بمسوغ إصلاح صندوق المقاصة، الذي يلتهم أزيد من 35 مليار درهم من ميزانية الدولة سنويا، أعلن الوزير المنتدب في الشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا عن اتجاه الحكومة إلى إلغاء دعم السكر المخصص للاستهلاك المنزلي والإبقاء على القالب. وأضاف الوفا،في حوار مع مؤسسة «إيكوميديا» يوم الإثنين المنصرم،أن حكومة بنكيران تفكر في إيجاد حلول لوقف نزيف الصندوق، من خلال التوجه إلى إخراج مواد أخرى من قائمة الدعم، مثلما حصل مع الفيول الصناعي والبنزين الممتاز أخيرا. مشيرا إلى أن الشق الصناعي من السكر في بلادنا تحتكره شركة «كوسيمار»، التي تعمل أيضا في مجال تكرير المادة الأولية المستوردة من البرازيل. كل هذه التصريحات التي قرأها المغاربة على نطاق واسع، جاء الوزير بعد ظهورها بسويعات ليفندها، مدعيا كعادته أنها باطل ما أنزل الله به من سلطان. ومهما يكن من أمر، فإن «الناطق الرسمي باسم بنكيران» الوزير محمد الوفا، قد خلق رجة في صفوف المغاربة بتصريحاته النارية من الخبز و»الملاوي» إلى السكر و»القوالب». وخرجات ذات المسؤول تظهر بحسب مراقبين مدى التناقض والارتباك الذي تتخبط فيه الحكومة، فازدواجية الخطاب باتت السمة المتحكمة في قراراتها لدرجة الالتباس حول ما تعده في الخفاء من مسلسل التصريحات والتصريحات المضادة الذي ينتهي نهاية مأساوية بفرض الزيادات كما حدث في عدة مواد خلال الفترة الوجيزة الأخيرة، مثل الوقود الذي نفت الحكومة الزيادة في سعره حتى وضعت الكل أمام الأمر الواقع بتطبيق قرار الزيادة. أدهى من ذلك وأمر، تصريح الوفا بكون الحكومة كانت سترتكب خطأ فادحا لو اعتمدت نظام الدعم المباشر للفقراء، كما كانت وعدت بذلك في نسختها الأولى وطمعت أزيد من 10 ملايين من المغاربة بالدعم المباشر، مسوقة لكونه بديلا فعالا لصندوق المقاصة. وهو ما يجلي بوضوح مدى التضارب والتناقد بين تصريحات مكونات الحكومة بما فيها رئيسها الذي سوق للمغاربة الوهم ووزراؤه الذين يفضحونه ب»قفشاتهم». في تعليقه على الموضوع، اعتبر الخبير الاقتصادي وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، عمر الكتاني، أن السكر مادة أساسية كما هو معلوم، والمغاربة عموما من بين الشعوب الأكثر استهلاكا لهذه المادة، التي تلعب دورا مهما في التوازن الغذائي. ممّا يجعل التساؤل المطروح هو هل السكر باعتباره مادة ذات حساسية يمكن للمستهلك المغربي أن يقلل منه أم لا؟ وأشار الكتاني، في تصريحات ل»العلم»، أن القاعدة الاستهلاكية العامة في هذا المستوى، تظهر أن المواد الأساسية عموما، ومن بينها السكر، هي ذات مرونة ضعيفة. بمعنى أن المستهلك يمكنه التخفيض منها لكن بجزء صغير، ما يجعل من المتوقع أن رفع دعم الدولة عنه سيؤثر حتما على المستهلك المغربي، الذي سيضطر للتضحية بدفع الفرق من جيبه نظرا لعاداته الغذائية. وأضاف ذات المتحدث، أن السكر كمادة مدعمة ضمن مجموعة من المواد الأساسية يدعمها صندوق المقاصة، لا تؤثر منفردة بشكل كبير على ميزانية الصندوق، فتأثيرها نسبي. إلا أن سياسة الرفع التدريجي للدعم التي تنهجها الحكومة، هي سياسة سيكون لها تأثير سلبي على المدى المتوسط على القدرة الشرائية للمواطن. كما أنها ستسهم في مطالبة العاملين بالزيادة في الأجور لمواجهة ارتفاع الأسعار، ما سيضع الدولة في مواجهة الزيادة في الأجور بالزيادة في الضرائب لتغطيتها. وهو مسلسل معروف بفشله في عدد من الدول، ولا يمكن تجاوزه إلا بسياسة تعويضية تمكن المواطن من الاستفادة من بدائل في مقابل التضحية التي يقدمها لمواجهة الزيادة في الأسعار. بحسب الكتاني دائما. وفي الغرب، هناك سياسة شمولية تضع تضحيات المواطن أمام مقابل، هذا المقابل هو الذي لم يظهر إلى حد الساعة في السياسة التي تتبعها الحكومة، يقول ذات الخبير. مضيفا أن المسؤولية تتحملها الحكومة فعلا، لكن الواقع يفرض على الحكومة الحالية أن تعمل على الإصلاح وفتح الطريق للأموال العربية التي ستهاجر إلى إنجلترا، وغيرها من الحلول التي لم تستطع فرضها ومواجهة لوبيات الضغط من خلالها.