أطلق رئيس "حزب النهضة" الشيخ "راشد الغنوشي" تصريحات غاضبة على الإعلام التونسي متهما إياه بالتحريض والتهويل ومصرا على سياساته بتعويض المعتقلين السابقين في النظام السابق، وانتقد الدعوات إلى إضرابات في القطاعات الإقتصادية، في الوقت الذي يعاني فيه التونسيون من التضييق على الحريات العامة والبطالة والركود الإقتصادي وانقطاع الكهرباء، في ظل غياب رؤية تنموية شاملة من جانب حكومة "الترويكا". ودعا "الغنوشي" إلى تجنب ما أسماه "خطاب الحرب والتحريض الإعلامي" وأشار إلى أن التوتر الحاصل في البلاد له "بعض الأسباب الموضوعية" وتعود أخرى إلى "التضخيم الإعلامي". واستنكر بالأمس كل من "حزب العمال" و"الحزب الجمهوري" في بيانيهما ما وصفاه ب"نهج المنع والقمع الذي باتت تسلكه وزارة الداخلية في وجه قوى المجتمع المدني" والسلوك "القمعي المعادي لطموحات الشباب وعموم الشعب في ممارسة حريته"، يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني منه المدونون التونسيون والمتظاهرون من حملات قمعية وتعسفية. وقد ندد الحزبان بما فعلته قوات الأمن ليلة الأحد الماضي إلى الاستعمال المفرط للقوة في محاولة لتفريق عدد من المواطنين والمدونين تظاهروا سلميا بشارع "الحبيب بورقيبة" في العاصمة "تونس". واعتبر "الحزب الجمهوري" الشيوعي المؤسس سنة 1986 من مناضلين في منظمة العمل التونسية، ما فعله الأمن من "استعمال مفرط للقوة" في محاولة لتفريق المتظاهرين، وأكد على أن "حق التظاهر والتعبير" من مكتسبات الثورة غير قابلة للتصرف، ودعا الحكومة التي يتزعمها "حزب النهضة" إلى "القطع مع أساليب الماضي واحترام حق التونسيين في التعبير الحر" واعتبر تلك الممارسات امتدادا لممارسات نظام "بن علي". وكان قد تعرض "حزب العمال" لممارسات تعسفية في عهد "بن علي" وكان أحد أطراف هيئة 18 أكتوبر للحريات التي ظهرت سنة 2005 إلى جانب "الحزب الديمقراطي التقدمي" و"حركة النهضة" ويضم الحزب تنظيم شبابي يعرف ب"اتحاد الشباب الشيوعي التونسي". وقد قامت قوات الأمن بتفريق تظاهرة يوم الأحد الماضي دعت إليها "شبكة دستورنا" بحجة أنها لم تحصل على ترخيص، في تجمع ضم 300 متظاهر أمام مبنى "المسرح البلدي" رافعين شعارات تعبر عن استيائهم من الحكومة ورددوا هتافات "يا شعب فيق فيق الحكومة تسرق فيك". وندد "الغنوشي" رئيس حزب "النهضة" في بيانه التي أذاعته الصحف التونسية ووكالات الأنباء أمس تكاثر الدعوات إلى الإضرابات داخل البلاد وفي القطاعات الإقتصادية "رغم انتصار سياسات الحوار والتفاهم والبحث عن حلول توافقية"، واتهم في هذا الصدد وسائل الإعلام ب"التحريضية" وقال أنها "مصرة على الحديث عن الغالب والمغلوب بين الإتحاد العام التونسي للشغل والحكومة". ويعتبر "الإتحاد العام التونسي للشغل" أعرق منظمة نقابية في "تونس" وشن سلسلة من الإضرابات في "صفاقس" ثاني أكبر مدينة في "تونس" والأولى إقتصادياً، ويتمتع بنفوذ واسع على الساحة السياسية، وتحدث مواجهات بين الحين والحين مع "حزب النهضة" الذي يقود الحكومة الائتلافية، ويندد الإتحاد بالحكومة في مسائل تخص العمل النقابي ورفع المرتبات. والأدهى أن وزارة التربية والتعليم قررت الشهر الماضي خصم ثلاثة أيام عمل للمعلمين الذين شنوا إضراباً أواخر السنة الدراسية الماضية. وفيما يتعلق بالزيادة في الأجور القضية التي تفجر الكثير من التظاهرات والإضرابات، قال رئيس الحكومة "حمادي الجبالي" في لقائه التلفزيوني الذي بثته قنوات تونسية عدة، "حنبعل" والقناة الوطنية الأولى والثانية و"نسمة تي في"، إن مسألة الزيادة في الأجور التي طالب بها "الإتحاد العام التونسي للشغل" والتعويض "يعد حتما إفلاسا للبلاد في وقت تعيش فيه البلاد تحت الصفر في النمو". ويقول المراقبون أن المواجهة ستشتد في الفترة الحالية خاصة بعد توجه الحكومة إلى الزيادة في الأسعار للحد من عجز الموازنة، وقد أعلنت الحكومة أواخر الشهر الماضي زيادة في أسعار التبغ، وتنتظر زيادات مماثلة في أسعار المحروقات. وفي إطار العلاقة التي تربط "الإتحاد" بالحكومة قال "الجبالي" أنه "لا يمكن تصور مستقبل تونس في إطار صراع وتصادم بين الحكومة و"الإتحاد" مؤكدا على أنه ليس ضد العمال والموظفين غير أن إمكانيات البلاد ضعيفة وهناك عجز". لكن هناك ملاحظة لمجلة "الإيكونوميست" على طريقة تعامل "حزب النهضة" مع القضايا الإقتصادية، حيث ترى أن الحزب يتعامل مع الأيديولوجيا وليس مع الواقع، وأشارت المجلة في تقرير لها بعنوان "الإقتصاد التونسي يفقد الإتجاه" إلى أن هناك بؤر عدم استقرار في "تونس" لا تزال قائمة في المناطق التي تكون فيها نسبة البطالة أعلى، وأن الأسر التي تملك المجموعات الصناعية الضخمة تحجم عن الإستثمار فيها بسبب أنهم ينتظروا توضيحات من السلطات حول ما إذا كانوا سيواجهون محاكمة بتهمة التعامل مع النظام السابق، ليسوا هؤلاء فقط وفقا لمجلة "الإيكونوميست" فإن الشركات التونسية التي شرعت في الإستثمار في المناطق المهمشة بدئوا يتراجعون وكذلك المستثمرون الأجانب وقد ذكر رئيس "حزب النهضة" الشيخ "الغنوشي" وهو باحث ومفكر إسلامي أيضا في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" أن أساس الطغيان والتسلط تركيز الثروة في يد طبقة معينة، ويقول أن التوجه الإسلامي يميل إلى توزيع الثروة على أكبر عدد ممكن، على نحو يغدو الجميع مالكين. وحمل "الغنوشي" في بيانه بشدة السبب على بعض وسائل الإعلام، ووصفها بالتحريضية في الوقت الذي يوجد فيه "توتر للوحدة في البلاد، على أكثر من صعيد، منها الصعيد الإعلامي، حيث بلغ الأمر حد تحريض الأحزاب والتيارات بعضها على بعض، بما يشبه خطابات الحرب" ويذكر أن الإعلام التونسي واجه سلسلة من التضييقات على حريته ففي شهر مارس الماضي قضت محكمة تونسية بتغريم "صر الدين بن سعيدة" مدير تحرير صحيفة "ماليا ألف دينار تونسي ما يعادل 500 أورو لنشره صورة للاعب خط الوسط في فريق ريال مدريد "سامي خضيرة" وهو يعانق صديقته عارضة الأزياء وهي شبه عارية، وقضت كذلك محكمة تونسية ابتدائية في شهر مايو الماضي على مدير قناة "نسمة" الخاصة "نبيل القروي" بدفع غرامة مالية قدرها 2400 دينار تونسي ما يعادل 1200 أورو بسبب بث فيلم رسوم متحركة إيراني "برسبيليوس" بتهمة "عرض شريط أجنبي على العموم من شأنه تعكير صفو النظام العام والنيل من الأخلاق الحميدة". من جهة أخرى قال الشاعر التونسي الكبير "محمد الصغير أولاد أحمد" الذي يعتبر من شعراء الثورة بعد قرار وزير الداخلية بمنع حق التظاهر السلمي وبعد إعلان التونسيين عن ثورة جديدة ضد الإسلاميين، ما نخشاه هو أن يعود هذا الوزير إلى أقبية وزارة الداخلية مجددا بعد أن تبين أنه غير جدير بالحرية وغير كفئ للمحافظة عليها. ما يجب أن يعلمه هذا الوزير هو أن الثورة الثانية لن تترك له وقتا للفرار من وزارته إلا إذا أراد الفرار بفردة حذاء واحدة. وفي بادرة جديدة من نوعها قرر أهالي مدينة "سيدي بوزيد" وكل مكونات المجتمع المدني إعلان اليوم الخميس 9 غشت يوم تحرير "سيدي بوزيد" من حكم "حزب النهضة" الإستبدادي وطرد مثلث الخراب المتمثل في الوالي ورئيسا منطقة الحرس والشرطة.