مرّ عيد الأضحى المبارك، جعله الله خيرا لكل المسلمين. هي مناسبة لا يمكن أن تمر دون تسجيل وقفة تأمل وتدبر حولها، إذ لا يجب أن نسبح في عواطفنا ودعواتنا ومتمنياتنا المقترنة بالعيد، بل علينا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة التي تسمح لنا بأن نتساءل عن حجم الأضرار الاجتماعية والنفسية والمادية التي خلفتها هذه المناسبة للعديد من المواطنين الذين عاشوا أنواعا من الأهوال وضروبا من المصائب والويلات قبل أن يتمكنوا من توفير ثمن خروف العيد. نحر خروف العيد هو سنة مؤكدة وليست واجبا، ورغم ذلك فآلاف المغاربة يتعاملون مع هذا العيد كما لو كان ركناً من أركان الاسلام، بل إن الركن الخامس وهو الحج إنما هو واجب على من استطاع إليه سبيلا. كلنا نعلم أن عيد الأضحى يخلف مشاكل اجتماعية كل سنة إذ هناك ، أسر عديدة تضطر إلى بيع أثاثها ومفروشاتها الضرورية لشراء خروف العيد، وأخرى يدب بين أفرادها الخلاف والشقاق بل الطلاق أحيانا بسبب العيد. ورغم قيم التكافل الراسخة ضمن قيم المغاربة، فعيد الأضحى يظل مناسبة للتشكي إلى حد الاستجداء، فالذي يملك ألف درهم يطمح إلى شراء خروف الألفين، وهكذا، لا تجد أمامك إلا من يستجدي ويطلب (العواشر) لدرجة أنك تصادف ضمن هؤلاء أشخاصا بعمل قار ومداخيل يمكن وصفها بالمتوسطة أو المحترمة. توالت المناسبات هذه السنة على المغاربة، من العطلة الصيفية إلى رمضان المعظم إلى الدخول المدرسي ثم عيد الأضحى، وآلاف المغاربة إذا لم أقل الملايين يكافحون للتغلب على مصاريف هذه المناسبات في صمود قل نظيره. ونعود للتأكيد بأن نَحْر خروف عيد الأضحى إنما هو سنة مؤكدة. وهنا يأتي الدور الكبير للعلماء الذين على عاتقهم توعية المواطنين غير القادرين، وشرح معاني هذه السنة المؤكدة حتى يقتنع الناس ، بعدم تكليف أنفسهم فوق طاقاتهم، وأن لا يبالغوا في التباهي وشراء ما لا طاقة لهم به. هذا الدور المنوط بالعلماء يجب أن لا يظل مرهونا بأيام العيد فقط، بل يتعين أن يكون ضمن الدروس والأحاديث والحلقات الدينية التي اعتادت وسائل الاعلام بثها طيلة السنة مع تكثيفها قبل العيد. ودور التوعية لا ينحصر في العلماء، بل إن رجال التعليم وعلماء الاجتماع وجمعيات المجتمع المدني ووسائل الاعلام، يمكن أن يلعبوا دورا كبيرا في هذا الصدد بالإقناع والتوجيه والارشاد. نريد عيد الأضحى بثوابه الذي نطمح إليه من الله سبحانه وتعالى، وحتى يكون ذلك، فيجب أن تكون هذه المناسبة مناسبة للأفراح والمسرات، والتقرب إلى الخالق جل جلاله، لا مناسبة لتكلف ما لا طاقة لنا به أو لتشتيت شمل الأسر وتخريب البيوت بسبب خروف العيد. وأخيرا، رجاء لا تذهبوا بعيدا إلى حد أن يسوء ظنكم بهذا، فأنا لا أدعو بتاتا، إلى الاستغناء عن نحر كبش العيد، فتلك سنة مؤكدة، بل إن ما أثارني ومازال يثيرني هي تلك المآسي الاجتماعية التي يخلفها هذا العيد كل سنة، والتي تدمر المئات من الأسر المغربية بسبب افتقاد أربابها الى الوعي اللازم.