صادق مجلس النواب على مشروع قانون المالية لسنة 2014 في قراءة ثانية، وهي مصادقة عادية جدا تندرج في مسطرة التشريع، إذ بعد أن يجتاز هذا القانون محطته الثانية بمجلس المستشارين يعود إلى مجلس النواب في قراءة ثانية فيما قد يكون حدث من خلاف بين الغرفتين، ولقد تم العمل بهذه المسطرة بصفة عادية وطبيعية لسنتين متتاليتين. ما حدث هذه السنة يجب أن يكون محل اهتمام من طرف الرأي العام، وأوضح بداية أني هنا لا أدافع عن غرفة من الغرفتين وموقفي من الاختلالات الواقعة الآن بمجلس المستشارين معروفة وقلتها في هذا الركن في إبانها. ما حدث يدعو إلى القلق فعلا، لأنه يؤشر على أن السلطة التنفيذية حققت مكسبا آخر من مكاسبها بأن أحدثت اختلالات في مؤسسات دستورية ذات وزن وقيمة. طبعا، كان منطقيا أن تصوت المعارضة في مجلس المستشارين ضد قانون المالية، مادامت نفس المعارضة صوتت ضده في الغرفة الأولى، وإن كان التأكيد على أن التصويت على رفض الجزء الأول كان كافيا، ولذلك لا يمكن للعقل السليم أن يفهم حالة النرفزة والقلق التي أصيبت بها الحكومة وأحزابها وأغلبيتها، ولم يحدث يوما أن وصف رئيس حكومة أو وزير أول تصويت البرلمان بالمضيعة للوقت أو العبث. الذي حدث من بعد في مجلس النواب كان أكثر خطورة حيث ولجت الحكومة مدججة بأغلبية طيعة جدا لخوض الحرب الضروس ضد مشروع القانون كما جاء من مجلس المستشارين، إن الحكومة معززة بأغلبية خنوعة جاءت للانتقام ضد المعارضة التي تجرأت ولم تصوت على قانون المالية، الحكومة مسلحة بأغلبية كسولة أسرعت بالقانون إلى مجلس النواب لتمارس العقاب ضد المعارضة. لاحظوا معي إن هذا المنطق المثير والغريب كان على حساب مضمون مشروع القانون المالي، المهم بالنسبة لحكومة وأغلبية قبلت أن تتحول إلى درع تصفوي، وإلى أداة لتنفيذ الانتقام أن ترد الدين للمعارضة وأن يتم رفض جميع التعديلات الواردة من مجلس المستشارين. قد تحاول الأغلبية الرد في هذا الصدد بأن مجلس المستشارين في وضعية غير شرعية، لذلك فرفض التعديلات الواردة منه لها إشارة سياسية واضحة، لكن كلاما كهذا هو شرع يراد به باطل، لأن المجلس كان في السنة الفارطة على نفس الحال، وأن وزراء الحكومة وخصوصا وزراء حزب العدالة والتنمية وفي مقدمتهم السيد رئيس الحكومة يهرولون كل أسبوع وكل شهر إلى مجلس المستشارين للرد على أسئلة شفوية و(يتبورد) فيه رئيس الحكومة كل شهر.