مازالت محاربة هدر المال العام واستغلال النفوذ مجرد شعارات ترفعها الحكومة تلو الأخرى، لدرجة أن المواطنين أضحوا يحسبون أنها مجرد أحلام وتمنيات يُشهرها المسؤولون في مختلف المناسبات التي تستدعي تهدئة الشعب وطمأنته. كل الحكومات ومنذ التسعينيات آلت على نفسها ترشيد النفقات بدءاً من مراجعة استعمال سيارات الدولة المخصصة للمصلحة العامة، وأصدر الوزراء الأولون منشورات تنظم هذا المجال، وكيفية استغلال هذه السيارات التي تحمل معظمها كلمة (المغرب) باللون الأحمر، إضافة إلى سيارات الدرك والقوات المسلحة والقوات المساعدة والأمن الوطني والوقاية المدنية والجماعات المحلية. وأضحى من المفروض أن ينحصر استغلال هذه السيارات لقضاء المصالح العامة، وأن يقوم رجال الشرطة داخل المجال الحضري ورجال الدرك في المجال القروي بمراقبة حركة هذه السيارات والاطلاع على رخص استعمالها بل الهدف من ركوبها. لكن ما يعانيه المواطنون يوميا يؤكد أنه لا جديدفي طريق تنفيذ منشورات الحكومات وتحقيق أمانيها وأحلامها لترشيد النفقات. وأنا لا أنطلق من الفراغ أو الخيال، سأحملكم معي لمرافقتي في جولة سريعة داخل الرباط العاصمة، ثم في خارجها القريب منها على بعد بضع كلمترات عنها. فعلى بعد دقائق من العاصمة يوجد سوق اسمه سوق السبت بتمارة، تجد سيارات الدولة مركونة عند مدخل السوق المذكور، بينما يلج سائقوها برفقة (الهانم) حرم المسؤول للتبضع، وتجد هذه السيارات تحمل الأطفال والخدم أيام السبت والأحد والعطل، وتجدها مصطفة وبكثافة في أشهر أبواب مدارس وثانويات الرباط، في انتظار خروج الأطفال لحملهم إلى بيوتهم، كما تجدها بأبواب أشهر قاعات الحلاقة والتجميل، وبجوار قاعات الرياضة والتدليك، وفي الأسواق الكبرى وفي باب المسرح وفي الطريق إلى الشواطئ. نحن المواطنون نحس بالمهانة والغُبن، لأننا نحن الذين نؤدي الضرائب لا نؤديها من أجل شراء الدولة لسيارات يتم استعمالها لهذه الأغراض، ولا نؤديها لدفع فواتير المحروقات التي تملأ هذه السيارات من أجل حمل »الهانم« إلى الحمام والحلاق، ولا من أجل إيصال الأطفال إلى المدارس، سواء كانت سيارات مدنية أو عسكرية تابعة للجيش أو الدرك أو القوات المساعدة. الدولة تلزمنا بأداء الضرائب، ونحن نؤديها في كل الأحوال راضين أو مكرهين، وإذن فإن احترامنا لالتزامنا بأداء هذه الضرائب تُقابله حقوق، أقلها أن نطالب الدولة بترشيد النفقات التي تعتبر الضرائب جزءا منها، وهو مطلب من السهل تحقيقه إذا تجندت السلطات الأمنية داخل المجالين الحضري والقروي من أجل مراقبة طريقة استعمال هذه السيارات، ولا بأس أن تخصص السلطات لهذا الغرض فرقا أمنية خاصة تتحلى بالشجاعة، بل و»الصنطيحة« ولا تميز في عملها بين سيارة صغيرة وأخرى كبيرة، ولا تخشى من مسؤول كبير لتنزل بثقلها على مسؤول متوسط أو صغير، مثل ما حدث منذ أيام على مشارف قرية (العرجات) القريبة من سلا عندما اضطر مسؤول لاستعمال سيارة صغيرة للدولة لغرض شخصي بسبب عطَلٍ في سيارته الخاصة، فأوقفه مسؤول الدرك بالمنطقة، وقرر إيداع السيارة في المحجز، رغم أن هذا المسؤول يتوفر على وثائق تبرز طبيعة عمله الذي يسمح له باستعمال سيارة الدولة طيلة أيام الأسبوع وفي كل ساعات اليوم. على رجال الأمن أو الدرك أن يحجزوا سيارات الدولة بدون انتقائية، حينذاك فقط لن نخشى أن يأتي يوم يعترض فيه أي مواطن على أداء التزاماته الضريبية.