مصر إلى أين ؟. سؤال عاد الكثيرون يطرحونه مع بداية سنة 2013 بعد تجدد المظاهرات الشعبية والمواجهات مع قوات الأمن والدعوات إلى إسقاط النظام ورحيل الرئيس مرسي. المحللون يختلفون في الإجابة، فهناك من يقدر أن البلاد في طريقها إلى حرب أهلية مع تفكك الدولة، وهناك من يعتبر الأزمة الحالية عابرة وأن النظام قادر على الصمود لأن قوى المعارضة مشتتة ومتخلفة في القدرة على توجيه الجماهير في حين أن حركة الاخوان الحاكمة قوية ومنظمة وتتمتع بمساندة أنصار محليين ودوليين أقوياء. آخرون يتوقعون أن يتدخل الجيش في نهاية المطاف عندما تفشل كل القوى السياسية العاملة على الساحة في الوصول إلى توافق مما يعرض مصر لأخطار كثيرة، وأنه في هذه الحالة سيجد الجيش سندا واسعا من طرف غالبية الشعب ولن يكون عليه سوى مواجهة حركة الأخوان ليعيدها مرة أخرى إلى الظل وذلك دون تكلفة بشرية ومادية ثقيلة. الجيش يحذر يوم الثلاثاء 29 يناير 2013 دعا وزير الدفاع المصري اللواء عبد الفتاح السيسي "كافة الاطراف" الى معالجة الازمة السياسية في البلاد تجنبا ل"عواقب وخيمة تؤثر على استقرار الوطن" و قد تودي الى "انهيار الدولة". وفي اول تصريحات يدلي بها منذ اندلاع الازمة السياسية الجديدة واعمال العنف في البلاد يوم الجمعة 25 يناير، حذر السيسي من ان "استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول ادارة شؤون البلاد قد يؤدى الى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة". واضاف السيسي في تصريحات خلال لقاء مع طلبة الكلية الحربية نقلها الموقع الرسمي للمتحدث العسكري على شبكة فيسبوك، ان "التحديات والاشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التى تواجه مصر حاليا تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدى إلى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات واستقرار الوطن". وتابع ان "محاولة التأثير على استقرار مؤسسات الدولة هو أمر خطير يضر بالأمن القومى المصري ومستقبل الدولة إلا أن الجيش المصرى سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوى الذى ترتكز عليه أركان الدولة المصرية، وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم". وأكد ان "نزول الجيش فى محافظتي بورسعيد والسويس يهدف الى حماية الأهداف الحيوية والاستراتيجية بالدولة وعلى رأسها مرفق قناة السويس الحيوي والذى لن نسمح بالمساس به ولمعاونة وزارة الداخلية التى تؤدى دورها بكل شجاعة وشرف". وشدد على ان "القوات المسلحة تواجه اشكالية خطيرة تتمثل فى كيفية المزج بين عدم مواجهة المواطنين المصريين وحقهم فى التظاهر وبين حماية وتأمين الأهداف والمنشآت الحيوية والتى تؤثر على الأمن القومي المصري وهذا ما يتطلب الحفاظ على سلمية التظاهرات ودرء المخاطر الناجمة عن العنف أثناءها". هذا التحذير لم يكن الأول منذ التحولات التي تعرضت لها مصر منذ أحداث 25 يناير 2011 وقد استعجل البعض خاصة في الغرب في التقدير أن هناك إنقلابا عسكريا قيد الإعداد، كما عادت مراكز توجيه معروفة بتبعيتها لسياسة البيت الأبيض إلى الضرب على وتر التخويف من المؤسسة العسكرية في مصر. في مصر وربما منذ مئات السنين اعتبر الجهاز العسكري نظرا لتكوينه من عامة الشعب وعدم خضوعه لجماعات ضغط سواء كانت سياسية أو إقتصادية محددة رمزا لوحدة الأمة، تماما كما هو الحال بالنسبة لجيوش عدد من الدول خاصة تلك التي خاضت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين حروبا للتحرر من القوى الاستعمارية، الصين والفيتنام مثالا، ولهذا فإن المقولة الغربية عن خطر دور الجيش السياسي على الديمقراطية في مصر غير صحيحة وهي محاولة لإستيراد مفاهيم أجنبية. مسؤولية الأزمة يرى عدد من المحللين أن ما تتعرض له مصر من أزمات متتابعة منذ بداية سنة 2011 وما ولدته من شلل إقتصادي شبه تام وتزايد معدلات البطالة والأرتفاع المهول في الأسعار وتدني سعر العملة المصرية وإنهيار السياحة إلى غير ذلك من المشاكل، نتج أساسا عن محاولة أطراف أجنبية ركوب حركة التطور الطبيعية لتحقيق أهداف معينة ومنها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد في الولاياتالمتحدة والذي تم تبنى إستراتيجية الفوضى الخلاقة لإنجازه. اشتهر ميكافيللي المتوفى عام 1527م بأنه واضع مبادئ الفوضى الخلاقة وعميد السلك النفعي في السياسة. وهو يقول أن السلم ينتج الراحة والراحة تتبعها فوضى والفوضى تؤدي إلى الخراب ومن الفوضى ينشأ النظام. وزيرة خارجية الولاياتالمتحدة السابقة كوندوليزا رايس ومعها عدد كبير من الساسة الأمريكيين تبنوا النظرية، وأصبحت الفوضى الخلاقة بذلك نظرية أمريكية تلائم الألفية الثالثة. كتب الدكتور سمير العيطة رئيس تحرير صحيفة "لوموند دبلوماتيك" الفرنسية يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011: "إن للأمريكيين علاقات متميزة مع الإخوان المسلمين بمصر. وقبل خمس سنوات قالت لي إحدى المسؤلات في الخارجية الأمريكية بان لبلادها علاقات منتظمة مع الإخوان المسلمين. لهذا فإن تحرك الإخوان المسلمين مؤخرا للحاق بما يحدث في الشارع المصري هو أمر، كما أظن، للأمريكيين شيء فيه. ولذا فان لديهم خيوطا يمكن أن يلعبوا من خلالها دوراً محوريا في صيرورة الأحداث الجارية في مصر". الحتمية التاريخية على مدى التاريخ كانت الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل الدول والمجتمعات محكومة بحتمية الانتقال من مرحلة إلى أخرى وذلك طبقا لنظريات التطور والتحول التي تحكم الجنس البشري. كتاب التاريخ كانوا في أغلب الأحيان هم من يحكمون على نجاعة أو فشل هذه التحولات في تحقيق أهداف الذين يقودون عملية التطور والانتقال والتغيير، أو من حيث تمكنها من خلق مجتمعات أفضل أولا بالنسبة لمواطنيها ثم بعد ذلك لجوارها الإقليمي. كذلك على مدى التاريخ وخاصة منذ أن تشعبت وتعقدت تركيبات المجتمعات والدول وقامت الإمبراطوريات وتفاقمت الصراعات بينها، تولدت عملية تداخل التأثير على حركة التطور من خارج محيطها. هذا التدخل الخارجي كانت له جوانبه السلبية أحيانا والإيجابية أحيانا أخرى. التأثير السلبي حسب حكم التاريخ كان أخطر خاصة عندما تعلق الأمر بتدخل القوى الأجنبية ذات الأطماع الاستعمارية والتوسعية لتوجيه عملية التطور الطبيعية في مجتمع ما أو دولة في الاتجاه الذي يخدم هذه القوى الطامعة. لعل من أبرز الأمثلة على ذلك أنه خلال الحرب العالمية الأولى من 1914 إلى 1919، تدخلت القوى الاستعمارية الرئيسية في تلك الحقبة وهي بريطانيا وفرنساوالولاياتالمتحدة وروسيا، لاستغلال تطلعات العرب في كل منطقة الشرق الأوسط والجزء الأكبر من شمال أفريقيا للاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، لتأليبهم على نظام القسطنطينية الذي حكمهم زهاء ستة قرون، وهكذا ثاروا وانتفضوا للتحرر وبناء مجتمع ونظام جديد وحاربوا ضد جيوش القسطنطينية، ولكن ما أن هزمت هذه الأخيرة حتى تنكر لهم الحلفاء وقسموهم إلى دول صغيرة وزعوها بينهم كمستعمرات ومحميات. من هذه البداية دخل العرب القرن العشرين، وجاءت حروب وثورات ليتم التخلص من الاستعمار القديم بشكل تدريجي ومعه تم تبديل جزء من التراكيب السياسية الموجودة. غير أنه وسط مسار هذه التطورات أخمدت ثورة 1919 في مصر التي كان يقودها سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية، وهزمت فرنسا ثورة 1925 السورية الكبرى التي كان يقودها سلطان باشا الأطرش. وإزيلت تحت غطاء ذرائع مختلفة وبأساليب خبيثة العديد من الحكومات ذات التوجه الوطني والتي كانت تتلمس طريقها في عالم متغير. هكذا محت بريطانيا وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا بالعراق عام 1941 لمناهضتها الحكم البريطاني، وسقطت فلسطين، واجهضت محاولات توحيد هذه المنطقة كما كانت تأمل شعوبها، ووقعت حروب 1956 و1967 و1973 وغيرها والقائمة لا تنتهي. في ظل عالم ثنائي القطبية أو فترة الحرب الباردة استطاعت المنطقة العربية الممتدة من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي أن تستفيد من الصراع السوفيتي الأمريكي لإتباع سياسة مستقلة إلى حد كبير. ولكن بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي عادت قوى الاستعمار إلى ممارسات الماضي تحت غطاء شعارات جديدة قديمة، ووسعت هيمنتها الاقتصادية عبر الشركات متعددة الجنسية والمؤسسات المالية الدولية التي فرضت شروطها، وهو ما أزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم الموصوف بالثالث. كان من الصعب على دول العالم النامية إن لم يكن من المستحيل في بعض الأحيان التحرر من القيود التي فرضتها تلك القوى. هكذا تراكمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها البطالة لأن البنك الدولي ورفيق دربه صندوق النقد الدولي حاربا جهود الحكومات لإقامة المشاريع الصناعية الواعدة أو لاستخدام القطاع العام كأداة لتقوية سوق الشغل، وهكذا تم زرع الغام موقوتة يمكن استغلالها لاحقا خاصة من طرف هؤلاء الذين ساهموا في صنعها. التدخل خلال عقد التسعينات وفي مخاض نهاية الحقبة السوفيتية، تدخلت الولاياتالمتحدة والعديد من حلفائها في عملية التطور والتحول السياسي والاجتماعي في دول أوروبا الشرقية لتوجيه عمليات التصحيح في اتجاه يخدم مصالحها ويمكنها من تحويل هذه الدول إلى توابع وذلك تحت غطاء شعارات مغلوطة مثل الديمقراطية وحقوق الاقليات. نجحت واشنطن أحيانا وفشلت في أحيان أخرى ولا تزال عدة دول في شرق أوروبا تخوض صراعات من أجل إعادة صياغة ثوراتها وتحولاتها لإعادتها إلى المسار المستهدف منذ البداية. غالبية دول جنوب آسيا وخاصة بعد الهزيمة الأمريكية في الفيتنام سنة 1975 تمكنت من كسر الطوق الذي فرضته القوى الاستعمارية، وأقامت نظما سياسية متوازنة ومتفاهمة مع شعوبها وبالتالي تمكنت من تحقيق ما سمي بالمعجزة الآسيوية. دول أمريكا اللاتينية وبعض صراع طويل خاصة مع جارتها الشمالية القوية الولاياتالمتحدة تمكنت أخيرا وفي نطاق تطور طبيعي من إقامة نظم سياسية شعبية قادرة على السير بدولها نحو مستقبل أفضل. المنطقة العربية وبحكم موقعها الاستراتيجيي الذي لا يختلف الكثيرون في إعتباره الأهم عالميا، وجدت صعوبات بالغة في كسر طوق الاستعمار التقليدي الغربي، هذا الوضع فاقمه وجود قوى إقليمية طامعة مجاورة للمنطقة العربية أو مزروعة في قلبه كإسرائيل إلى جانب إيران في الشرق وتركيا في الشمال وإسبانيا في الغرب، حيث تلاقت أو تنافست مصالح تلك الأطراف ولكن على حساب المنطقة العربية. وهكذا وخلال عقود واجهت كل حركة تحول وتطور واعدة في أحد الأقطار العربية هجمات شرسة أدت في الكثير من المراحل إلى تعثرها أو حتى إنكسارها. الطابور الخامس المسلح مع بداية سنة 2013 وصلت الحالة في مصر حسب غالبية الملاحظين إلى الباب المسدود، حيث فشلت كل جهود إحياء الحوار بين السلطة ومعارضيها مما كثف المخاوف من حدوث الأسوأ. هذه الوضعية زادت من خطورتها ما كانت تسجله منذ أشهر عديدة مصادر الرصد المصرية وغيرها من عمليات تهريب سلاح بشكل مكثف نحو الأراضي المصرية. السلاح وصل إلى يد جماعات وعصابات إجرامية ولكن أساسا إلى تنظيمات شبه عسكرية معينة أو مليشيات متطرفة يجري تطويرها وتدريبها وتأطيرها بشكل ينذر بتكرار ما حدث ويحدث من حروب وإضطرابات داخلية في عدد من دول الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان شرقا حتى سواحل أفريقيا الشمالية على المحيط الأطلسي غربا. في نطاق نظرية المؤامرة التي يحاول البعض إنكارها، نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية يوم الاثنين 28 يناير 2013 مقالاً بقلم محلل شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا روبرت فيسك يتناول فيه عدة قضايا تهم المنطقة العربية كشف فيه جزء من الأساليب الأمريكية لإستغلال قوى معينة لزرع الفوضى في المنطقة للوصول إلى أهداف محددة دون الحاجة إلى تدخل مباشر ومكلف كما جربت واشنطن في العراق يقول فيسك: "قبل سنة فقط انتج البنتاغون أي وزارة الدفاع الامريكية ملفاً عن "حرب القوات الخاصة غير التقليدية" "مهمات للاطاحة بحكومات "في غياب اعمال قتالية مكشوفة او لاحقة من جانب الجهات الراعية". ومن بين التكتيكات ان "تنسق الوكالات الحكومية الامريكية مع الأطراف الحليفة في الداخل أو في المنفى او قيادة المقاومة بشأن الدعم الامريكي المرغوب"، و"يقوم فريق القوات الخاصة بتنظيم، وتدريب وتجهيز أطر المقاومة. ويكون التشديد على ضرب البنية التحتية". اما بخصوص السكان المحليين فإن "من الامور الاساسية للانتقال من السخط المتنامي الى التمرد ان يتصور جزء كبير من السكان ان ليس لديهم اي شيء يمكن ان يخسروه إن ثاروا وان يعتقدوا بانهم يمكن ان ينجحوا. وبالاضافة الى ذلك، يجب ان تكون هناك شرارة تشعل التمرد، مثل حدث محفز يشجع التأييد الشعبي ضد سلطة الحكومة...". حركات المقاومة يجب ان تعمل ضمن "معازل عرقية...ضمن مناطق حضرية متعاطفة مأهولة بكثافة. وهذه المناطق تخلق في كثير من الاحيان ملاجىء آمنة لا ترغب قوات الدولة المضيفة، او لا تستطيع، الدخول فيها". والمقاومة ستحتاج "الى تأييد معنوي او سياسي في المحفل الدولي...وموارد، كالمال، والاسلحة، والطعام، والمستشارين، والتدريب، والى ملجأ، مثل مواقع تدريب آمنة، وقواعد عملانية عبر الحدود، او حماية من التسليم. اما "الدعم المعنوي والسياسي" الدولي فيأتي من اوباما وكاميرون واخرين، فيما تصل الأموال والأسلحة من مصادر خارجية. الباب المسدود باب الحوار سد في مصر بعد تكرر نكسات جهود سابقة بين النظام والمعارضة، وقد اعتبر سياسيون مصريون دعوة الرئيس محمد مرسي لقوى المعارضة للحوار في شهر يناير 2013، لاسيما قيادات الإنقاذ الوطني مجرد مضيعة للوقت ورسالة دعائية لا أكثر للعالم، مفادها أن الرئيس يدعو معارضيه للحوار بشأن الأزمة المحتدمة. وذكروا "إن فقدان الثقة بين الرئيس والمعارضة كان دافعا لرفض مثل تلك الدعوات، مشددين على ضرورة أن يبادر الرئيس بتلبية الاستحقاقات السياسية التي قطعها الرئيس من قبل بشأن تشكيل حكومة إنقاذ. وصرح البرلماني السابق أبو العز الحريري، إن الحوار ليس مرفوضا للخروج من الأزمة الخانقة الدائرة، لكنه يتطلب شروطاً أساسية أبرزها ألا تكون هناك أوزان سياسية مختلة حتى لا تنحرف الأسس المرجوة من الحوار إلى غير مصلحة الوطن، لاسيما أن الواقع السياسي يشير إلى أنه لا أغلبية تحكم مصر الآن، خاصة بعد حل البرلمان والشكوك في صحة تشكيل مجلس الشورى، وكذلك الشكوك حول صحة نتائج انتخابات الرئاسة. وأوضح أن سلطة الحكم لا ترغب في جدية الحوار، مشيرا إلى أن سلطة الحكم تسعى إلى استدراج قوى المعارضة كلما تأزمت الأمور أمامها بعد فشلها في إدارة البلاد إلى حوار غير مجد وغير محدد الأجندة، ولم تكن له ضمانات للالتزام بنتائجه، لاسيما أن قوى المعارضة "الحية" المتمثلة في جبهة الإنقاذ الوطني لديها عدد من المطالب مازالت متمسكة بها وتفرضها عليها تداعيات المرحلة الراهنة قد تصل إلى حد المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وهو مطلب ديمقراطي ودستوري كونه يتم الاحتكام فيه إلى صندوق الانتخابات التي تتذرع جماعة الإخوان المسلمين بأن ذلك الصندوق هو الفيصل بشأن من يحصل على الإرادة الشعبية. وأشار الحريري إلى أن هناك نوايا لدى مؤسسة الرئاسة، على إجبار المعارضة على المثول للحوار، وهو ما ظهر جليا فيما طرحه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح من مبادرة تفيد إلى حوار يدعو إليه الرئيس مع الرباعي، محمد البرادعي وحمدين صباحي وسعد الكتاني وخيرت الشاطر، وهو ما رفضته جبهة الإنقاذ. ورأى المحلل السياسي عبدالله السناوي أن تحديات يفرضها الواقع تواجه دعوة الحوار، أبرزها فجوة الثقة من جانب المعارضة لدى الرئيس مرسي، "لأن دعوته جاءت من دون إعداد أو جدول أعمال وأهداف مرجوة من الحوار، وكذلك لم يوضح الآلية لتنفيذ ما يسفر عنه الحوار"، مشيرا إلى أن حوار ديسمبر 2012 الذي أشرف عليه الرئيس أفضى إلى الفشل بعد أن تحطم قانون انتخابات المجلس النيابي على صخرة مجلس الشورى "الغرفة الثانية للتشريع"، الذي أجرى تغييرات على القانون عصفت بما توصل إليه المتحاورون تحت رعاية الرئيس. وأضاف إن جبهة الإنقاذ لديها طلبات محددة أبرزها إعادة النظر في النصوص الدستورية المختلف عليها، وكذلك تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وإقالة الحكومة الحالية وخاصة وزير الداخلية، وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين إلى سلطة القانون، وهي مطالب يصعب على الرئيس تنفيذها، رغم أنها مطالب شعبية ومشروعة للمعارضة. واعتبر دعوة الرئيس للحوار مجرد رسالة إلى الولاياتالمتحدة والغرب بأنه يسعى إلى حوار مع المعارضة وأنه يساند القوات المسلحة وملتزم بما توصل إليه مجلس الدفاع الوطني. ومن جانبه، قال المستشار القانوني لحزب "الوفد" عصام شيحة: إن فكرة الحوار في حد ذاتها باتت ممجوجة، خاصة بعد مشاركة قطاع كبير في الحوار، الذي دعا إليه الرئيس في شهر ديسمبر 2012، والذي باء بالفشل باعتراف المشاركين فيه من حلفاء جماعة الإخوان، وكذلك برفض مجلس الشورى ما ذهب إليه الحوار من مشروعات قوانين، ما أكد صحة وجهة نظر جبهة الإنقاذ الوطني، التي سبق أن رفضت الحوار السابق لعدم توافر ضمانات لتنفيذ نتائجه. القشة التي تهدد انسداد باب الحوار أدى بأطراف الصراع داخل مصر إلى التصعيد، الرئاسة وبعد أن فرضت حالة الطوارئ في محافظات بورسعيد والاسماعيلية والسويس، أمرت قوات الشرطة بإستخدام كل الوسائل للحفاظ على الأمن. المعارضة أكدت أن تظاهراتها سلمية وأن ما يقع من تجاوزات كبيرة مصدرها مليشيات الجماعة التي نفت بدورها هذه الاتهامات. يوم السبت 2 فبراير جاء في تقرير لوكالة فرانس برس: يجد الرئيس المصري نفسه في وضع حرج غداة بث لقطات مصورة لرجل يتم تجريده من ملابسه وضربه بوحشيه وسحله من قبل الشرطة مساء الجمعة قرب قصر الرئاسة، اللقطات كانت مثل القشة التي قصمت ظهر البعير لأنها جاءت بعد مسلسل عنف جديد أسقط أكثر من 60 قتيلا ومئات الجرحى في صفوف المتظاهرين. موزاة مع ذلك صعدت المعارضة سقف مطالبها داعية الى "اسقاط نظام الاستبداد" و"محاكمة رئيس الجمهورية" على "جرائم القتل والتعذيب" التي وقعت اخيرا. وبثت قنوات التلفزيون المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر فيه افراد شرطة من قوات مكافحة الشغب وهم يضربون رجلا بالعصي ويدفعونه ويجردونه من ملابسه ويسحلونه على الارض ثم يضعونه في سيارة مصفحة تابعة للشرطة بالقرب من قصر الاتحادية الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة. الرئاسة المصرية أعربت في بيان عن "آلمها لذلك المقطع الصادم" ولكن ذلك لم يسكت غضب الشارع خاصة أنه جرت محاولات قبل بيان الرئاسة للصق مسؤولية عملية السحل والتعرية بالمتظاهرين. جبهة الانقاذ الوطني التي تضم ائتلاف المعارضة الليبرالية واليسارية الرئيسي صعدت سقف مطالبها اثر اجتماع عاجل استغرق اكثر من اربع ساعات وأكدت تأييدها لمطالب الشعب باسقاط النظام ودعت الى محاكمة مرسي. وقالت الجبهة في بيان انها "تنحاز انحيازا كاملا لمطالب الشعب المصري وقواه الحية التي تنادي باسقاط نظام الاستبداد وهيمنة الإخوان المسلمين على الحكم، وتؤيد كل أشكال التعبير السلمي لتحقيق هذه المطالب". وطالبت ب"تحقيق قضائي محايد في جرائم القتل والتعذيب والاحتجاز بدون وجه حق، وتقديم كافة المسؤولين عنها للمحاكمة العادلة بدءا من رئيس الجمهورية ووزير داخليته وكافة شركائه في الجريمة". ودعت الجبهة "المصريين الى الاحتشاد السلمي في كل ميادين مصر دفاعا عن كرامة الانسان المصري". وطالبت ايضا ب"انهاء معاناة المواطن المصري بسبب الفقر وارتفاع الأسعار نتيجة السياسات التي لا تلبي طموح المصريين الى عدالة اجتماعية حقيقية". وأكدت أنها "لن تخوض في ملف الحوار في ظل الدم وقبل ايقاف نزيفه والمحاسبة عليه والاستجابة لمطالبها". وكانت جبهة الانقاذ قد وقعت يوم الخميس 31 يناير وبرعاية الأزهر مع القوى السياسية بمختلف توجهاتها وثيقة لنبذ العنف و"تفعيل الحوار الوطني" من خلال "تشكيل لجنة للاتفاق على أهداف واجندة الحوار". وتعرض موكب رئيس الوزراء هشام قنديل صباح السبت 2 فبراير لهجوم بالحجارة والزجاجات الفارغة من قبل متظاهرين في ميدان التحرير بوسط القاهرة في حدث يدلل كذلك على المناخ السياسي السائد في البلاد". الموقف الأمريكي في ظل هذه الأجواء المحتقنة يقدر المراقبون أنه إذا رفضت جماعة الأخوان الالتقاء مع المعارضة لإيجاد حل وسط بين المطالب المتصادمة، فإنه لن يبقى من خيار إلا تدخل الجيش. المحلل السياسي عماد جاد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أشار إلى ان منح الجيش سلطة الضبطية العدلية هو محاولة من الرئيس لحشد الامن والجيش "ليتعاونوا في حفظ النظام" للسيطرة على الوضع الناجم عن حالة احتقان سياسي وانقسام عميق. وقال ان المؤسسة العسكرية "تقف اليوم في مستوى الوضع ذاته قبل تسليم الرئيس حسني مبارك إدارة البلاد للمجلس العسكري، أي على الحياد" غير انه اضاف "لو حدثت اعمال عنف وسالت دماء فان الجيش سيتدخل حتما للسيطرة على الوضع ولن يلتفت كثيرا لكون الرئيس مرسي منتخبا". واكد انه "اذا خرجت الامور عن السيطرة فسيتدخل الجيش لفرض الامن وبعد ذلك سيتولى على الارجح اعادة بناء مرحلة انتقالية جديدة بقواعد جديدة". ويبلغ عديد الجيش المصري 470 الف جندي اضافة الى 480 الفا من جنود الاحتياط، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن. حافة الهاوية من المهم في هذه المرحلة التدقيق في المواقف الأمريكية سواء الرسمية أو تلك الصادرة عن مراكز الأبحاث التي تقدم المشورة للبيت الأبيض بشأن تدخل الجيش. الأهمية تنبع من الموقف الأمريكي الثابت منذ سنوات بشأن ضرورة تخفيض عديد القوات المسلحة المصرية ووقف تطويرها للصناعات العسكرية لأنه لا داعي لذلك بعد إحلال السلام مع إسرائيل. هنا يجب كذلك التذكير بالدراسات الإسرائيلية التي راهنت على إنحلال الجيش المصري بعد سيطرة الأخوان على مقاليد الحكم ورغبتهم في تكوين جيش جديد يكون مضمون الولاء لهم كما وقع في إيران بعد سقوط الشاه. يوم 2 فبراير 2013 كتب الخبير الأمريكي في شؤون المنطقة العربية مايكل مارتينيز: يحفز تجدد نزف الدم والمظاهرات المتواصلة في مصر، عودة التساؤل حول احتمال انهيار الدولة المصرية، خاصة مع بروز تصريحات رسمية تحذر من ذلك. فبعد مرور عامين على اشتعال ثورة الاحتجاجات المصرية ضمن ما سمي الربيع العربي، حذر عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، من أن استمرار الصراع القائم يمكنه أن يؤدي إلى "انهيار الدولة". لكن محللين رأوا بأن هذا التصريح "مبالغ فيه،" غير أن أيا منهم لم ينكر خطورة الوضع الذي تمر به الدولة، إذ أشار المحلل في مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث، جوشوا ستاتشر، إلى أن تعليق الوزير كان "مبالغا فيه قليلاً"، وأضاف الباحث في المكتب المعني بالشؤون الخارجية التابع لمركز دراسات الشرق الأوسط، بأن "الوضع الاقتصادي الذي تشهده مصر مأساوي للغاية". رئيس قسم التعليم العالمي في جامعة تشابمان في كاليفورنيا، جيمس كويل، أشار إلى أن "ردة فعل الوزير بتصريحاته كانت تحمل الكثير من المبالغة"، لكنه أشار إلى أنه يتفهم هذه التصريحات "خاصة مع "استمرار الآلاف بالتظاهر في ميدان التحرير بعد عامين على سقوط نظام مبارك، ومقتل العشرات خلال خمسة أيام". وأجمع المحللون في الولاياتالمتحدة على أن هذه التصريحات، اعتبرت "تحذيرا للجميع، للمعارضة والجماعة، لتوحيد جهودهم"، وفقا لمراسل شبكة "السى ان ان" في القاهرة، بن ويدمان، إذ عنى بالجماعة هنا، جماعة الإخوان المسلمين. ويعتبر الجيش الحصن المنيع الذي حافظ على مدنية الدولة المصرية، وهو الذي تولى حكمها مؤقتاً بعد سقوط نظام مبارك، لكن القائمين على الجيش قلقون الآن بشأن اندلاع حرب أهلية في مصر، إذ أشار ويدمان إلى أن "التصريحات توحي برسالة مضمونها اقتراب فقدان السيطرة على الأمور". وعلقت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، على تصريحات السيسي، معبرة عن أملها بعدم حصول ما ألمح إليه وزير الدفاع المصري، وإلا فإن "المنطقة ستشهد فوضى عارمة وعنفا متصاعدا يمكنه أن يؤتي بنتائج مدمرة للدولة وللمنطقة ككل". وأشارت كلينتون إلى "ضرورة تفهم حكومة مرسي لاحتياجات الشعب"، وأن "حكم القانون ينطبق على الجميع،" لكنها دافعت بشكل شبه مباشر عن حكم الأخوان حيث أشارت في الوقت ذاته إلى "صعوبة الانتقال من حكم شهد نظاما مغلقا ومقتصرا على رجل واحد حسب تعبيرها، إلى دولة ديمقراطية ولدت لتوها ولا تزال بطور تعلم المشي". وأضافت كلينتون بأنها تعتقد بضرورة "تغيير الرسائل التي توجهها الحكومة المصرية إلى شعبها، لتطمئنهم بأنها تسلك المسار الصحيح لتحقيق المستقبل الذي يرغبون به". لكن الوضع السياسي ليس الوضع السيئ الوحيد الذي تشهده مصر، إذ أن الأوضاع الاقتصادية تشهد الحال ذاته، خاصة مع انعدام السياحة، وانخفاض سعر العملة. تجاهل منع التجول من جانبه عبر ستيفن كوك المتخصص في أمور السياسة العربية والتركية وسياسات أمريكا تجاه الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك. والذي يترأس حاليا فريق عمل بالمجلس لدعم الديمقراطية العربية: لماذا وكيف؟. ويكتب كتابا عن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية، عن صدمته بكيفية "تجاهل الشعب المصري لإعلان الحكومة عن حالة الطوارئ". إذ يشعر المتظاهرون الذين شاركوا في الثورة بخيانتهم من قبل الحكومة، خاصة عندما تغير مفهوم الحفاظ على أمن الدولة لتصبح الأولية هي الحفاظ على أمن النظام الجديد، وفق ما أشار إليه ستاتشر، الذي قال: "السبب من وراء الغليان الواقع في الشارع المصري أساسي، إذ بدأت الثورة بمطالب الشعب الحقيقية بالتغيير، لكن الحكومة الحالية كذبت عليهم وأجلت مطالبهم وأشعرتهم بعدم أهميتهم. وأشار ستيفن كوك، بأن "المجتمع الدولي لن يتحمل تبعات انهيار مصر سياسيا أو اقتصاديا"، وأضاف بأن تصريحات السيسي "مهمة للغاية"، إذ أنها تشير إلى "تباحث الجيش في الموضوع، لهذا آخذه بجدية أكبر". ويقدر ستيفن كوك، أنه في الوقت الحالي لن يتدخل الجيش للتحكم بالدولة، خاصة وأنه سيكون مضطرا مرة أخرى لتنظيم عملية إعادة انتخاب رئيس جديد، لكن ستيفن كوك أشار، في مقال له على مدونة مكتب الشؤون الخارجية الأمريكي، بأن "استمرار تدهور الوضع قد يؤدي إلى أن تدخل الجيش ليكون الخيار الوحيد، ويمكنه أن يلقى ترحيبا من الشعب". وأوضح ستيفن كوك بأن الحكومات الأولية بعد الثورات لا تصمد طويلاً، كما حصل في الثورات الروسية والفرنسية، ويتم "استبدالها بعناصر جذرية أساسية في المجتمع". عمر نجيب [email protected]