لم يكن أشد المتشائمين يتوقع سقوطا مدويا و"بهدلة ما بعدها بهدلة" للمنتخب المغربي لكرة القدم أمام نظيره التنزاني في المباراة التي جمعتهما أول أمس الأحد في دار السلام برسم الجولة الثالثة من منافسات المجموعة الثالثة ضمن تصفيات إفريقيا المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم البرازيل 2014. الجميع انساق وراء تصريحات الناخب الوطني رشد الطاوسي الذي باع الوهم للمغاربة ووعدهم بالعودة بالانتصار من قلب دار السلام، مطالبا فقط بوضع الثقة فيه وفي اختياراته للاعبيه، لكن النتيجة كانت أن أخلف الوعد وأعاد كرتنا الوطنية سنوات إلى الوراء، ربما تحتاج معها عشرات السنين للنهوض من جديد. بعض الحالمين بالتأهل إلى المونديال البرازيلي، نسوا أو تناسوا أن المغرب كان متأخرا عن منافسيه في المجموعة الثالثة، منذ أن اكتفى بالتعادل في مباراتيه الأوليين أمام غامبيا في بانجول والكوت ديفوار في مراكش على عهد المدرب غير المأسوف على رحيله البلجيكي إيريك غيريتس، وبالتالي فإن حلم التأهل إلى نهائيات البرازيل كان صعب المنال حتى ول كنا فزنا أول أمس على تنزانيا في عقر دارها، هذه الأخيرة التي عززت موقعها في المركز الثاني برصيد 6 نقاط بفارق نقطة واحدة خلف كوت ديفوار الفائزة يوم السبت على غامبيا ب 3-0، فيما بقي المنتخب المغربي في المركز الثالث برصيد نقطتين من تعادلين مخيبين في الجولتين الاولى والثانية. وكان المنتخب المغربي بحاجة الى الفوز في مباراة أول أمس ولقاءيه المقبلين على أرضه أمام تنزانيا بالذات في الجولة الرابعة في 8 أو 9 يونيو المقبل وغامبيا صاحبة المركز الأخير برصيد نقطة واحدة في 15 او 16 من الشهر ذاته، للإبقاء على آماله في التأهل قبل ان يحل ضيفا على كوت ديفوار في الجولة السادسة الأخيرة في 7 او 8 شتنبر ، بيد ان خسارته بخرت حظوظه في المنافسة على البطاقة الوحيدة المؤهلة الى الدور الحاسم. - لعنة معسكرات الإمارات: يبدو أن المغرب غير محظوظ في المعسكرات التي يقيمها في دولة الإمارات الشقيقة، وكأن لعنة ما تصيب المنتخب المغربي كلما وقع الاختيار على دبي لإقامة تجمع فيها، وكلنا يتذكر ما حصل في تصفيات مونديال 2006 عندما اختار الناخب الوطني السابق بادو الزاكي إقامة تجمع تدريبي في الإمارات الموجودة على مستوى سطح البحر، مع العلم أنه كان سيواجه حينها منتخب كينيا الموجود على مستوى مرتفع عن مستوى سطح البحر، فكانت النتيجة أن تعادلنا هناك بشق الأنفس مع كينيا فتضاءلت حظوظ المغرب في التأهل إلى مونديال ألمانيا، وكأن التاريخ يعيد نفسه وهذه المرة مع المدرب رشيد الطاوسي الذي ارتكب نفس خطأ سالفه الزاكي واختار التربص في الإمارات، لكن هذه المرة كانت الخسارة ثقيلة وبثلاثية مدوية.. لا ندري سر اختيار الطاوسي للإمارات مع أنه يعرف جيدا أن المغرب حباه الله بمؤهلات طبيعية، يختار منها ما يشتهيه ذوقه، من المناخ البارد والحار وحتى المرتفعات الجبلية. الطاوسي أحرق ورقة اللاعبين المحليين: خاض المنتخب المغربي مباراة تنزانيا بتشكيلة لا تملك خبرة كبيرة في المباريات الدولية باستثناء العميد حارس مرمى الوداد البيضاوي نادر المياغري، وضمت 6 لاعبين محليين هم فضلا المياغري، ثلاثي دفاع الجيش الملكي عبد الرحيم الشاكير ويونس حمال ويونس بلخضر ومهاجما الرجاء البيضاوي حمزة بورزوق وزميله عبد الاله الحافيظي (21 عاما)، ولعل الطاوسي الذي أراد معاقبة اللاعبين المحترفين الذين خذلوه في نهائيات أمم إفريقيا في جنوب إفريقيا عن طريق إبعادهم من التشكيلة الأساسية للفريق، لم يكن يدري أن الأمور ستنقلب عليه، باعتماده على اللاعبين المحليين الذين يفتقد أغلبهم للتجربة الدولية، والطاوسي يُسأل بقوة عن اختياره للثلاثي العسكري بلخضر والشاكر وحمال لمباراة مصيرية مثل هاته المباراة، علما أن أداءهم نزل في الآونة الأخيرة في البطولة الوطنية، وبإمكان الطاوسي العودة إلى أشرطة مباريات فريق الجيش الأخيرة وسيكتشف بأم عينيه أن اختياره كان خاطئا. اللاعبون المحليون لا ننقص من كفاءتهم ورغبتهم القوية والحماسية في تبليل القميص الوطني، لكن ربما تسرع الطاوسي في الاعتماد عليهم بصفة أساسية وهم غير جاهزين بعد لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة، فكانت النتيجة أن أحرقهم مبكرا، وربما يؤثر ذلك على مستواهم في مبارياتهم مع فرقهم المحلية. - عندما تُضَيّع تستقبل: دفع المنتخب المغربي ثمن الفرص الكثيرة التي أهدرها في الشوط الأول خصوصا بواسطة مهاجم الرجاء حموة بو رزوق الذي فعل كل شيء إلا هز الشباك التنزانية، فأضاع أكثر من 6 فرص حقيقية، وكما تقول القاعدة الكروية الشهيرة: "عندما تضيع الأهداف فإنك تستقبل الأهداف"، هو ما حصل مع المنتخب المغربي بتلقيه ثلاثية تاريخية لم يكن التنزانيون يحلمون بها في يوم من الأيام. بالاضافة الى العقم الهجومي، ارتكبت اخطاء دفاعية قاتلة تسببت في الأهداف الثلاثة 3 في الشوط الثاني، ولو لا لطف الله لكان مرمى الحارس نادر لمياغري تلقى أهدافا غزيرة - اللعب الفردي كان أكثر حضورا من اللعب الجماعي: تميز أداء الفريق الفطني أمام تنزانيا باللعب الفردي ، في محاولة من كل لاعب إثبات أحقيته في حمل القميص الوطني، ولربما تقديم بعض اللوحات التي قد تستأثر باهتمام بعض سماسرة الكرة. وكل ذلك على حساب اللعب الجماعي. فقد افتقد الفريق إلى قائد حقيقي ، يكون بمتابة مدرب ثان وسط الميدان، فكانت كل الخطوط مفككة، وكل "يلغي بلغاه"، وهو الشيء الذي فطن له مدرب تنزانيا خصوصا في الشوط الثاني ، فقام بتغيير تكتيكي ذكي، استغل فيه الثغرات الدفاعية المغربية وإعياء لاعبي الوسط، فكانت مهمة لاعبيه جد سهلة في اختراق الحصون المغربية ودكها بثلاثية. - ضريبة التغيير الجذري في المنتخب: لم تنفع التغييرات الجذرية التي أقدم عليها المدرب رشيد الطاوسي في تشكيلة الفريق الوطني، باستبعاده أهم ركائز هذا الأخير من العناصر ذات الخبرة الدولية امثال مبارك بوصوفة (انجي الروسي) ويونس بلهندة (مونبلييه الفرنسي) وأسامة السعيدي (ليفربول الانجليزي) وكريم الأحمدي (استون فيلا الانجليزي) ومنير الحمداوي (فيورنتينا الايطالي) وعادل هرماش (تولوز الفرنسي) والمهدي بنعطية (اودينيزي الايطالي) والعميد السابق لاعبي القطري الحالي الحسين خرجة. واكتفائه بدعوة خمسة لاعبين محترفين في الخارج فقط هم عبد العزيز برادة (خيتافي الاسباني) وشهير بلغزواني (اجاكسيو الفرنسي) وكمال الشافني (بريست الفرنسي) وزكريا برغديش (لنس الفرنسي) وعصام عدوة (فيتوريا جيمارايش البرتغالي). "سخونية" رأس الطاوسي ورغبته في إثبات أنه يتوفر على شخصية قوية، وأن بإمكانه تصحيح أخطاء سالفه البلجيكي غيريتس عن طريق القيام بانقلاب شامل في الفريق الوطني، أدى المغرب ضريبتها، فكان الفشل حليفه، ففعل مثل الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة، فلا هو عرف كيف يمشي مثل الحمامة ولا هو عرف كيف يمشي مشيته الأصلية. - البكاء وراء الميت خسارة: هذه ليست المرة الأولى التي يتجرع فيها المغاربة مرارة الإخفاق في التأهل إلى المونديال، فقد تعودوا على ذلك منذ 16 سنة، وبالضبط منذ التأهل الأخير إلى مونديال فرنسا 1998. وحتى التأهل إلى منافسات كأس أمم إفريقيا كانت يت بشق الأنفس وعندما نشارك فيها نخرج من الدور الأول.. لدرجة أن الدول الإفريقية منها حتى التي كانت إلى وقت قريب لا توجد ضمن الخريطة الكروية الإفريقية، أصبحت تبتهج كثيرا عندما توقعها القرعة إلى جانب المغرب، لأنها تدرك جيدا أنها وقعت إلى جانب منتخب ضعيف يسهل تجاوزه. الأكيد ان المدرب الطاوسي يتحمل مسؤولية كبيرة في نكسة الفريق الوطني أمام تنزانيا باختياراته الخاطئة والفاشلة، لكن هذا الفشل لا يتحمله لوحده، فإلى جانبه منظومة رياضية كاملة فاشلة ممثلة في الجامعة غير الشرعية، وحتى الوزارة الوصية، التي تعاقب عليها وزراء كثر، وفي كل مرة يطلع علينا وزير ويشنف أسماعنا بأن التغيير قادم، لكن ، يذهب وزراء ويأتي آخرون ودار لقمان تبقى دائما على حالها. يقولون غيرنا المدرب وغيرنا اللاعبين، لنجرب هذه المرة تغيير الجامعة.. ربما "يتبدل النحس" الذي لازم كرتنا منذ سنوات.