تحت شعار "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة: رَافِعَة للثقافة المغربية"، نظمت الشركة ندوتها الفكرية الأولى بفضاء رواقها بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، صباح السبت 15 فبراير2014، وذلك بمشاركة كل من مارية لطيفي مديرة القناة "الثقافية"، رئيس الجمعية المغربية لنقاد السمعي البصري أحمد الدافري، الكاتب الصحافي لحسن لعسيبي، وحسن احجيج الإعلامي ورئيس "مصلحة تنسيق التواصل والعلاقات العامة" بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والكاتب الصحفي المصري محمد الشافعي، رئيس تحرير مجلة "الهلال" المصرية، وهو اللقاء الذي أداره ونشطه باقتدار الإعلامي والشاعر ياسين عدنان مُعِد ومقدم برنامج (مشارف). أَطَّرَ ياسين هذا النقاش منذ البداية بعدد من الأسئلة من بينها: هل الإبداع الفني والأدبي مجرد ترفٍ أم ضرورةٌ مُجتمعية؟ إذن، كيف يمكن للثقافة والإبداع أن ينخرطا في تأهيل المجتمع نحو الحداثة والديمقراطية؟ ما حدود الأدوار التي يمكن للأديب والمثقف والفنان أن يضطلعوا بها من أجل التمكين لثقافة الحوار والاختلاف داخل المجتمع وكذا لمحاربة الانغلاق الفكري والدوغمائية؟ ثم هل يمكن للمثقف والمبدع أن ينجزا اليوم مهامَّهُما دون وساطة الإعلام ودعمه وتفاعله مع ما يقترحان من مشاريع؟ رصد الأستاذ أحمد الدافري، من جانبه، الجانب الديناميكي المتحرك في الثقافة، حيث أكد أنه لا يمكننا رصد الحركة من خلال الجمود. لذلك على التلفزيون أن يتحرك ويذهب الى الناس. فشخصية المغربي قد تحولت وتغيرت كثيرا منذ زمن الاستقلال إلى اليوم وعلى التلفزيون أن يتحول بدوره على مستوى العقلية والتصور للعمل التلفزيوني وليس فقط على مستوى تحديث الإدارة والآليات. كما شدد الأستاذ الدافري على ضرورة توسيع مفهومنا للثقافة ليشمل مختلف مناحي النشاط الإنساني، وبالتالي سيكون لزاما على التلفزيون أن يواكب هذه الرؤية الجديدة للثقافة كمجموعة من المخرجات المعنوية المرتبطة بالوجدان والعقل والروح. أما لحسن لعسيبي فقد أكد على ضرورة عدم اكتفاء التلفزيون بالمتابعة والمواكبة و ركز على أهمية المبادرة، مشيرا إلى أن التلفزيون ليس مطلوبا منه. أن يرضي كل الأذواق بمختلف تنوعاتها، بل أن تكون له شجاعة المبادرة حتى ولو أثار النقاش والجدل. وقد أكَّد الإعلامي المصري محمد الشافعي في تشخيصه للوضع العام في العالم العربي بقوله أن السياسيين الذين همشوا الثقافة وقَزَّمُوا دور المثقفين وساهموا بذلك في خلق التطرف و توفير الجوالملائم لتفريخ الفكر المتشدد الرافض لكل اختلاف، لذلك يجب إعادة الاعتبار لصوت المثقف في الإعلام و عدم ترك معدلات المشاهدة توجيهنا لأنها خادعة وقد تجعل التلفزيون يخون دوره التربوي والمجتمعي في النهاية. أما حسن احجيج فقد حاول أن يفكك الوضع الصعب الذي يشتغل فيه مهنيو التلفزيون، فهم بين نارين وبين مطلبين يذهبان أحيانا باتجاه التناقض: مطلب الخدمة العمومية و مطلب المنافسة مع القنوات الأخرى التجارية بالخصوص. وهذا تحد صعب خصوصا وأن هناك رهانا أساسيا يتعلق من جهة بمسألة الرفع من جودة المنتوج التلفزيوني وكذا توسيع قاعدة جمهور المادة الثقافية. وعرضت مديرة القناة "الثقافية" الأستاذة مارية لطيفي أمام الحضور خبرة وحصيلة تسع سنوات من عمر القناة، حيث تمكنت القناة الرابعة من خلق وتكوين جيل من الاعلاميين الشباب المتخصصين في المجال الثقافي، وكذا من دمج مفهوم الثقافة بمفهوم المعرفة. وطبعا كان النقاش ثريا ساهمت فيه العديد من الفعاليات الثقافية والإعلامية الوطنية من بينها الإذاعي سعيد كوبريت، صحافي قناة "الرابعة" باسم الهور، الإذاعي حسن الأشهب، السيناريست عبد الرحيم بهير، الروائيان مسعود الجاحظ ومراد علمي، الشاعر خالد الريسوني وآخرين. ولقد أجمع المتدخلون كذلك على الخلاصات والتوصيات التالية: * ضرورة الاستثمار في البرامج والأطر التلفزيونية في المجال الثقافي لأن الأمر يتعلق بالاستثمار في الانسان المغربي وفي الأفق الحداثي الذي نريده لبلادنا. * التشديد على أهمية ربط الانتاج والبرمجة التلفزيونيين بالثقافة لأن التلفزيون في المغرب أنجز مهام جسيمة، حيث ساهم في بداياته الأولى في بناء الدولة / الأمة، ثم ساهم فيما بعد في تكريس مفهوم الدولة الوطنية، واليوم عليه أن يعي دوره ويرتب أولوياته. *حرص التلفزيون على دعم الفنون والآداب والانتاجات الوطنية في هذا المجال، والإهتمام بمكونات الهوية الوطنية بشكل يثمّن التنوع الذي يصنع تميز المغرب والشخصية المغربية. *ضرورة مصالحة المغاربة مع تاريخهم، والترويج للقيم الايجابية وذلك في إطار مهمته الاستراتيجية الجديدة والمتمثلة في تكريس قيم المواطنة والديمقراطية ورسم الأفق الحداثي لهذا البلد. * مراجعة التشريعات التي تؤطر عمل الإعلام السمعي البصري العمومي بما يمكنه من تقديم خدمة عمومية جيدة تستجيب لمتطلبات التثقيف وترسيخ قيم المواطنة وتثمين المقومات الثقافية والحضارية للمغاربة.