ما أشبه أيكة العرائش، وهي تنكفئ بحنو رؤوم على بعض ثمارها الناضجة والناضحة ماء عبقريا، بالصَّدَفَة التي تثوي لؤلؤا نفيسا وجديرا بالسّبْر والإستغوار في أعماق البحار؛ كذلك شاعرنا المغربي الكبير حسن الطريبق الذي نُفرد لتجربته الأدبية الثرة، ملفا مضيئا في هذا العدد من «العلم الثقافي»، هو في العرائش ثمرة ناضجة إبداعا وجمالا لمن يُحسن تذوق الأدب، وذاكرة ثقافية وشعرية راسخة لمن لم تنخر جمجمته آفة النسيان؛ وهو أيضا في صَدَف العرائش المتاخم أو المشاطئ لبحر الشمال، لؤلؤ يحتاج للإحاطة بعوالمه الثرية، سبْراً واستغواراً نقدياً وتأريخيا، يعيد للرجل مكانته الراسخة في منظومة العقد الثقافي والأدبي المغربي الفريد..! لَشَدَّ ما تشُدك إشراقية هذه اللؤلؤة الأدبية الثاوية في صَدَف العرائش، بخُلَّب لغتها الشعرية والصوفية الزاخرة، التي تمتح عتاقتها من الدنان السحيقة للأدب والتراث العربي الأصيل؛ فلا يعرف القارئ بعد أن استمرأ الإقامة، في هذا الفيء الجمالي الوارف للشاعر حسن الطريبق، في أي زمن شعري، هو حاطٌ رحال الإستيهام؟؛ هل في زمن القصيد العمودي البادي بتقاليده الكلاسيكية الرصينة، في طرائق الكتابة الشعرية بمُحسِّناتها الجمالية المعلومة؛ قافية، وبحراً، وتدويراً، وطباقاً وجناسا؛ أم أن حسن الطريبق، لاينفصم قيْدَ جذْر عن أراضي الشعر الحديث ، التي لاتخطئ طرازها الشكلاني عينٌ ولو اعتورها عَوَرٌ؛ لنقل إن صاحب ديوان «صدى الهروب»، يستمد من هذه الخلاسية في الكتابة الشعرية، فرادته المائزة في المشهد الشعري المغربي المعاصر؛ لأنه يكتب بيراعي الزمنين الكلاسيكي والحديث، نصاً شعرياً واحداً، تمتزج في حُلُوليته الصوفية العاشقة، الحداثة الخلاقة بالتراث العربي الأصيل؛ فتبقى اللغة راقية في سدتها الجمالية، ولو نزلت إلى درجة النثر في الكتابة؛ تبقى صائنة لإبداعيتها الخلاقة دون أن يجتذبها درك الصفر..! لن يروي ظمأً، كأسُ هذا العمود الإفتتاحي الذي نَصُبُّ فيه كلِمنا، حول شاعر مغربي أصيل، لا تنطفئ وقدة وطيس سجالاته الأدبية المستعرة في ذاكرة سبعينيات الثقافة المغربية، فقط نشكر الأصدقاء في العرائش الذين أرخوا، ولو في ساعات، لهذه الذاكرة الممتدة بعرائشها الأدبية شاسعا في الثقافة المغربية، بشهادات ستبقى محفورة لا يَشُوبُها محوٌ في الأفئدة والوجدان..!