وللنهوض بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين، وهكذا تم الرفع من ميزانية القطاعات الاجتماعية من 92,5 مليار درهم إلى ما يناهز103.9 مليار درهم أي بزيادة 11.4 مليار درهم حيث تم الرفع من ميزانية قطاع الصحة بنسبة 20,3 % والرفع من ميزانية قطاع التعليم والتكوين ب 23 % أي بزيادة 8,6 مليار درهم. وبغاية تحسين ظروف العيش بالعالم القروي تم رصد مبلغ 16,4 مليار درهم برسم ميزانية 2009؛ أي بزيادة 38% مقارنة بسنة 2008. هذا بالإضافة إلى الاستهداف المباشر للمواطنين باعتماد برنامج المساعدة الطبية لفائدة الفئات الفقيرة والمعوزة لضمان مجانية التطبيب والاستشفاء حيث أعطى انطلاقته الوزير الأول يوم 4 نوفمبر الجاري بجهة تادلة أزيلال والذي سيكلف 900 مليون درهم، وسيتم تعميمه تدريجيا على باقي جهات المملكة، كما ستعطي الحكومة خلال سنة 2009، انطلاقة برنامج المساعدة الاجتماعية لفائدة الفئات الفقيرة والمحتاجة بمبلغ مالي يصل إلى 450 مليون درهم مشروطا بإلزامية تمدرس الأطفال قصد محاربة الهدر المدرسي. و على مستوى الحوار الاجتماعي قامت الحكومة بترجمة التزاماتها من خلال الإجراءات المالية والجبائية في مشروع قانون المالية لسنة 2009. وهكذا وبعد أن قامت الحكومة ابتداءا من فاتح يوليوز 2008 بصرف الدفعة الأولى من الزيادة في أجور الموظفين المرتبين في السلاليم من 1 إلى 9 وكذا الزيادة في مبلغ التعويضات العائلية من 150 إلى 200 درهم بالنسبة للأطفال الثلاث الأولين، ستواصل الحكومة تنفيذ ما التزمت به من حيث الزيادة في أجور الموظفين و التعويضات العائلية والمعاشات حيث سيكلف ذلك 5 ملايير درهم. وفي نفس الوقت عمدت إلى تخفيض الضريبة على الدخل الذي سيكلف 4,8 مليار درهم، حيث سيتم تخفيض السعر الأقصى للضريبة على الدخل من 42 إلى 40 في المائة بالنسبة للشرائح التي يتجاوز دخلها 150 ألف درهم، كما سيتم إعفاء أكثر من 250 ألف موظف و أجير من خلال رفع الحد المعفى من الضريبة على الدخل من 24 إلى 27 ألف درهم. وسيتم تخفيض النسب الضريبية الوسيطة بنسبة 2 نقط لكل شريحة اجتماعية. كل هذه الإجراءات ستمكن من الرفع من كثلة الأجور بالمغرب خلال سنة 2009 حيث ستنتقل من 69.335 مليون درهم سنة 2008 إلى 75.570 مليون درهم أي ما يمثل 10,2 % من الناتج الداخلي الخام. هذا ويجب التذكير أن الحكومة عمدت إلى الرفع من الحد الأدنى للأجر الفلاحي، وإقرار التعويضات العائلية ابتداءا من فاتح يوليوز 2008 بالنسبة لأجراء القطاع الفلاحي حيث ارتفع أجر العامل الفلاحي الذي له 3 أطفال ب600 درهم، في الوقت الذي كان محروما فيما قبل من أي تعويضات. وإذا كانت المطالب التقليدية للمركزيات النقابية أضحت معروفة وثابتة في أجندة الحوار، فإن الحكومة تحملت مسؤولية مراعاة الوضعية الاجتماعية لجميع المغاربة بما فيهم أولائك غير المعنيين مباشرة بالحوار الاجتماعي، وفي هذا الصدد فإن التعاقد الاجتماعي الجديد الذي التزمت به الحكومة في برنامجها لم يتم اختزاله في إطار أجندة الحوار الاجتماعي بل يمتد إلى العديد من البرامج الاجتماعية الهادفة إلى الاهتمام بالمواطنين والارتقاء بمستواه المعيشي على نحو ما بيناه أعلاه. وإذا كانت الحكومة قد استجابت لمعظم مطالب المركزيات النقابية فإنه من الطبيعي في تقنيات التفاوض أن تعتمد هذه المركزيات إلى رفع السقف الأعلى للمطالب. لكن وككل حوار بين الأطراف، يتم استعراض الرأي والرأي الآخر ويتم التداول المسؤول والنقاش الجاد على قاعدة الثقة المتبادلة، وباستحضار المعطيات الموضوعية والأرقام الدالة بعيدا عن الأحكام أو المواقف المسبقة، ليفضي في الأخير إلى اتفاق يراعي مصالح جميع الأطراف وينتصر للمغرب والمغاربة. نتمنى أن تكون هذه المنهجية الإيجابية هي الراجحة أثناء الحوار الاجتماعي وأن يتم استثمار البعد الاجتماعي لهذه الحكومة داخل وخارج مؤسسة الحوار من قبل جميع الأطراف في إطار الديمقراطية التشاركية.