من نافلة القول إعادة التأكيد على الدور الهام الذي تلعبه وسائل الإعلام، وفي مقدمتها التلفزة في تثقيف الجماهير والرفع من مستوى أذواقهم الفنية. وإذا كانت هذه هي القاعدة المتفق عليها في كل بلاد المعمور، فإن تلفزتنا تأبى أن تشذ عن هذه القاعدة، وتمارس ساديتها المفرطة مع نية سبق الإصرار والترصد على المشاهدين، وترتفع هذه السادية وتتنوع فنون وأصناف تعذيب الشعب خلال شهر رمضان. كل من التقيت بهم أجمعوا على هذا الرأي، لدرجة أنهم كثيرا ما يصابون بما يشبه الغثيان إثر مشاهدتهم لهذه الأعمال «الفنية» بعد الإفطار. وكأن التلفزة تنتقم منا بعد أن انتقدناها في موضوع المسلسلات التركية والمكسيكية التي غزت بيوتنا، لدرجة أن «لميس» و «مهند» اقتحما بعض البيوت وأصبحا نماذج لدى بعض ذوي الأذواق غير السليمة. أنا لست ناقدا فنيا، ولكن من حقي أن أدعوكم لقول كلمة حق في «الديوانة» التي تفتقد الى النص والإخراج والتمثيل أي أنها لالون لها ولاطعم ولارائحة. ومن حقي أن أطلب منكم أن تتساءلوا عما إذا كنتم تجدون فائدة بعد رؤية «ياك احنا جيران» الذي حاول أصحابه تعزيزه بوجوه أجنبية من أجل محاولة تغطية عيوبه، فجاء المسلسل مطابق للمثل المغربي الشائع «الخنو.... على العكار». أما عن الكاميرا الخفية فقد «تبهدلت » بعد أن (عاق) المشاهدون بأنها مخدومة وسخيفة ومستهلكة. ليس غريبا أن يشهد شاهد من أهلها على الانحطاط الذي وصلت إليه تلفزتنا، ذلك أنه منذ أيام صرح ممثل مغربي كوميدي معروف أنه كثيرا ما كان يشارك في مثل هذه الأعمال دون أن يكون لها نص مكتوب، بمعنى أن الممثلين يقفون أمام الكاميرا ويعملون في سياق «كور واعط للاعور». من حقنا أن نتساءل نحن دافعو الضرائب، هل هذه المسلسلات تستحق أن تنفق عليها الدوزيم 7 مليارات من السنتيمات. أنا أعرف بعض هؤلاء الممثلين، وأؤكد أن معظمهم لايجني إلا الفتات من هذه الملايير، بل لدي معلومات عن حجم نفقات الديكور وغيره، هي ملايين من السنتيمات أو قل مليار سنتيم على الأكثر، فمن يستفيد من الملايير الأخرى؟ الحكومة في شخص وزير الاتصال، الهاكا، المجلس الأعلى للحسابات وغيرها، كلهم مسؤولون وعليهم التدخل عاجلا لإنقاذ المواطنين المغاربة من هذا العبث. ولدي إحساس بأن افتحاصا يقوم به المجلس الأعلى للحسابات حول مدى احترام مسطرة الصفقات سيكشف العجب العجاب، إذ من شبه المؤكد أن مسؤولي تلفزتنا لايريدون أن يهدوا خيرهم لغيرهم، فهم الممولون والمنتجون والآمرون بالصرف والآمرون والناهون في كل شيء، وتظل الأسماء التي تطل علينا في الجنريك مقلبا من المقالب التي لم تعد تنطلي على أحد. وإذا كان المجلس الأعلى للحسابات يفكر في فتح هذه الملفات، فما عليه إلا أن يبدأ بملف «للالعروسة» وصنوه «ستوديو دوزيم» اذ ذاك سيكتشف المجلس الحقيقة الصادمة حيث سيقف على أن أصحابها الحقيقيين هم مسؤولون في تلفزتنا وهم المستفيدون ماديا منها، أما المنتجون وغيرهم فماهم سوى كراكيز يحركونها من وراء الستار. رجاء أيها المسؤولون عن التلفزة، لاتستغلوا المشاهدين، وارفعوا عنهم حصص التعذيب اليومية التي تمارس عليهم.