هل سمع بنكيران بشكوى الأندية؟ أفهم وأظنكم مثلي تفهمون لماذا إستشاط رؤساء أندية كرة القدم غضبًا وهم يبلغون رسميا بما يلزمهم به مشروع قانون المالية لسنة 2012 في إحدى فصوله عندما يخضع المبلغ الإجمالي للأجور المدفوعة للرياضيين المحترفين للإقتطاع الضريبي أو ما يعرفه ذوو الإختصاص بالضريبة على الدخل.. يغضب رؤساء الأندية ومن حقهم ذلك، لأنهم لم يستشاروا عند إقتراح هذا الإجراء، لم يعطوا ما يكفي من الوقت لتدبر مرحلة حساسة في دخولهم الإحترافي وأكثر منه لأنهم معنيون بقرار يجب التفاوض عليه، فإن حكمت حكومة السيد بنكيران بإخضاع الأجور التي تدفعها الأندية لمحترفيها للحجز بلغة المالية، فإن هناك نقاشًا وطنيا لا بد وأن يفتح ويطرح بإلحاح وبعمق وطني لا تشنج فيه العديد من الأسئلة.. ألم يكن من المنطقي وكرة القدم الوطنية تدشن لدخول الرياضة الوطنية النظام الإحترافي وتتحمل في ذلك أعباء كثيرة أن تمتع ولو مؤقتًا بالإعفاء الضريبي وهي التي تقدم خدمة عمومية؟ ألم يكن منصفًا أن تضع الحكومة في مقابل ما تريد أن تقتصه من ميزانية الأندية في صورة إقتطاعات من كتلة الأجور، ما تقدمه هي كحكومة مسؤولة عن السلطات العمومية التي أوصى الفصل 26 من الدستور الجديد بدعمها للرياضة لهذه الأندية؟ ألم يكن سابقا للأوان أن تعامل الأندية وهي التي تعمل إلى الآن بنظام الجمعيات المنظمة بظهير 58 كما لو أنها شركات أو مقاولات رياضية كما جرى تعريفها في القانون المحين للتربية البدنية والرياضة؟ لم تعمل الحكومة الحالية في واقع الأمر إلا على تفعيل نية كانت قد عقدتها الحكومة السابقة في إخضاع أجور الرياضيين المحترفين للضريبة، بعد أن أبلغت بدخول كرة القدم الوطنية نظام الإحتراف بنصوص ثم تثبيتها في القانون المحين للتربية البدنية والرياضة، إلا أن القرار المفعل في مشروع قانون المالية كان يحتاج إلى دراسة إستباقية ترتب بمنطق وبوازع وطني المراحل التي يجب المرور منها قبل إخضاع أجور الرياضيين المحترفين للضريبة على الدخل وحتى الشركات الرياضية للضريبة على الأرباح. والحقيقة أن ما يحدث اليوم من تشنج في علاقة أندية كرة القدم بحكومة السيد بنكيران على خلفية القرار الملزم، ما هو إلا نتاج طبيعي للتشويش وحتى الضبابية التي تطبع علاقة المرفق الرياضي بشكل عام بالأجهزة التي تدير الشأن الوطني وحتى الشأن الجهوي.. عندما تقرر الرياضة الوطنية دخول نظام الإحتراف كمنهج وكسلوك وكخيار لا محيد عنه في ظل ما هو سائد عالميا، وتفعل هذا القرار من خلال فصول قانونية، فإن ذلك يعني ببساطة شديدة أننا أمام قرار سياسي، مثلما أنه يضع الأندية والجامعة والعصب أمام مسؤولية تأمين كل شروط هذا الإنتقال، فإنه يضع أيضا الدولة بكافة قطاعاتها أمام مسؤولية تفعيل دورها في دعم هذا الإنتقال الإحترافي.. فالإحتراف كخيار إستراتيجي يرمي إلى تطوير مرفق رياضي بات يلعب أدوارًا بنيوية في بناء إقتصاد الوطن، يحتاج إلى مساهمة عينية للدولة في تحديث المرافق والملاعب الرياضية وتحيين فضاءات الفرجة وأكثر منه في مصاحبة الأندية في إنتقالها للإحتراف.. وهذه المصاحبة يجب أن تكون لها أوجه واضحة، وأبرزها أن تساعد الأندية ماديا على تحمل أعباء إحتراف يفرض بحسب دفتر التحملات إبرام عقود مع اللاعبين والمؤطرين وإنشاء مراكز للتكوين واعتماد أسلوب مقاولاتي في التدبير.. وقد كنا ننتظر من حكومة السيد بنكيران تنزيلاً للدستور الجديد أن تقنن آليات دعم الأندية الرياضية بخاصة تلك التي تؤمن دخولنا للإحتراف، فتصدر مراسيم تحدد النسب المائوية التي يجب أن تمثلها منحة الجماعات المحلية للأندية الموجودة في نفوذها الجغرافي بتطابق كامل مع الحد الأدنى المفروض من قبل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على كل ناد يدخل البطولة الإحترافية، وتصدر أيضا في إطار دعمها لهذا الإنتقال الإحترافي مذكرة تقنن دعم المؤسسات الإقتصادية الكبرى للأندية الوطنية بإعمال نوع من العدالة التي تحقق الفائدة الجماعية.. ومن أوجه هذا الدعم أيضا أن تبادر حكومة السيد بنكيران في شخص وزارة الشباب والرياضة التي بات مسؤولاً عنها اليوم إطار وطني مبرز (السيد أوزين) إلى تنزيل مضامين قانون التربية البدنية والرياضة المحين بإطلاق كل النصوص التطبيقية لفصوله وبخاصة ما تعلق منها بفصول الإحتراف وأحكام إنشاء شركات رياضية هادفة إلى تسيير أندية إحترافية.. لا يجب أن نتصور بأن الأندية الوطنية لكرة القدم المجتمعة يوم الخميس الماضي قد وضعت نفسها في مواجهة حكومة السيد بنكيران على خلفية الوارد في مشروع قانون المالية الجديد، فلا هي تريد أن تلوي ذراعها أو أن تنقلب عليها أو تتحرش بها، لطالما أن هناك مصلحة عليا للبلد، أبدًا لا تسمح بمثل هذه المزايدات. إن ثورة أندية كرة القدم البيضاء إنما تنتصر لقضية يجب أن يتفاوض عليها وحولها باستحضار الوازع الوطني أولاً وباستحضار كل إكراهات الإنتقال الإحترافي ثانيا، وإذا كان هناك من قال بأن القرار المنصوص عليه في مشروع قانون المالية يحكم على الأندية بالفناء لطالما أنه يضيف لكل الأعباء عبئا ثقيلاً جدًا، فإنني أقول أنه قد يحكم على المشروع الإحترافي بالإعدام، وأنا على ثقة كاملة من أن الحكمة ستحضر في تدبر هذا الإختلاف حتى لا يفسد مصلحة الوطن، الحكمة التي لا تقول بإعفاء أجور الرياضيين المحترفين من الإقتطاع الضريبي إلى ما لا نهاية، ولكنها تقول بضرورة الإتفاق على سقف زمني معقول يتفاوض بخصوصه، مرحلة زمنية متوافق عليها، تترك فيها الأندية تتدبر بشكل جيد السنوات الأولى للإحتراف وتلزم فيها أيضا السلطات العمومية بدعم مقنن للمشروع الإحترافي الذي هو بالتأكيد مشروع أمة قبل أن يكون مشروع جامعة أو أندية.. ---------------- عندما تصل الأندية إلى درجة اليقين بأن الجامعة وهي تصدر قراراتها بالنفاذ المعجل ولا تأخذ برأيها، إنما تستصغرها، بل وتحتقرها ولا تعترف بأنها قاعدة كل شيء ومبتدأ المشروع الإحترافي، فإن هناك بالتأكيد سوء فهم وسوء تقدير للنوايا سببه ضعف التواصل.. وعندما تبلغ الأندية عن طريق مدرائها الإداريين بأن هناك سقفًا جديدا للمطالب تضعه الجامعة أمام الأندية قبل دخول الإحتراف سنته الأولى من دون حتى أن تكلف نفسها عناء تقديم حصيلة للسنة الأولى إحتراف، فهذا يخلق في المبنى العام حالة من فقدان الثقة وليس من سبب لذلك سوى ضعف التواصل.. عندما يختزل كل عمل الجامعة في الصورة التي يصدرها الفريق الوطني وتحجب كل إخفاقاته ما أنجز وما ينجز من عمل على مستويات كثيرة، فلأن الجامعة ترضى بأن يسود التعتيم الكامل فضاء إشتغالها.. وعندما يطرح مشروع قانون المالية الجديد قرارًا يلزم بدفع الضرائب على أجور الرياضيين المحترفين، والأمر يمس في الجوهر لاعبي الأندية التي يقال جزافًا أنها أندية محترفة ولا تتحرك الجامعة في إتجاه كبح جماح هذا القرار العادم للقدرات، فذلك معناه أنها لا تتواصل حول قضاياها الكبرى والمصيرية.. البعض يحب أن يرى النصف الفارغ من الكأس ولا ذنب عليه، والبعض الآخر يحب أن يجر الجامعة من اليد التي توجعها والذنب ليس ذنبه، ولكنه ذنب الجامعة التي تبدي بعض العناء في وضع مقاربة جديدة لطريقة وأسلوب تواصلها مع الأندية ومع الرأي العام الرياضي.. طبعًا هناك حاجة ماسة بعد أن اعترفت الجامعة على نفسها بضعف التواصل لأن توضع استراتيجية متكاملة تحدد كل وسائل الإتصال المتاحة لتجعل بيت الجامعة من زجاج لا يستطيع أي واحد أن يرميه بحجر الإشاعات..