لحد الساعة مازال رئيس الحكومة عاجزا عن الكلام، وهو عجز يمس، أيضا، تدبير وضعه الدستوري، الذي لم يسبقه إليه أحد. وهو وضع، وتلك مفارقة جديرة بأن تدخل إلى التاريخ والكليات والمعاهد والاجتهادات المقبلة، أفشله بدون أن يمارسه! لقد ظل رئيس الحكومة، يقدم ممارسة (وليس تأويلا) عتيقة لدستور جديد، لم تمكنه من أن يتجاوز حاجز الصوت... أي الخطاب. وصمت بنكيران، بذاته، يعد ممارسة، وهو برهان بالخلف يدل على أنه بدوره يريد التحكيم الملكي وينتظر ما سيتقرر. لقد قيل الكثير، وصدرت العناوين بالبنط العريض متحدثة عن «شباط الذي اختبأ وراء الملك»، لكن ألم يكن الأمين العام لحزب الاستقلال «يختبيء»، إذا سلمنا جدلا بذلك، بواسطة الكلام، في حين اختبأ رئيس الحكومة بواسطة ... الصمت؟ في الواقع، مهما كان رأي المغاربة أو بعضهم أو جلهم، من الأمين العام لحزب الاستقلال، فإن المفروض اليوم هو أن تكون لرئيس الحكومة ممارسة تجعله «يرتدي» وضعه الاعتباري الجديد. لماذا؟ لأن المطلوب هو أن يتكرس وضع رئيس الحكومة، باعتباره الشريك الأول في السلطة في مغرب دستور 2011، بما سيخدم مستقبل البلاد ويخدم، أيضا، مستقبل الممارسة الديموقراطية، ويغير من بنية وطبيعة الدولة. وكان عليه أن يكرس هذه الممارسة عبر تفعيل مقتضيات الفصل 47، الذي يقول بمضمونه الناطقون باسم الحزب سواء كبرلمانيين أو كنقابيين. غير كاف أن نقرأ على لسان السيد أفتاتي أو أخيه بوانو أن الاستقالة الحقيقية هي أن يقدم الوزراء الاستقلاليون استقالتهم، بعيدا عن الفصل 42 الذي أثار الكثير من السجال. فالفصل 47 يعطي الحق للوزراء بأن يقدموا طلب إعفائهم، وهذا ينطبق على الوزراء الاستقلاليين، لكن نفس الفصل يعطي رئيس الحكومة الحق في طلب إعفاء وزير أو أكثر من حكومته، من طرف جلالة الملك. لماذا لم يقم بذلك، ويختم على الفصل الأول من تجربته بما يراه يخدم استراتيجيته، لا سيما وأنه يرى أن خليفه السابق ينتمي إلى معسكر آخر غير معسكره، بعد أن قسم الطبقة السياسية إلى تيارين، تيار للإصلاح وتيار للبلطجية؟ لأنه، ببساطة، لا يريد أن يمرن نفسه على وضعه الدستوري غير المسبوق. هو نفسه يخضع للفصل 42، حتى وإن كان يريد أن يطلب من المعارضة (الاتحادية أساسا) أن تنوب عنه في الدفاع عن التأويل الديموقراطي لهذا الفصل! بالنسبة لمن ينظر إلى مستقبل البلاد، يهمه كثيرا أن تنجح مؤسساتنا، التشريعية والتنفيذية والقضائية في الارتقاء، في مراتب التاريخ، وتصبح البلاد متجهة إلى الملكية البرلمانية، والديموقراطية والاجتماعية. ويعد الوضع الدستوري لرئيس الحكومة معبرا إجباريا لهكذا تطور. بل يمكن اعتبار أن تمكين الشخصية الدستورية لرئيس الحكومة من قوة الممارسة هو المحك. ومن هنا، ومن هذه الزاوية أساسا، يمكن القول بأن بنكيران له المسؤولية الكبيرة في الخروج من جلباب الوزير الأول، وارتداء سربال رئيس الحكومة.