عرف العالم في السنين الأخيرة ، مجموعة من التقلبات المالية التي كانت السبب الرئيسي في تراجع مستوى معدل النمو بعدة دول وخاصة منها الأوربية والعالم ثالثيه . يُعدّ الانهيار الاقتصادي لسوق المال الأمريكي من أكبر الانهيارات الاقتصادية في تاريخ الاقتصاد الغربي المعاصر، فقد أفلست أكبر البنوك الأمريكية مثل بنك ليمان براذرز الاستثماري سنة 2008، وخلّفت وراءها دماراً هائلاً لا تزال تداعياته مستمرة إلى الآن ، انها الأزمة المالية العالمية التي تم اعتبارها الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929، فقد ابتدأت الأزمة أولاً بالولاياتالمتحدةالأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، بحيث وصل عدد البنوك التي انهارت في الولاياتالمتحدة خلال سنة 2008 إلى 19 بنكاً . لقد تعددت تعريفات الأزمة المالية العالمية ، اذ هناك من عرفها بأنها نتاج للاتوازن الذي شاب المالية الدولية ، وهناك من قال بأنها تراجع المالية الدولية بسبب سوء التدبير البنكي الائتماني . لقد مرت الأزمة الاقتصادية العالمية ، بمجموعة من المراحل نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر : عدم تسديد تسليفات الرهن العقاري (الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد)، فأصبح يتكثف في الولاياتالمتحدة ويسبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة ; تدهور البورصات أمام مخاطر اتساع الأزمة، مما اضطر المصارف المركزية للتدخل لدعم سوق السيولة ; قيام عدة مصارف كبرى عدة مصارف كبرى بإعلان انخفاض كبير في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن العقاري ; قيام الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) بتخفيض معدل فائدته الرئيسية ثلاثة أرباع النقطة إلى 3.50%، وهو إجراء ذو حجم استثنائي بحيث جرى التخفيض تدريجيا إلى 2% ; تأميم الحكومة البريطانية لبنك "نورذرن روك" ; تضافر جهود المصارف المركزية مجددا لمعالجة سوق التسليفات ; اعلان "جي بي مورغان تشيز" بشراء بنك الأعمال الأمريكي "بير ستيرنز" بسعر متدن ومع المساعدة المالية للاحتياطي الاتحادي ; طغيان الأزمة المالية على المناقشات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ; انهيار سعر سهم المجموعة المصرفية والتأمين البلجيكية الهولندية "فورتيس" في البورصة بسبب شكوك بشأن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وفي الولاياتالمتحدة يشتري بنك "جي بي مورغان" منافسه "واشنطن ميوتشوال" بمساعدة السلطات الفدرالية ; انهيار بورصة وول ستريت بعد ساعات قليلة من تراجع البورصات الأوروبية بشدة، في حين واصلت معدلات الفوائد بين المصارف ارتفاعها مانعةً المصارف من إعادة تمويل ذاتها الخ... إن الأزمة الاقتصادية العالمية هي حقيقية نشأت من المؤسسات الخاصة، حيث أن المواطن الأمريكي كان يقترض من البنك حتى يشتري من الشركات العقارية مسكنا له عن طريق البطاقات الائتمانية (والذي يدعى الفيزا كارد) ، وكان سداد القروض العقارية يتم عن طريق البنوك التي تعتمد على أسعار الفائدة في تعاملاتها المالية ، وكان سعر الفائدة يزيد بزيادة سعر العقار لكل سنة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى وجود المواطن الأمريكي في حالة اعسار فيما يتعلق بسداد الرهن العقاري وعدم القدرة على الالتزام بالدفعات الملزم بأدائها مما نتج عنه وبصفة أوتوماتيكية انعدام السيولة في البنوك، وعدم القدرة على تمويل المشاريع الجديدة وانخفاض الطلب مع زيادة العرض، ومن ثم إعلان إفلاسها بشكل تدريجي مما أدى إلى كساد اقتصادي عالمي جديد ، كما تجدر الاشارة الى أنه وبالرغم من ضخ الحكومات للأموال مباشرة في البنوك بالإضافة الى الخطط التي وضعها بوش للإنقاذ المالي، إلا أن الأزمة استمرت وخير دليل على ذلك هو أن البورصات لم تتأثر إلا من خلال ارتفاع طفيف في المؤشر العام ، إننا في مسار واضح والأزمة المالية مستمرة ولكن الاختلاف وارد بين الدول المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي عن غيرها الغير المرتبطة ، بحيث أن عددا من البلدان مثل الصين وإيران وروسيا لم يتأثر اقتصادها بل على العكس تماما مؤشر بكين زاد ارتفاعاً وذلك لان اقتصاد هذه الدول لم يكن مرتبطا بالاقتصاد الأمريكي، ومن هذا المنطلق وبعد معاناة طويلة للاقتصادات العالمية أعلنت الدول الصناعية الكبرى الثمانية دخول اقتصادياتها الركود ، الشيء الذي اعتمد تفسيره بناء على بيانات انكماش للربع الثالث من عام 2008 بنسبة 0.5 لكل من اقتصاد الولاياتالمتحدة واليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وكندا ، بالإضافة الى دول أخرى . ان المغرب ، وبحكم انتمائه الى حضيرة الدول النامية أو السائرة في طريق النمو ليس بمنأى عن تأثره برياح الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي يمكن تفسيره من خلال مجموعة من المؤشرات السلبية التي شابت الاقتصاد الوطني والمتجلية أساسا في : تراجع الطلب على عروض السياحة المغربية ، هذا اذا ما علمنا بأن المغرب مرتبط سياحيا بالزبناء الأوروبيين بحكم قربه من الدول الأوربية ; ضعف عائدات مغاربة العالم نظرا للبطالة المجحفة التي تتهدد بلدان الاقامة ، الأمر الذي انعكس سلبا على الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة ; تراجع نسب استثمار الأجانب ببلادنا ، مما انعكس على سوق الشغل المغربية من جهة وعلى الرواج التجاري الوطني من جهة أخرى ; ارتفاع نسب الاستيراد بشكل مهول في ظل هذه الأزمة، الشيء الذي شكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة ; انخفاض نسب التصدير وخاصة فيما يتعلق بالزبناء الأوروبيين ; ضعف نسب الناتج الداخلي الاجمالي الوطني الخ ...... انه وبالرغم من تطبيق المغرب لتخفيضات في نسبة الضريبة على الدخل سنتي 2009 و 2010 هذا بالإضافة الى تشجيعات ضريبية سواء بالنسبة للمستثمرين الوطنيين أو الأجانب ، فان المغرب وبحكم انتمائه الى المنظومة الدولية الرأسمالية لا يمكن أن يكون اقتصاده أحسن حالا من الدول الأخرى ، الأمر الذي يمكن ارجاعه وبصفة مباشرة الى النظام المصرفي والبنكي القاسي السائد ببلادنا والمشروط بضمانات مبالغ فيها ، عكس مثيله في الدول الغربيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية . ان اعطاء الانطلاقة الفعلية لتجربة البنوك الاسلامية أصبحت لازمة ، لا لشيء الا أنها قد أثبثت نجاعتها في تأمين التوازن والنماء الاقتصاديين في مجموعة من دول العالم ، وخير ما نستدل به في هذا الباب ما قاله البروفيسور علي خان، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة ووشبيرن في توبيكا بولاية كانساس الاميركية، في حوار مع «الشرق الأوسط» في أبو ظبي من أن الفرصة مواتية لتعضيد التمويل الإسلامي، خاصة أن «وول ستريت» لاحظت أن الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حققت نجاحا أكبر في الأسواق المضطربة، حيث نمت الاستثمارات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق الغربية، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى أكثر من نصف تريليون دولار، وقال أستاذ القانون إن المستثمرين المسلمين لهم كل الحق في مطالبة المصرفيين الاستثماريين الغربيين بابتكار أنواع استثمارات ومنتجات استثمارية تتجنب مخاطرة الميسر والربا، مضيفاً أنه رغم تميز النموذج الإسلامي ببساطته، إلا أن الشركات الغربية مستغرقة في الربا بشدة لدرجة أنه يصعب علينا أن نجد شركة لا تتقاضى أو تدفع فائدة، أضف الى ذلك ماورد في كتاب للباحثة الإيطالية لووريتا نابليوني بعنوان "اقتصاد ابن آوى" أشارت فيه إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي ، بحيث اعتبرت نابليوني بأن "مسئولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق والتي أدت إلى مضاعفة الآثار الاقتصادية"، وأضافت أن "التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي ، ورأت نابليوني أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني"، كما أوضحت بأن "المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولاياتالمتحدة ، فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة" ، كما أنه وفي نفس المضمار تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "موريس آلي" إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة "الليبرالية المتوحشة" معتبرا أن الوضع على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة) واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين وهما : تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ; مراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%، وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي. انه وبحكم الدراسات الميدانية التي قام بها خبراء مصرفيون عرب وأجانب ، يمكننا القول بأن تجربة البنوك الاسلامية بالمغرب أصبحت ضرورة أكثر منها غاية ، الأمر وان تحقق سيمكن المغرب من تجاوز جملة من المخاطر المرتبطة بالأزمة المالية سواء منها تلك المتعلقة بالاستثمار أو بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية . لقد أصبح النمط المالي الرأسمالي متجاوزا وذلك لعدم نجاعته ،الأمر الذي يدعونا الى نهج مقاربة مالية تشاركية تجعل نواتها الصلبة تجربة المصارف والبنوك الاسلامية .