ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر تتخبط وسط المتاهة
التدخلات الخارجية لخلق الدولة الفاشلة
نشر في العلم يوم 15 - 03 - 2013

تتعمق وتتشعب المتاهة التي تتخبط فيها مصر منذ أحداث 25 يناير 2011 وذلك نتيجة عجز القوى السياسية المتصارعة عن التوصل إلى تفاهم حول شكل التحول في تركيبة وتوجهات وخيارات النظام، وكذلك نتيجة تكثف التدخلات الخارجية.
تواجه مصر وضعا كارثيا على مستويات عديدة، سياسية وأمنية وإقتصادية، وإنسانية. هذه الظروف ولدت تحذيرات كثيرة من خطر إنهيار وتفكك الدولة.
لعل أخطر ما يهدد استقرار مصر في الفترة الراهنة التدخل الأجنبي الذي يحاول ومنذ أحداث 25 يناير 2011 ركوب حركة التطور الطبيعية لتحويلها إلى ما يسمى الفوضى الخلاقة وهو ما نجح في تحقيقه بدرجات متفاوتة حسب تقديرات المراقبين. التدخل الخارجي لا يمس الجانب السياسي وحده بل يمتد إلى الجوانب الإقتصادية والاجتماعية، وذلك تحت غطاء ما تسميه هذه الأطراف الاصلاح والتحديث.
بعد أحداث 25 يناير 2011 تم الكشف سواء نتيجة التحقيقات القضائية في مصر أو عن طريق تسريب وثائق سرية أمريكية وصحف غربية لمعطيات عن تدخل الأجهزة الأمريكية والإسرائيلية في تعميق الأزمة المصرية. محاكمات ومتابعات شرع بها وكان من شأنها الكشف عن المزيد من حجم المؤامرة، ولكن الضغوط والتهديدات الممارسة على القاهرة أقبرت القضية وتاهت الحقيقة وسط الأحداث المتتابعة وصراعات القوى المختلفة.
وعود
منذ تولي محمد مرسي الرئاسة في مصر ورغم وعوده بأن يكون رئيسا لكل المصريين، لم ينجح في إيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع المعارضة، ولا في تهدئة مخاوف الأقباط المصريين الذين يترواح عددهم بين 7 ملايين و9 ملايين بين سكان يقدر أنهم بلغوا 90 مليون نسمة سنة 2013 من فرض نظام دولة ديني. كما سجل الملاحظون الإضطراب المكثف في توجهات القيادة المصرية الجديدة، حيث أنه يتم إتخاذ قرارت وقبل أن تمر أيام أو ساعات يتم التراجع عنها.
حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين، حمل المعارضة مسؤولية فشل التوافق مع الرئاسة، بينما أكدت المعارضة التي لم تنجح في توحيد صفوفها، أن الرئيس مرسي وحزبه ومن ورائهم جماعة الأخوان يسعون لإقامة نظام استبدادي على أسس دينية يحتكرون فيه السلطة ويقومون بأخونة اجهزة الدولة لضمان استمرارهم في الحكم.
ما يعتبره بعض المصريين الأخطر وخاصة هؤلاء الذين يعانون من الفقر ومعهم الذين توقعوا تطور وضعهم المعاشي نحو الأفضل بعد تبدل نظام الحكم، هو أنه بدلا من أن تتحسن أوضاعهم بعد أحداث 25 يناير 2011، استفحلت الأزمة الاقتصادية والمعاشية والأمنية ووصلت الآلة الإقتصادية إلى ما يشبه الشلل التام وإنتشرت البطالة، ولم يعد النمو الإقتصادي الذي تراوح بين 6.8 و 4 في المئة في السنوات السابقة يكاد يعبر رقم 1 في المئة حسب أفضل الإحصائيات المتفائلة.
دعم السلع
قبل أحداث يناير 2011 بلغ احتياطي مصر من النقد الأجنبي 36 مليار دولار، ولم يكن دعم الدولة لأسعار المواد الأساسية يشكل عبئا لا يمكن تحمله على ميزانية الدولة، كما كان سعر العملة المصرية الجنيه مستقرا مقابل العملات الدولية الرئيسية، ورغم ذلك كان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يواصلان ضغوطهما على حكومة القاهرة لإزالة هذا الدعم بدعوى أنه يمنع البلاد من ولوج السوق الدولية بشكل أفضل ويحد من قدرة الاقتصاد على التنافسية ويحمل ميزانية الدولة أعباء كثيرة. المؤسستان الدوليتان كررتا مقولة بالية حسب العديد من المحللين بأن المستفيدين من الدعم هم الأغنياء وليس الفقراء، وأنه إذا كان من ضرورة لاستمرار الدعم فهناك وسائل أخرى.
هذه الأطروحات التي يدافع عنها البنك الدولي والصندوق تم تدميرها بالبرهان والتجربة خاصة في دول أمريكا اللاتينية التي استطاعت بعد أن تخلصت تدريجيا وعلى مراحل من الهيمنة الأمريكية، بناء إنظمة إقتصادية مزدهرة أنصفت الفقراء إلى حد كبير ولم تسمح بهيمنة الرأسمالية المتوحشة وفرضت على رأسمال مواصلة العمل والإستثمار في ظل نظام إقتصادي أكثر عدلا.
بعد أحداث يناير 2011 تراجعت احتياطيات النقد الاجنبي في مصر إلى 13.5 مليار دولار.
ثورة الجياع
من المفيد أنه عند العمل على تحليل أحداث معينة خاصة تلك التي لها أبعاد دولية متابعة التوجهات التي تدافع عنها أطراف لها بها صلة أو مصلحة، وبالتالي وضع صورة أكثر وضوحا.
جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز الدولية يوم 5 مارس 2013:
بعد عامين من انتفاضة أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، تواجه مصر خطر ثورة جياع اذ أن أسعار الغذاء والطاقة سترتفع سواء حصلت الحكومة على قرض من صندوق النقد الدولي أو لم تحصل عليه.
والفشل في الحصول على قرض بقيمة 4800 مليون دولار من الصندوق أو بعض التمويلات الاخرى ستكون له عواقب وخيمة. فاذا واصلت مصر استنفاد العملة الاجنبية بالوتيرة المستمرة منذ أحداث2011 فلن يبقى منها شيء بعد نحو عام من الان.
لكن النجاح في الحصول على القرض من شأنه أيضا أن يثير توترات اجتماعية وسياسية. ففي مقابل القرض سيطلب صندوق النقد ما يسميه اصلاحا لنظام الدعم بدعوى أن الدولة لم تعد قادرة على تحمله منذ فترة طويلة.
وإذا كان البعض يقول أن الاغنياء هم الاكثر استفادة من دعم الطاقة الذي يستنزف موارد الدولة لكن الفقراء سيكونون الاكثر تضررا اذا توقف هذا الدعم.
وقال صلاح جودة أستاذ الاقتصاد ان الوضع سيكون صعبا سواء حصلت مصر على قرض الصندوق أو لم تحصل عليه. وأضاف أنه اذا رفعت الحكومة الدعم فورا فمن المتوقع أن تحدث ثورة جياع.
وهوى الوضع الاقتصادي بالمصريين من قمة ما سمي في الغرب ب ثورة "الربيع العربي" الى حضيض الفقر.
وبسبب الصراع الدائم بين الاسلاميين الذين ينتمي اليهم الرئيس محمد مرسي والمعارضة على هوية مصر المستقبلية زادت التوترات وثارت الشكوك في امكانية التوصل إلى توافق سياسي بشأن "اصلاح" الاقتصاد.
وقال وليام جاكسون من كابيتال ايكونوميكس في لندن "احتياطيات مصر من النقد الاجنبي مازالت منخفضة للغاية ودون المستوى الذي وصفه البنك المركزي في السابق بأنه حرج". "لكن ما نخشاه أكثر من ذلك هو أن تتجدد الاضطرابات السياسية ويفقد المستثمرون والمصريون الثقة".
واذا نفدت الموارد المالية لمصر بالعملتين الاجنبية والمحلية فمن المرجح أن ينهار نظام الدعم وتشهد البلاد نقصا في السلع وارتفاعات في الاسعار وفوضوية السوق الحرة. وهذا السيناريو من الاضطراب في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان يدعم رأي من يقولون ان قرض صندوق النقد حيوي.
والثقة مفقودة بالفعل. وأنفق البنك المركزي المصري أكثر من 20 مليار دولار في محاولة لدعم الجنيه المصري لكن العملة فقدت بالرغم من ذلك 14 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ أحداث 25 يناير 2011، ووقع نصف هذا الانخفاض منذ نهاية عام 2012.
وزاد هذا التراجع من العبء الثقيل الذي تتحمله الميزانية بسبب نظام الدعم الذي يرجع تاريخه الى الرئيس جمال عبد الناصر في خمسينات القرن الماضي.
وتزايدت تكلفة الدعم على مدى سنوات مع تزايد عدد السكان الذين يعيش غالبيتهم على خمسة بالمئة فقط من مساحة البلاد.
وتضطر الحكومة الآن لشراء معظم النفط وجزء كبير من القمح الذي تحتاجه لنظام الدعم من الاسواق العالمية بعملة محلية آخذة في التراجع. ويلتهم دعم الخبز الذي يتجه الى الفقراء، لأن الميسورين لا يأكلون كميات كبيرة منه أو يفضلون الخبز الأعلى جودة وبالتالي الخارج عن نظام الدعم نحو خمسة بالمئة من ميزانية الدولة.
والمشكلة الأكبر من ذلك بكثير هي دعم الطاقة الذي يلتهم نحو 20 بالمئة من الميزانية. وتوقع وزير البترول أسامة كمال شهر فبراير2013 أن تبلغ فاتورة دعم الطاقة 1.8 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي بنهاية يونيو 2013.
ولا تستطيع مصر توفير هذه الاموال. وفي خطة اقتصادية أعدت شهر فبراير 2013 من أجل صندوق النقد توقعت الحكومة أن يبلغ عجز الميزانية 189.7 مليار جنيه في السنة المالية الحالية بافتراض المضي في الاصلاحات. وهذا يعادل 10.9 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.
وبدون الاصلاحات من المتوقع أن يبلغ العجز 12.3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. وبالمقارنة مع ذلك اضطرت البرتغال حيث مستوى المعيشة يعادل على الاقل ثلاثة أضعاف مثيله في مصر لطلب مساعدة مالية من صندوق النقد والاتحاد الاوروبي عام 2011 بالرغم من أن أعلى مستوى لعجز ميزانيتها لم يتجاوز عشرة بالمئة.
وسيستهدف صندوق النقد مسألة الدعم في مفاوضات القرض التي لم تستأنف حتى الان.
وكانت مصر قد توصلت الى اتفاق مبدئي مع الصندوق في نوفمبر 2012 ثم أرجئت المفاوضات بطلب من الحكومة المصرية في ديسمبر بسبب اضطرابات في البلاد.
ويدعي مسعود أحمد الذي يرأس ادارة الشرق الاوسط واسيا الوسطى في صندوق النقد ان نظام الدعم الشامل يفتقر للكفاءة في حماية الفئات الاكثر ضعفا في المجتمع.
وقال في مقال يتحدث عن البلدان العربية بوجه عام ان نحو 20 بالمئة الى 35 بالمئة فقط من الانفاق على الدعم يصل الى الاربعين بالمئة الاكثر فقرا بين السكان.
وكتب مسعود أحمد في عدد مارس 2013 من مجلة التمويل والتنمية التي يصدرها صندوق النقد على الانترنت "الضغوط على الميزانية الان تجعل اصلاح الدعم الشامل أكثر الحاحا .. وأصبح توفير شبكات أمان أفضل وأكثر قوة للمحتاجين على نفس الدرجة من الاهمية".
ويعيش 40 بالمئة من المصريين على أقل من دولارين يوميا وبالرغم من أن الفقراء لا يمتلكون سيارات الا أن ارتفاعا شديدا في تكاليف الوقود بسبب تخفيضات الدعم من شأنه أولا أن يفقر جزء كبير ممن يصنفون ضم الطبقة الوسطى وأن يدفع تكاليف النقل للارتفاع وهو ما سيرفع كل الأسعار وخاصة أسعار الغذاء الذي يشتريه الجميع.
وتوقع جودة أستاذ الاقتصاد في جامعة بني سويف اندلاع احتجاجات في الشوارع حين ترتفع الأسعار لأن "لا أحد يستطيع تحمل ارتفاع تكاليف المعيشة. وستكون معاناة الفقراء هي الأشد".
ويدعم بحث للبنك الافريقي للتنمية هذا الرأي ولكن بحياء ربما حتى لا يغضب المتحكمين في خيوط توجيه الاقتصاد الدولي. وكتب فنسنت كاستل وهو منسق برنامج في البنك في مقال عن مصر "غالبا يكون المقصود بدعم الطاقة مساعدة الفقراء لكنه عمليا يفيد الاغنياء". وتابع "بالرغم من أن الخسارة في الفوائد الاجتماعية ستشمل كل السكان الا ان الفقراء ومن يدانيهم هم الأكثر عرضة لذلك لأن نفقات الطاقة تلتهم جزءا أكبر من دخولهم".
وقالت سلوى العنتري المديرة السابقة لقطاع البحوث في البنك الاهلي المصري والتي ترأس حاليا اللجنة الاقتصادية في الحزب الاشتراكي المصري انها تتوقع اندلاع احتجاجات شعبية عارمة اذا نفذت اجراءات التقشف. وأضافت أن المصريين سيشعرون بضغوط شديدة بسبب ارتفاع الاسعار بعد أن كانوا يأملون في تحسن الوضع.
ووعد وزير البترول بأن يظل دعم الوقود متاحا لبعض المصريين بموجب نظام للحصص، ولكن لا أحد يصدق ذلك ويعتبر الكثيرون أن المنافذ التي تتحدث عنها الحكومة للتسوية مناورات فارغة المعني وقد ثبت فشلها في دول مختلفة وفي أوقات متباعدة. ومن المنتظر أن يبدأ هذا النظام في يوليو لكن الحكومة لم تعلن تفاصيل كثيرة بشأنه.
وسترتفع التكاليف بشدة خارج هذا النظام. ووفقا لتقديرات تم اعدادها لصندوق النقد من المتوقع أن يرتفع سعر لتر البنزين من 0.25 دولار "درهمان" إلى 0.85 دولار "ستة دراهم" وأن يتضاعف سعر الديزل حوالي 3 مرات ونصف.
ومن المرجح أن تحدث هذه الزيادات تدريجيا لكن هذا قد يطيل أمد أي ردود فعل غاضبة.
ويدافع صندوق النقد عن النظرية القائلة انه لا ينبغي التضحية بالاصلاح من أجل حماية الاستقرار في البلدان العربية. وقال مسعود أحمد الذي التقى بالرئيس محمد مرسي في يناير 2013 "من المهم كما هو الحال الآن التركيز على حفظ الاستقرار الإقتصادي .. من المهم ألا نحول أنظارنا عن التحديات الاساسية متوسطة الاجل المتمثلة في تحديث إقتصادات المنطقة وتنويعها وتوفير مزيد من الوظائف واتاحة فرص عادلة ومتكافئة للجميع".
غير أن الاصلاح لا يزال فن الممكن. وكتب مسعود أحمد يقول "في عالم الحلول الادنى درجة قد يكون من الضروري المضي قدما بالاصلاحات التي تحظى بتأييد كاف وتأجيل اصلاحات أخرى .. بعض التقدم أفضل من عدمه".
وذكر ان السياسيين يتحملون مسؤولية شرح ضرورة هذه الاجراءات وامكانية توجيه الاموال المتوفرة من ترشيد الانفاق الى مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وكتب "ينبغي أن يشرح صانعو السياسة التكلفة الباهظة لنظام الدعم الحالي وضعف كفاءته والتكاليف المترتبة عليه في أجزاء أخرى من الميزانية".
وأضاف "في أي اصلاح يتعلق بزيادة الايرادات أو تخفيض النفقات من المهم توضيح أن الحصيلة ستستخدم لتحقيق اثار طيبة".
وخلال زيارته للقاهرة شدد وزير الخارجية الأمريكية كير على أهمية أن يدعم السياسيون المصريون من شتى التيارات عملية الاصلاح.
ويقول الأمريكيون أنه من المنتظر أن يمهد قرض صندوق النقد الطريق لمساعدات من جهات أخرى مثل البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية ودول الخليج العربية والاتحاد الاوروبي. غير أن كثيرا من المصريين يشكون في أن القرض سيؤدي الى تدفق استثمارات حيوية من القطاع الخاص. وقال جودة "قرض صندوق النقد لن يحل أي شيء ... لا يوجد أمن في البلاد ولن يرغب أحد في الاستثمار في مصر في ظل الاضطرابات السياسية". وأضاف أنه اذا حصلت مصر على القرض فستظل بحاجة لاستجداء المال.
ضغوط أمريكية
يوم الأحد 3 مارس 2013 وفي القاهرة اجرى الرئيس المصري محمد مرسي محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لدى قيامه بأول زيارة الى المنطقة منذ توليه منصبه.
جاءت هذه المحادثات بعد يوم من اعلان كيري أن حاجة مصر إلى عودة اقتصادها للوقوف على قدميه أمر بالغ الأهمية وملح وأنه يتعين على الحكومة التوصل لاتفاق بشأن قرض مع صندوق النقد الدولي، مضيفا وأننا يجب أن نمنح السوق الثقة. وأشار إلى أنه من الضروري أن تتوصل الأحزاب السياسية المنقسمة في البلاد إلى اتفاق بشان الاصلاحات الاقتصادية المؤلمة لضمان قرض صندوق النقد الدولي.
وذكر كيري أنه بحث مع مرسي ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لمصر من بينها مساعدة الاقتصاد المصري ودعم الشركات الخاصة وزيادة الصادرات المصرية للولايات المتحدة. لكنه أضاف أن واشنطن تريد معرفة ما اذا كانت "مصر ستتخذ القرارات الاقتصادية الاساسية الصائبة فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي".
وذكر وزير الخارجية الأمريكي في بيان "في ضوء الحاجات الملحة لمصر وتأكيد الرئيس مرسي بأنه ينوي استكمال العملية القائمة مع صندوق النقد فقد أخطرته بأن الولايات المتحدة ستقدم الشريحة الاولى البالغة 190 مليون دولار من أموال دعم الميزانية التي تعهدنا بتقديمها والبالغة 450 مليون دولار". ووصف كيري الاموال بأنها "بادرة حسن نية لتشجيع الاصلاح ومساعدة الشعب المصري في هذه الفترة العصيبة".
يذكر أن الرئيس الامريكي باراك أوباما كان قد تعهد بتقديم مليار دولار الى مصر.
كيري قال أنه لم يأت الى مصر لدعم أي حزب سياسي أو أي شخص بعينه وانما جاء لاظهار التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية وحقوق الانسان. وأضاف "نرى أنه من المهم للغاية أن يتوحد الشعب المصري حول تلك القيم وأن يتوحد أيضا لمواجهة التحدي الاقتصادي في هذه اللحظة المحددة.
كيري ذكر ان واشنطن تريد دعم العملية الديمقراطية. وتابع "لسنا هنا كي نتدخل وانما لنستمع... لسنا هنا كي نطلب من أحد أن يقدم على هذا التحرك أو ذاك مع أن لدينا وجهة نظر وبالتأكيد سأعلنها. لكن ما ندعمه هو الديمقراطية والشعب والامة المصرية".
مصادر رصد أوروبية فندت ما صرح به كيري حول عدم تدخله في الوضع الداخلي المصري، وأكدت أنه حذر الجيش المصري عبر وزير دفاعه من التدخل في الأزمة السياسية، كاشفا عن بعض العقوبات الممكنة. وفي نفس الوقت قال للمعارضة المصرية بمختلف أطيافها والتي رفض غالبية قادتها اللقاء به أنهم يضرون أنفسهم بمقاطعة الانتخابات البرلمانية.
المليشيات
بعيدا عن المعضلة الاقتصادية تواجه مصر خطرا أمنيا متناميا يحذر العديد من الملاحظين أنه من الممكن أن يقود إلى حرب أهلية مدمرة، خاصة منذ أن شرعت جماعات سياسية في تكوين مليشيات خاصة بها تحت غطاء توفير الأمن المفقود.
يرى الكاتب المصري عاصم الدسوقي أن العنف السياسي يرتبط بالاحباط العام ويأس القوى السياسية من تحقيق أهدافها بطرق قانونية ودستورية.
وفي دراسة عنوانها "العنف السياسي في مصر" يستعرض العنف في مواجهة الاحتلال الاجنبي للبلاد وفي الصراع بين القوى السياسية في النصف الاول من القرن الماضي وعودته في الاونة الاخيرة بسبب قيام كل طرف باضفاء المشروعية على سلكوكه.
ويقول الدسوقي وهو مؤرخ بارز متخصص في التاريخ المعاصر الاقتصادي والاجتماعي ان العنف السياسى الحالي تمارسه "مجموعات تدافع عن الثورة التي لم تتحقق أهدافها وترفع شعار الثورة مستمرة.. وأخرى تدافع عن السلطة التي اعتلت الحكم باسم الثورة وترفع شعار حماية الشرعية". ويشير الدسوقي ان مصر شهدت في مايو 1883 بعد ثمانية أشهر من الاحتلال البريطاني تكوين "جمعية الانتقام" وكانت تهدف لاجبار المحتل على مغادرة البلاد وأصدرت منشورات وأرسلت خطابات للمسؤولين تحذرهم من التعاون مع الاحتلال وكان بعضهم يقوم "بقتل أي عسكري انجليزي يتصادف مروره بأي شارع" واكتشف أمرهم في الشهر التالي وقدموا للمحاكمة في قضية قيدت بعنوان "المؤامرة الوطنية المصرية".
ولكن العنف السياسي الذي يستهدف في ظاهره أجانب يمثلون الاحتلال ربما يكون نوعا من تصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين.
فيقول الكاتب ان دستور عام 1923 لم ينص على حق العمال في تكوين النقابات وكان الاغنياء يتحصنون في جمعيات لحماية مصالحهم منها "النقابة الزراعية المصرية العامة" و"اتحاد الصناعات" و"الغرفة التجارية" وفي هذا المناخ ظهرت قوى جديدة تعتنق مبادئ سياسية مغايرة للمبادئ السائدة وكونت ميليشيات من الشباب للدفاع عن مبادئها واشاعتها بين الناس فاصطنعت "القوة الحاكمة" مجموعة لمواجهة خصومها بالاسلوب نفسه.
ويستشهد على ذلك بمجموعة "اليد السوداء" التي اغتالت عام 1924 السير لي ستاك حاكم عام السودان وسردار الجيش المصري حيث سجلت بعض المصادر أن هذه المجموعة "تم احتضانها بمعرفة المخابرات البريطانية ونشأت بمعرفة رئيس الديوان الملكي الذي حرضهم على الاغتيال لاحراج سعد زغلول، أول رئيس حكومة تشكلت بناء على الدستور الذي كان يصارع الملك فؤاد بشأن الحقوق الدستورية، ونجحت العملية في اجبار زغلول على الاستقالة.
ويعلق قائلا ان المجموعة التي نفذت الاغتيال "لم تكن تعرف حقيقة الهدف" وأقدمت على ذلك بدافع وطني لارغام البريطانيين على مغادرة البلاد.
ويسجل الدسوقي أن الثلاثينيات من القرن الماضي شهدت تأسيس فرق ارتدى أعضاؤها قمصانا مميزة.. فأحمد حسين كون جمعية "مصر الفتاة" عام 1933 وفي العام التالي ارتدى أنصاره القمصان الخضر وكان متأثرا بالزعيم الالماني أدولف هتلر "حيث نراه يؤلف كتابه "ايماني" على شاكلة كتاب هتلر "كفاحي" وصك شعار مصر فوق الجميع مثل شعار هتلر "ألمانيا فوق الجميع".
ويضيف أن مهمة أصحاب القمصان الخضر كانت فض اجتماعات القوى الاخرى وأنه بعد صدور مرسوم ملكي عام 1938 يحظر أي جمعية لها تشكيل عسكري أسس حسين "الحزب الوطني الاسلامي" فخرج منه المسيحيون "بطبيعة الحال" وبعد اعتقال الشيوعيين المصريين ومحاكمتهم عام 1946 غير اسم الحزب عام 1947 فأصبح "الحزب الاشتراكي" وأنه بتلك التحولات كان "يخدم القصر الملكي ويحقق توازنات" بين جماعة الاخوان المسلمين والجماعات الشيوعية.
ويقول الكاتب ان حسن البنا الذي أسس عام 1928 جماعة الاخوان المسلمين في مدينة الاسماعيلية ثم انتقل بها للقاهرة في نهاية 1932، أسس في بدايات عام 1933 فريق الجوالة واختار لهم ارتداء قميص لونه "كاكي".. وتم تدريبهم على استخدام السلاح وفض الاجتماعات المعادية" وبعد المرسوم الملكي عام 1938 الذي حظر الجمعيات التي لها تشكيلات عسكرية سارع البنا الى ضم الجوالة الى "جمعية الكشافة الاهلية" فلم يطبق عليها مرسوم الحظر. ويضيف أنه من هذه الجمعية تشكل عام 1942 "النظام الخاص" الذي تولى محاربة "المنكر" وتصفية المناوئين لافكار الجماعة ومن أبرز عملياته "اغتيال القاضي أحمد الخازندار 22 مارس 1948 لانه أصدر حكما بالسجن على الاخوان الذين هاجموا الجنود الانجليز في ملاهي الاسكندرية والذين ألقوا قنابل على محلات اليهود... واغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة 28 ديسمبر 1948" بعد 20 يوما من قراره اغلاق المقر العام للجماعة في القاهرة.
ويقول ان النقراشي قرر اغلاق مقر الاخوان ردا على "تورط الجماعة في العمل السياسي المباشر لتحقيق مجتمع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن تجاوزت مرحلة الدعوة الى التحرك من أجل اقامة الحكومة الاسلامية".
ويضيف أنه في مواجهة نشاط جوالة الاخوان وقمصان مصر الفتاة الخضر شكل حزب الوفد فرقة من الشباب يرتدون القمصان الزرق عام 1934 "وتولى هؤلاء افساد اجتماعات خصوم الوفد وحماية اجتماعات الوفد من أية اعتداءات بنفس الوسائل التي كان أصحاب القمصان الاخرى يستخدمونها".
ويقول انه في ظل تشكيلات العنف تأسس الحرس الحديدي بهدف حماية الملك فاروق وتصفية أعدائه. والحرس الذي لم يكن له زي مميز ضم عسكريين ومدنيين منهم حسن التهامي وأنور السادات الذي صار رئيسا للبلاد عام 1970.
ويضيف أن الحرس الحديدي الذي اغتال عددا من الشخصيات حاول اغتيال زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس "أكثر من مرة. ومن عمليات هذا الحرس الاخيرة التفكير في اغتيال اللواء محمد نجيب بعد فوزه برئاسة نادي الضباط ضد مرشح القصر حسين سري عامر" لولا نصيحة أحد ضباط الحرس لنجيب أن يذهب لتجديد الولاء للملك.
ويسجل أن رجال الحرس الحديدي كانوا حين يتلقون أمرا بتصفية أحد ينطلقون في سيارة جيب سوداء لا يخترقها الرصاص ثم يعودون بسرعة "في حماية القانون اذ كانت التعليمات صريحة بعدم تعرض رجال الأمن والمرور في الشوارع للعربة" التي كان ظهورها يعني تنفيذ عملية اغتيال.
ويقول الدسوقي أن الميليشيات باستثناء "الحرس الحديدي" تكونت من طلبة وعمال حرفيين وعاطلين وانها ظلت تختفي ثم تظهر إلى أن عادت "مع أحداث يناير 2011 لتصطدم مع كافة القوى الاجتماعية تحت راية الشرع والشريعة والشرعية فانطبق عليهم قول ابن سينا قبل قرون "بلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.