أثار خطاب رئيس الوزراء التونسي، الباجي قائد السبسي، الاثنين الماضي، ردود فعل متباينة من أحزاب سياسية تونسية معروفة، حيث اعتبر بعضها أنه لم يقدِّم أجوبةً مقنعةً أو حلولاً للوضع المضطرب في البلاد. وقال الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، حمة الهمامي: «إنَّ بقايا النظام السابق يثيرون الفوضى في البلاد». وأضاف: «أعتقد أنّ رئيس الوزراء لم يكن واضحًا ولم يقدّم أجوبة حول الوضع في تونس، وخاصة القمع الوحشي الذي قامت به قوات الأمن لاعتصام «القصبة 3» يوم الجمعة، حيث تَمّ الاعتداء على المتظاهرين والصحفيين وسكان المناطق المجاورة من قبل قوات الأمن.» وأضاف: «المشكلة أنّه في كل مرة تحصل فيها حوادث بتونس يلمح السبسي إلى وجود أحزاب أو أطراف سياسية تريد منع انعقاد الانتخابات في موعدها، في المرة السابقة لمح إلى قوى يسارية (منها حزب العمال الشيوعي)، والآن يلمح إلى قوى دينية (حزب النهضة الذي انسحب من الهيئة العليا للانتقال الديمقراطي بتونس)». من ناحيته، قال الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة خلال مؤتمر صحفي، أول أمس: «لقد فوجئنا بما جاء على لسان السبسي في خطابه، وخاصة تلك الاتهامات الموجهة إلى أطراف لم يذكرها بالاسم». وأضاف أن حركة النهضة هي حركة سياسية تتمسك بالأمن والاستقرار، وتدعو إلى التحرك السلمي، وبالتالي فإنها “تدين أعمال العنف مهما كان مأتاه سواء أكان من المتظاهرين أو أفراد قوات الأمن”. ونفى أن تكون حركته قد ساندت أو رعت الاحتجاجات والاعتصامات التي شهدتها تونس خلال الأيام الأربعة الماضية، وأكد تمسك حركته بإجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في موعده المقرر يوم 23 أكتوبر المقبل. من جهته، اعتبر الحزب الديمقراطي التقدمي أن الدعوة إلى إسقاط الحكومة التونسية المؤقتة بواسطة الشارع والاستعاضة عنها “بحكومة وحدة وطنية”، يمثل تراجعا عن التوافق الذي قام عند تشكيل الحكومة المذكورة في مارس الماضي. ولم يتردد الحزب خلال مؤتمر صحفي عقدته أمينته العامة مية الجريبي، في وصف محاولة إسقاط الحكومة الانتقالية بأنها محاولة “للاستيلاء على الحكم عن غير طريق الانتخاب، وبالتالي إجهاض المسار الانتخابي”. أما حركة التجديد التونسية (الحزب الشيوعي سابقا) فقد اعتبرت أن ما شهدته تونس خلال الأيام الأربعة الماضية من أحداث خطيرة “يوحي بوجود مخطط ممنهج يرمي إلى زعزعة استقرار البلاد وضرب مؤسسات الدولة بالاعتداء على مقرات الأمن واستهداف أعوانها أثناء قيامهم بواجبهم، وعلى المؤسسة العسكرية”. ولم يتردد حزب المجد في القول إن خطاب السبسي جاء “مخيبا للآمال والانتظارات” في ما يتعلق بمحاسبة قتلة الشهداء وإقالة بعض الوزراء غير المرغوب فيهم شعبيا. إلى ذلك، اتهم الخبير الاقتصادي التونسي خميس العكريمي الحكومة المؤقتة ب”رهن الأجيال التونسية القادمة للديون الخارجية”، ودعا إلى إعادة النظر في سياسة المديونية . وقال العكريمي في مداخلة خلال ندوة حول “دور الإعلام في إدارة الأزمات وفن معالجتها”، إن ال25 مليارا التي وعدت مجموعة الثماني بتقديمها إلى تونس على شكل قروض، “تعني أن أجيالا تونسية سوف يتم رهنها مستقبلا”. وشهدت الأيام الأخيرة تظاهرات كثيرة في عدد من المدن التونسية احتجاجا على أداء الحكومة الانتقالية تخللتها أعمال عنف وعمليات تخريب وحرق شملت مراكز أمنية وتجارية وإدارية وممتلكات خاصة وعامة، حيث تعرضت مراكز شرطة لهجوم من قبل مجهولين، مما أدى إلى إصابة ستة أشخاص بجروح بينهم أربعة من رجال الأمن في حالة خطر، وقتل فتى في الرابعة عشرة ليل الأحد الاثنين بالرصاص أثناء تفريق قوات الأمن تظاهرة في مدينة سيدي بوزيد (مسقط رأس محمد البوعزيزي)، حيث اندلعت المواجهات والصدامات بين قوات الأمن ومتظاهرين يطالبون برحيل الحكومة التونسية المؤقتة برئاسة الباجي قائد السبسي. وقال شاهد عيان ل»يونيايتد برس إنترناشيونال» إن القتيل هو فتى يدعى ثابت الحجلاوي ويبلغ من العمر 14 عاما، وقد أصيب برصاصة على مستوى ذراعه الأيمن استقرت في الجانب الأيمن لصدره. وطالبت منظمة العفو الدولية، السلطات التونسية بفتح تحقيق مستقل وحيادي بمقتل الصبي بالرصاص. وكإجراء لمنع مزيد من الاضطرابات، فرضت وزارة الداخلية التونسية حظرا للتجول في المدينة التي توجد جنوب العاصمة تونس عقب أعمال العنف التي تعيشها منذ أكثر من ثلاثة أيام. وأوضح بيان للوزارة أن حظر التجول في سيدي بوزيد دخل حيز التنفيذ مساء الاثنين الماضي وسيستمر من الساعة العاشرة ليلا إلى الساعة الخامسة صباحا بالتوقيت المحلي. ولم تحدد الوزارة مدة العمل بهذا القرار، واكتفت بالإشارة إلى أنه يندرج في نطاق حماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وسيبقى نافذا إلى أن يأتي ما يخالفه. وكان رئيس الوزراء الباجي قايد السبسي قد اتهم أطرافا سياسية لم يسمها بالسعي للتحريض على الاضطرابات. وأشار إلى محاولات «فاشلة» للاعتصام في منطقة القصبة. وقال إن منظمي الاعتصام لا يهدفون للاحتجاج «وإنما لتعكير الأجواء». وقال إن «هناك خطة منظمة وأعمالا متزامنة لاستهداف ممتلكات المواطنين والتسبب في اضطرابات أمنية». وأضاف: «توجد بعض الأحزاب المتأكّدة من عدم نجاحها في الانتخابات وهذه الأحزاب تَخاف أن تظهر على حقيقتها بدون قاعدة شعبية»، قائلاً: «نعرف مَن هي هذه الأحزاب التي شجّعت الاعتصام ولكن لا فائدة في ذكر أسمائها». واتهم السبسي تلك الأطراف السياسية بأنها «غير مهيأة لخوض المعركة الانتخابية وتهدف لإفشال الانتخابات»، مشيرا إلى تمسك حكومته بموعد الانتخابات. وتحدث عن «توافق عريض» بين كل الأحزاب على تحديد موعد أكتوبر المقبل لانتخابات المجلس التأسيسي. وأكَّد أنّ الحكومة ستواصل دورها إلى موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي ستجري في موعدها المحدد في 23 أكتوبر «كَرِه مَن كره وأحب مَن أحب». وقال إن كثيرا من الأحزاب لها خطاب مزدوج إذ تقول إنه لا علاقة لها بالعنف ثم تدفع نحوه، واتهم وسائل إعلام خاصة ورسمية «بتغذية الشائعات»، قائلا إن من بينها من «ينادي إلى التشويش وزيادة الطين بلة». ودعا الوزير الأول في الحكومة الانتقالية التونسيين إلى التصدِّي لكل مَن «يستهدف أمن البلاد» وإلى «الدفاع عن مكتسبات تونس وأهداف الثورة».