قررت أندية كرة القدم للمحترفين بفرنسا في الأسبوع الماضي بعد اجتماع مكتبها ( اتحاد أندية كرة القم للمحترفين) إلى تنظيم يوم أبيض – وتمّ تفادي كلمة " الإضراب " لأنها تذكر الحلقة المؤلمة من كنيسنا في جنوب أفريقيا خلال كأس العالم 2010 – وتقرر أن تتوقف المنافسات في القسم الأول و الثاني خلال أيام 29 نونبر إلى 2 دجنبر احتجاجا على الضريبة المقترحة للحكومة 75٪ على الممارسين ذوي الدخل المرتفع . وقد خلّف هذا القرار الحكومي ضجة كبرى سواء داخل فرنسا أو في الاتحاد الأوروبي الذي فضل تأجيل مناقشة هذا الموضوع وتوالت العديد من الآراء والتحليلات أغلبها مع القرار وكان آخرها استطلاع للرأي نشر في كل وسائل الإعلام لا أحد فيه يدافع عن الاحتجاج ،83٪ من الفرنسيين يرون أن الإضراب سيكون بلا مبرر، و 85٪ منهم يساندون تطبيق ضريبة 75٪ على الأندية. وظهر أيضا التحاق العديد من المشاهير الرياضية بهذه الفكرة أو القرار ،في مقدمتهم رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم : ميشيل بلاتيني ، في مقابلة بثت على قناة كنال+ الرياضة ليلة الخميس الماضي قال " لاعبو الكرة يتقاضون حاليا مبالغ جد مرتفعة ويريدون خوض إضراب ،،؟؟ دعونا نسخر من هذا التصرف " أما رئيس مرسيليا سابقا : بابا ضيوف قال في تصريح ناري للجريدة الإليكترونية الواسعة الانتشار (هافينغتون بوست – لوموند) "لا ينبغي أن تكون كرة القدم معفاة من التضامن الوطني وأضاف في تحليل إداري " إن أندية كرة القدم لها نفس النظام القانوني لباقي الشركات " وهذا الرأي أو التوضيح هو الذي جاء في تدخل رئيس الجمهورية الفرنسية مؤكدا " إن القانون الضريبي يطبق على الجميع " صحيح أن تسيير الأندية هو شبيه بالشركات لها نفقات وإيرادات وصافي الدخل ولها أيضا مساهمين في رأس المال كذلك هناك بعض الأندية متداولة في البورصة على الرغم من أنها نادرة التمييز بسعر الاكتئاب . إلا أن السؤال يبقى قائما هو " هل أندية كرة القدم هي شركات تجارية عادية ؟ بعض رؤساء الأندية أكدوا في تصريحات صحفية ، في مقدمتهم رئيس نادي : ليل ،ونادي سانتيتيان " إن النادي في فرنسا لا يعتبر شركة عادية " ،وهذا الأخير وجه تحديا لرئيس الحكومة لكي يثبت أن هناك شركات تؤدي الضريبة على موظفيها أصحاب الدخل العالي إلا أن الحقيقة هي التي صدرت من رئيس لجنة المالية في الفريق البرلماني للحزب الاشتراكي الحاكم حاليا : " يجب أن يعلم رئيس سانتيتيان أن 475 شركة و14 ناديا لكرة القدم عليهم كل الإثبات لخضوعهم لهذه الضريبة " هذا هو الخطاب المشترك في كرة القدم للمحترفين يجعلنا نعيش في فقاعة طبعا من الواضح أن هذا المصطلح لا يطابق حقا الواقع العميق لهذا الوحش الاقتصادي الكبيرة الذي يروّج 1.2 مليار أورو (وفقا لتقرير مؤسسة : التأثير المجتمعي لكرة القدم). لأنه يعلم أن السياق الذي تعمل فيه قيادات الأندية يجب أن تدافع عن مصالحها فالتهديد بالإضراب من قبل الأندية هو تقليد ليس في عادات الكرة الفرنسية ، نعم تقليد على طريقة جبهة " تي بارتي " التي عارضت بقوة مشروع إصلاح الصحة للجميع الذي اقترحه أوباما في الولاياتالمتحدة حتى أوقفوا ميزانية الدولة بأكملها إذا ما تراجع عن قراره ,ويظهر من الآن أن هذا ما يلوّحه معارضو الضريبة على كرة القدم فهم يهددون بأنهم سيعلنون الإفلاس وسيعرضون للبيع أشهر لاعبيهم لأندية عالمية خارج فرنسا مما سيؤدي حتما إلى انخفاض مستوى التنافس ومستوى كرة القدم الفرنسية عامة. والأهمية التي يراها الرأي العام هي في تواجد المعارضين لدعم خزينة الدولة المتضررة ، هم تحت راية رياضة مشهورة وغنية جعلوها تشتكي من سوء معاملتها قانونيا ،وردّة فعلها هي خلق جو متشائم يحوّل لاعبا رياضيا محترفا " غنيا " إلى عامل عاطل يقف في طابور مكتب الشغل لتقاضي التعويض الشهري المتواضع عن بطالته ،لكن أغنياء الكرة يعرفون جيدا أن الإحصائيات والنتائج المخجلة للمنتخب الوطني لا تجعلهم في موقع القوة للوقوف بجنب رؤساء الأندية أو قياداتهم أو بلغة الشركات : مشغلهم ، في قضية الإضراب لأن الشعب أو الجمهور سيزيد من غضبه عليهم ،لذلك فأغلبهم لم يدلي برأيه خاصة عندما نشرت وسائل الإعلام الاستطلاع بين مختلف شرائح المجتمع الفرنسي ،(85 في المائة مع فرض الضريبة) فكيف لهم أن يقنعوا هذا الشعب الذي يريد أن توفر له الحكومة خدمات جيدة في المستشفى والمدارس والأمن وباقي الخدمات الاجتماعية التي تجد تمويلها من الضرائب .يبقى إدن وعي الرياضي " الغني " حريص على دوره ويفهم جيدا أن هذا الإضراب هو وسيلة ديماغوجية يستعملها رجال المال للدفاع عن استفادتهم من تساهل الحكومة مقابل تشجيع التشغيل وخفض البطالة وهذا التساهل فخر جديد وجدته الكرة الفرنسية في مستثمرين غير فرنسيين في مقدمتهم التمويل القطري والروسي الذي دخّ ميزانية خيالية في أندية مختلفة وهناك اتصالات لجلب رأس مال من الصين وأندونيسيا . في هذه المعركة الرهيبة من الأفكار يعتقد البعض والبعض الأخر أنه قطعة رئيسية للتحرك على رقعة الشطرنج وهذا غالبا ما يعطي المعادلات الأساسية مثل الحرية ضد تأمين الحياة الاجتماعية أو الصراع الطبقي. إلا أن كرة القدم لا يمكن أن تكون ترجمتها ،من الأهداف المدهشة من زلاتان أو فالكاو إلى إضراب ضد العدالة الاجتماعية. لا يعقل تنظيم: إضراب! أو خوض إضراب ضد التضامن الاجتماعي ،لأن الرياضة أو كرة القدم هي تضامن اجتماعي أصلا . إذا كان هذا التصحيح أو ضبط الوضع المالي في الرياضة الفرنسية ،يعتبر تضامنا اجتماعيا ،فحبذا لو تفكر الحكومة المغربية في هذا النموذج الفرنسي وتجعله كإطار لتقنين النظام المالي الرياضي في بلادنا ليس بالشكل الفرنسي بالضبط ( لأنه ليس هو المتميز في أوروبا ) ولكن بالشكل الذي يتماشى مع السيولة المالية المتوفرة في الوسط الرياضي عندنا والتي تعرف فوضى عارمة .