ترأس أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، يوم الثلاثاء بالرباط، افتتاح الدروس الحسنية الرمضانية. وألقى الدرس الافتتاحي بين يدي أمير المؤمنين وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية السيد أحمد التوفيق، وتناول فيه بالدرس والتحليل موضوع «الثوابت الدينية للمملكة المغربية وجذورها في عمل السلف الصالح» انطلاقا من قوله تعالى : «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا». وأبرز وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن الغرض من درس اليوم يكمن في ذكر الثوابت الدينية للمملكة المغربية الشريفة وتقريب بعض عناصرها الفكرية لعامة الناس موضحا أن المقصود بلفظ الثوابت، الاطار الذي استقر عليه العمل بالدين، ويستأنس في تأصيل هذا اللفظ بقوله تعالى « يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة». واعتبر المحاضر أن وصف هذه الثوابت ب«الدينية» لا يعني مقابلتها بثوابت أخرى غير دينية كما لا يعني أنها تقتصر على مجال العبادة بين المؤمن وربه وإنما يعني أنها تعكس اطارا اجتهاديا للتدين بالمعنى الشامل، إيمانا وعملا صالحا مشيرا في الاطار نفسه الى أن لفظ السلف ينطبق على المؤسسين الذين صاغوا هذه الثوابت تأصيلا في الكتاب والسنة باجتهاداتهم حيث تمت صياغة هذه الثوابت زمنيا بين القرن الأول والقرن الرابع الهجريين وفي تبنيها إقرار بجهود الأئمة في بناء العلوم الدينية ورفض اللامذهبية التي تهدف في العصر الحالي الى زرع الفوضى في مجال الإفتاء. وبعد أن ذكر هذه الثوابت حسب ترتيب ظهورها في التاريخ والمتمثلة في إمارة المؤمنين والمذهب المالكي في الفقه وطريقة الجنيد في التصوف والمذهب الأشعري في العقيدة أكد المحاضر أن هذه الثوابت ذات وظيفة تأطيرية إذ تؤطر أمرين أساسيين هما العمل والإيمان مصداقا لقوله تعالى «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا» موضحا أن عمل الصالحات في العلاقة بالاستخلاف في الأرض في هذه الآية ينطبق بالخصوص على عمل الأمة وعلى رأسها الدولة في عملها السياسي. وانتقل المحاضر الى الحديث عن إمارة المومنين باعتبارها أجل الثوابت وأعظمها منزلة لأنها تؤطر الإيمان والعمل وأصلها في خلافة رسول الله (ص) الذي بلغ الرسالة وعلم الدين وأسس الأمة وأقام الدولة والذي بوفاته تمت الرسالة وبدأت مرحلة جديدة في التبليغ وفي حياة الأمة والدولة على عهد الخلفاء الراشدين الذي ترسخ فيه قيام إمارة المؤمنين على البيعة واكتسبت عمقها في الجمع بين شؤون الدين والدنيا مستعرضا في هذا السياق التطورات التي أعقبت وفاة الرسول (ص) وما صاحبها من اغتيالات ومآسي وتمزقات فرقت المسلمين الى فرق استمر آثرها الى يومنا هذا. وأكد المحاضر أن تأصيل الثوابت قد تم تفعيلها والتفاعل معها في تاريخ المغاربة أولا من خلال إمارة المؤمنين حيث كان المولى إدريس بن عبد الله، الذي لجأ إلى المغرب ونجا من القتل في موقعة فخ قرب مكة_ أول أمير للمؤمنين بويع خارج نطاق الحرب والانقلاب بعد الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل. وشدد في هذا السياق على أن بيعته كانت اختيارا طوعيا ذكيا متجليا في أربعة مظاهر تتمثل في أن إمارة المؤمنين أعطاها المغاربة لآل البيت المضطهدين على أساس بناء صرح لدولة السنة في غربي الدولة الإسلامية، وأنها شكلت القطب الذي خلق الانسجام في ضمير المغاربة بين السياسة والدين، وأنها اتخذت صبغة روحية مصدرها التعلق بآل البيت وهو تعلق خلاق للتعبئة الوطنية، كما أنها شكلت القطب الذي تبلور حوله بناء الدولة في استمرارها والأمة في وحدتها والمجتمع في تعدديته. وخلص المحاضر إلى أنه من غير المفيد إعادة الكلام عن الثوابت الدينية إلى طاولة الاختيارات ولاسيما في الجانب العقدي والمذهبي لأن ذلك سيعيدها إلى درجة الصفر أي إلى جذورها في السياسة، مشددا على أن الضرورة تقتضي نوعا من مأسسة هذه الثوابت، حيث أنه بفضل توجيهات أمير المؤمنين تم قطع أشواط في هذا الاتجاه وذلك بإصدار عدد من الضوابط القانونية التي تهم الشأن الديني وجاء الدستور الأخير ليكرسها في جانب مؤسسة إمارة المؤمنين واختصاصها في تدبير هذا الشأن.