استضافت مراكش على مدى يومين 'في التاسع والعاشر من شهر نونبر 2012 ' أشغال المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول ميزانية النوع الاجتماعي الذي نظمته وزارة الاقتصاد والمالية بشراكة مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة بالمغرب. اللقاء عرف حضور أزيد من 200 مشارك' قدموا من ثلاثين بلدا من مختلف القارات الخمس'إلى جانب مشاركة وحضور وازن ومتميز للعديد من المسؤولين الحكوميين ومنظومة الأممالمتحدة والمؤسسات الثنائية والمتعددة الأطراف 'وأيضا خبيرات وخبراء و شخصيات من الوسط الجامعي وهيئات المجتمع المدني. الجهات المنظمة أوضحت أن هذا الملتقى كان يهدف 'من جهة' إلى الاحتفاء بمرور عشرية التزام المغرب بالنهوض بالميزانية المراعية للنوع الاجتماعي باعتبارها أداة ناجعة في خدمة المساواة والعدالة بين الجنسين ' ومن ناحية ثانية' تعزيز المكتسبات وفتح آفاق جديدة لتطوير هذه التجربة في ظل ظرفية عالمية متسمة بتوالي الأزمات ذات الآثار الثابتة فيما يتعلق بتفاقم الفوارق 'لاسيما فما يخص النوع الاجتماعي. وشكلت التظاهرة 'بذلك' مناسبة سانحة لمناقشة التزام المغرب بهذا المشروع وهذه التجربة التي دخلها قبل عشر سنوات وللتباحث الجاد في مجال يكتسي أهمية بالغة باعتباره بوابة أساسية لتقليص الفجوات القائمة بين مختلف الفئات الاجتماعية والمجالات الجغرافية'وأيضا لتبادل التجارب وبحث سبل تطوير ورش الميزانية المستجيبة للنوع باعتبارها آلية لإقرار المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وإرساء مبادئ الحكامة الجيدة. وانكب المؤتمرون 'في جلسات عامة و ورشات موازية' على مناقشة عدد من المواضيع تمحورت بالخصوص حول "مقاربات الميزانية المراعية للنوع الاجتماعي" و"من أجل رؤية جديدة للأنشطة المعيارية والمناخ السياسي للميزانية المراعية للنوع الاجتماعي في سياق الأزمات المتعددة" و"الميزانية المرعية للنوع الاجتماعي في اللامركزية والحكامة المحلية" و"تمويل ودعم المساواة بين الجنسين". المناسبة كانت أيضا سانحة لتقييم مختلف التجارب والمقاربات المتعلقة بالميزانية المراعية للنوع الاجتماعي' وذلك بهدف توجيه أمثل للبرمجة الموازناتية القائمة على النتائج والمراعية للنوع الاجتماعي. وأيضا لتبادل الممارسات الفضلى والحلول المقترحة لمواجهة تعدد الأزمات العالمية وآثارها على المساواة بين الجنسين'وكذا تطوير مقاربة مشتركة بخصوص الوسائل والأساليب الواجب اعتمادها لإدماج مبادئ حقوق الإنسان ,والمساواة بين الجنسين 'والتمكين للنساء في إطار الإصلاحات الموازناتية المزمع اتخاذها لمواجهة الأزمات الاقتصادية والجبائية'وتعزيز تملك أدوات ونظم مراقبة تدبير' والتتبع والنهوض بتمويل المساواة بين الجنسين والتمكين للنساء,وتعزيز الابتكار بهذا الشأن. وبموازاة ذلك تم تنظيم دورات خاصة لفهم دور الدولة والمؤسسات التمثيلية أو الجماعات المحلية فيما يخص إدماج النوع الاجتماعي في السياسات العمومية وفي الحكامة المحلية. ومن بين المواضيع التي استأثرت بالاهتمام خلال هذا المؤتمر تلك المتعلقة بدور الدولة والمؤسسات التمثيلية بصفة عامة وكذلك هيئات المجتمع المدني في إدماج النوع الاجتماعي في السياسات العمومية والحكامة المحلية باعتبارها أساسا للتنمية' وكذلك ضرورة توفير الانسجام بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية وذلك من أجل ضمان استمرار المبادرات الرامية تحسين التوجه لدمج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن الميزانيات العمومية. وتميزت الجلسة الختامية لفعاليات هذا الملتقى بالإعلان عن إطلاق واحتضان المغرب مركز التميز الخاص بالتكوين والابتكار في ميزانية النوع الاجتماعي لتبادل المعارف جنوب جنوب' وإقامة شراكات ثلاثية شمال جنوب بهدف بلورة مقاربات في ميزانية النوع الاجتماعي. والمركز سيخصص للاستفادة من التجارب وسيمكن العديد من الدول من الدعم التقني والعلمي لتطوير هذا النوع من الميزانية الذي يمكن من تحقيق الإنصاف والمساواة بين المرأة والرجل. كما تم في ختام هذا اللقاء إصدار إعلان مراكش الذي أكد من خلاله المشاركون على ضرورة تطوير المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال ميزانية النوع الاجتماعي 'وفتح آفاق جديدة لتطوير التجربة خاصة في الظرفية الحالية المتسمة بتطور الأزمات . وشددوا على ضرورة العمل على توفير الاعتمادات المالية الخاصة بالبرامج الإنمائية والنهوض بالمساواة بين الجنسين. كما دعوا إلى الرفع من كفاءات مجموعة من الفاعلين بهدف التأثير على نتائج ميزانية بلدانهم باتجاه تعزيز المساواة بين الجنسين'وتمكين النساء ضمن برامج السياسات العامة. وقال نزار بركة وزير الاقتصاد والمالية في كلمته خلال الجلسة الختامية للمؤتمر بأن اختيار موضوع ميزانية النوع الاجتماعي يكتسي أهمية بالغة في ظل مناخ تطبعه ديناميات التطور والبناء المؤسساتي والنقاش العمومي المواكب لكل المسارات التنموية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية مشيرا إلى أن المغرب 'وعلى غرار باقي الدول الفاعلة والمتفاعلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا مع دينامية شعوبها ومتغيرات محيطها'ماض بعزم وإرادة في تعزيز كل الشروط والضمانات المطلوبة لترسيخ دولة الحق والقانون والنهوض بأوضاع المرأة المغربية بما يضمن لها المساواة في الحقوق والفرص' ودعم انخراطها القوي والإيجابي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى أن التجربة المغربية في مجال ميزانية النوع الاجتماعي قد أخذت في اعتبارها ضرورة تملك هذه المقاربة من طرف مختلف الشركاء 'من برلمانيين ومجتمع مدني 'وذلك عبر توفير دلائل وتنظيم لقاءات تكوينية وتحسيسية سيتم العمل على تطويرها وتكثيفها. وأكد بأن المغرب راكم 'خلال العشر سنوات الأخيرة من تنفيذ برنامج الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي' معارف وآليات جديدة ستشكل أداة فعالة للرفع من المسؤولية والمشاركة وإدماج النوع الاجتماعي في السياسات العمومية والحكامة الاقتصادية. وقال الوزير بأنه وفي إطار تطوير المنهجية المتبعة لإعداد تقرير ميزانية النوع الاجتماعي المرفق لمشروع قانون المالية لسنة 2013 'المعروض الآن على البرلمان' تم تسجيل تطور نوعي لتقييم السياسات العمومية على أساس حقوق الإنسان حيث تم التركيز على ثلاثة أجيال من الحقوق تهم الولوج المنصف إلى الحقوق المدنية والسياسية 'وكذلك الولوج العادل إلى الحقوق الاجتماعية والاستفادة المتساوية من الحقوق الاقتصادية. وأشار إلى أن هذه المنهجية تتسم بانسجامها مع مقتضيات المنظومة الحقوقية للدستور الجديد وبما تطرحه من رهانات في بلورة وتنفيذ السياسات العمومية والحرص على ضمان عناصر الالتقائية بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية سعيا نحو مزيد من التنسيق والنجاعة في تعزيز حقوق المرأة. وقال أنه إذا كانت تجربة المغرب قد حققت مكاسب هامة في مجال الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي من منظور حقوق الإنسان ' فإن حجم التحديات المطروحة وطبيعة الإشكالات التي قد تحول دون الاستفادة المتساوية والكاملة من حقوق الإنسان 'وتطرح المزيد من المسؤوليات للتفعيل الأمثل لهذه الحقوق والعمل على مراعاتها بشكل كامل في جميع السياسات العمومية. وأشاد الوزير في معرض كلمته بما تضمنه برنامج عمل هذا المؤتمر من محاور عملية وتواصلية وذات حمولات فكرية استقرائية واستشرافية واعدة لإرساء وتعزيز التعاون والعمل المشترك مع البلدان الصديقة والشقيقة في أفق تطوير واقتسام ما تم اكتسابه من معارف في مجال ميزانية النوع الاجتماعي. إلى ذلك أكدت بسيمة حقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في كلمة تقدمت بها خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال هذا المؤتمر بأن المغرب دخل 'وفي سياق الدينامية الديمقراطية التي يعرفها فيما بعد الدستور الجديد'مرحلة جديدة تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة وتوفير سبل العيش الكريم لكل المواطنين والمواطنات. وقالت أن الدستور الجديد عمل على تقوية آليات تخليق الحياة العامة عبر دسترة مجموعة من المؤسسات الأساسية بغية تعزيز المواطنة والمشاركة الديمقراطية'وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة مما يساعد على ترسيخ ميكانيزمات الحكامة الجيدة والتخليق ومحاربة الفساد في جميع أشكاله وتمظهراته. وأشارت الوزيرة إلى أن الدستور نص على أن تقوم السلطات بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة والسهر على معالجة الأوضاع الهشة والوقاية منها لفئات من النساء والأمهات والأطفال والأشخاص المسنين. وقالت أن التكريس الدستوري للجهوية الموسعة٬ في إطار مغرب موحد يقوم على مبادئ التوازن والتضامن الوطني والجهوي٬ سيخدم التنمية المندمجة والعادلة٬ ويساهم في تجذير قيم الديمقراطية والمشاركة الفعالة في تدبير الشأن العام. وذكرت بمسار الإصلاحات الحقوقية والسياسية التي أطلقها المغرب والتي خولته مكانة توصف بالوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي وذلك اعترافا بالمجهودات والمنجزات المحققة في المجال الديمقراطي. واعتبرت تملك آليات تحليل السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان المرتكزة على مقاربة النوع الاجتماعي٬ من شأنه أن يغني مرتكزات الإصلاح المرتقب للقانون التنظيمي للمالية٬ سعيا نحو ترجمة الالتزامات المتعلقة بحقوق المرأة على مستوى البرامج والتمويلات. وأكدت أن المغرب عمل على خوض تجربة رائدة في مجال الميزانية المستجيبة للنوع تستحق الوقوف عليها وعلى مسار تطويرها التدريجي٬ والتي برهنت على أهمية هذه المقاربة لبلوغ الأهداف المنشودة المرتبطة بالمساواة وتكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية والحكامة الجيدة. من جهتها أكدت الدكتورة سميرة التويجري المديرة الإقليمية للمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لهيئة للأمم المتحدة للمرأة بأن المغرب قطع أشواطا كبرى على مستوى النوع الاجتماعي مشيرة إلى أن المغرب يتوفر على ما يكفي من التجربة التي تجعله يتقدم في مجال تطوير أدائه وتجربته في مجال المساواة وتكافئ الفرص والنهوض بأوضاع المرأة. وأوضح "برونو بويزا " Bruno Pouezat منسق الأممالمتحدة للمرأة بالمغرب أنه وقبل عشر سنوات خلت حددت ووضعت الأممالمتحدة كهدف أساسي تفعيل كل دول المعمور بآلية تمويل النوع وذلك قبل سنة 2015 . وأشار في هذا الصدد إلى أن ثلاثين بلدا قد تمكنت من تحقيق هذا الهدف يوجد بينها المغرب معتبرا ذلك نجاحا وطنيا كبيرا. خلال أشغال المؤتمر أكد محمد شفيقي مدير الدراسات والتوقعات بوزارة الاقتصاد والمالية بأن التقدم المسجل في مجال الديمقراطية بالمغرب ساعد على مراعاة بعد النوع الاجتماعي على المستوى الدستوري والقانوني والسياسات العمومية. وأوضح أن هذا المسلسل توج بالمصادقة على الدستور الجديد الذي يعد بمثابة ميثاق لحقوق الإنسان والحريات. وقال شفيقي بأن مقاربة النوع الاجتماعي أضحت ملموسة و حاضرة بشكل كبير في صياغة مشروع القانون المالي وبخاصة بعد إعداد تقرير النوع الاجتماعي الذي عرف تطورا عبر عدة مراحل أفضت إلى المصادقة سنة 2012 على تبني منهجية جديدة تقوم على تقييم وتحليل السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان والتي تتماشى مع مقتضيات وروح الدستور الجديد. و في جانب آخر قال بأن الأزمة المالية والاقتصادية٬ التي عرفها العالم منذ سنة 2008 ' قد أبانت عن الضعف البنيوي لنماذج التطور على المستوى العالمي وساهمت أيضا في تفاقم التمييز الذي أصبح متعدد الأوجه. وأكد 'على القول في هذا الإطار'بأن الميزانية المبنية على مقاربة النوع الاجتماعي من شأنها أن تتيح فرصا هامة لتعزيز نجاعة السياسات العمومية واستهداف شريحة واسعة من المواطنين من خلال اعتماد سياسة القرب تستجيب لحاجياتهم المختلفة.