حزب الاستقلال لا يمكنه العودة للوراء. هذه هي الرسالة التي يتعين أن يستوعبها بعض الإخوان، الذين مازالوا يحنون لعهد كانوا يتحكمون فيه في أرقاب المناضلين، وشيدوا فيه نظاما من الريع الحزبي والاستبداد التنظيمي في المدن التي كانوا يحكمون قبضتهم عليها، واليوم يصرون على لعب دور محامي السيد عبد الإله بنكيران. حسم المؤتمر العام السادس عشر لحزب الاستقلال سؤال الشرعية التي يسعى البعض اليوم للحديث باسمها، ولتنقيط قياديين في الحزب، والسبب الحقيقي هو أنهم لم يستوعبوا أن حزب الاستقلال لا يمكنه البقاء رهينة أيادي تختبئ وراء الشرعية التاريخية، لمنع بروز جيل جديد من القياديين الشباب الذين أعطوا للحزب أكثر بكثير من أولئك الذين نصبوا أنفسهم اليوم شراحا للوثيقة الدستورية وحماة لتجربة حكومية يتوهمون أنها تتعرض لمؤامرة، لأن الثقافة السياسية التي حكمتهم لعقود ظلت سجينة نظرية المؤامرة. لذلك فإن تطاول بعض الأصوات التي تنتمي إلى الماضي، على قرارات سيادية للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، لا يمكن أن يقابل إلا بالإدانة. فقد كان حريا بتلك الأصوات التي لطالما قاومت النسيان، عبر خرجات مكشوفة الأهداف، أن تراعي حرمة مؤسسة المجلس الوطني للحزب وسيادته في اتخاد ما يراه مناسبا في التعاطي مع حلفائه داخل الحكومة، وليس الادعاء بأنه استهداف لشخص رئيس الحكومة وتشويه لصورته، هذا التودد للحزب الحاكم لن يعيد هذه الأصوات إلى ساحة الفعل السياسي لأنها تنتمي إلى زمن ولى ولسنا على استعداد للعودة إليه. لأن من غاب عن معارك كبرى خاضها حزب الاستقلال في السنوات الأخيرة ليس مخولا اليوم لفحص طبيعة الخطاب السياسي ولا اللغة السياسية، لأن اللغة التي يتحدث بها اليوم تنتمي إلى ما قبل زمن التغيير الكبير الذي كان المؤتمر العام السادس عشر علامته الفارقة. ولهم نقول إن الاستقلاليين والاستقلاليات لم يلتفتوا إلى من حاول أن يلتف على طريقهم نحو صناديق الاقتراع، أياما قليلة قبل ليلة 23 شتنبر، منصبا نفسه حاميا لقيم الحزب ومبادئه، ثم إنني أعتقد أن من قاطع دورة المجلس الوطني عندما تم إعمال الديمقراطية وانتخاب قيادة الحزب، ليس بوسعه إدراك أن حزب الاستقلال أصبح حزب المؤسسات ولن يصغي إلى أصوات الماضي، التي تحاول حجب حقيقة واضحة اليوم؛ «خطاب المؤامرة على التجربة الحكومية الحالية متهافت لأن هذه الحكومة الحالية لا تحتاج أي مؤامرة، بكل بساطة لأنها مازالت حبيسة الشعارات، فهل يمكن أن تكون هناك مؤامرة على الشعارات؟» تدبير الشأن العام ليس نزهة ولا خلوة، هو تدبير إشكاليات كبرى وموازين قوى، كما أن قيادة حكومة ائتلافية ليس كمن يقود جماعة دعوية ينتظر سماع آيات السمع والطاعة، بل هو فن إدارة الرؤى والمواقف، لن يحجب أي أحد اليوم واقع الأزمة الحكومية وأن الانتظارية هي سيدة الموقف، السبب الرئيسي يعود إلى غياب ثقافة الإنصات، وطغيان عقيدة المؤامرة. نحن اليوم في حاجة إلى الانتقال إلى ثقافة سياسية جديدة قائمة على الوضوح، لأن أحد أعطاب هذه التجربة هو الغموض، من المهم اليوم أن نعرف من يتآمر على هذه التجربة لكي نواجهه جميعا، من المهم أن يعرف الرأي العام التماسيح والعفاريت، لا أن يعرفهم السيد رئيس الحكومة ووزراؤه فقط، من حقنا أن نعرف أطراف « الحرب النفسية» التي قال بعض الوزراء إنهم يخوضونها، مع من؟ ولماذا؟ واهم من يعتقد أننا حائط قصير. وأننا يمكن أن نلعب دور الحزب المكمل، أو أن نقبل الإنصات إلى بعض الأصوات التي تنتمي إلى الماضي ولم تستوعب أن الاستقلاليين اختاروا عبر صناديق الاقتراع برنامج التغيير، لقد أكد حزب الاستقلال دوما إرادته الصادقة في إنجاح هذه التجربة، ولن نكون جزءا من مؤامرة الصمت أو خطاب التزلف، لذلك عبرنا عن مواقفنا بكل شفافية ووضوح للرأي العام الوطني، لم نختبئ داخل معجم كليلة ودمنة، كتبنا وثائق، وأحسنا الظن في حلفاء كنا دائما معهم وإلى جانبهم حتى في اللحظات التي كان الجميع ينبذهم.