حين تتَّحِد كل الأصوات بالشهادات البليغة والصادقة، في حنجرة واحدة، بالإجماع على الخصال الفريدة لأديبنا الإعلامي الفقيد «عبد الجبار السحيمي» رحمه الله، فليس لأجل الوداع.. إنما وفاء لذكرى لن تنطفئ ؛ كذلك كان مساء 16 يونيو 2012 بقاعة ابا حنيني بالرباط، حين لبّى دعوة حزب الاستقلال وجريدة «العلم»، ثلة من خيرة وأنجب الأدباء والإعلاميين والسياسيين، الذين تقاطروا محمولين على قلوب تَتَرجَّفها مهابة الموقف، في تحويل اللحظة رغم ما يشوبها من حداد، إلى حياة ازدادت نضارة ورُراءً، بقوة الكلمة المُطرَّزة بأدمع المآقي؛ تلكم الكلمة التي كرَّس «عبد الجبار السحيمي»، عشقها في أنفسنا الغضة، بصوفية تبلغ درجة العبادة، ولكن بانفتاح حداثي أيضاً لا يعرف حدوداً أو تعتريه عصبية؛ الكلمة التي روّضها في أسطرنا بقسوته الأبوية الرؤوم، حتى سَلَسَتْ على الورق، ألمعية فصحى؛ كلمة لا يحب أحرفها تسقط من الأنامل عرجاء على نحو خطإ، وإذا حدث، فلا نستحق شهادة الكتابة التي لا يصنعها معهد أو كليات، إنما منطق القلم؛ هذه الكلمة التي يَقُدُّ ممكنها من مستحيل المعنى، يريدنا عبد الجبار دائما، أن ننفث في رحمها نطفة الإبداع والجمال، حتى لو زاغت بالحديث في الخطوط النارية الحمراء للسياسة،التي ما أكثر خشبها اليوم؛ الكلمة هي القاعدة الجوهرية التي بسط السحيمي، على أرضيتها المتينة، وسقفها أيضا لمن يؤمن بالعالم مقلوبا، الحجر الأساس للملحق الثقافي للعلم، الذي مازال يكتنف من روح الفقيد، ذات الخط التحريري الذي رسمه منفتحاً على شتى الحساسيات الأدبية والثقافية، مهما مارست شطَطَها الجميل في التخييل والجنون؛ ولَشَدَّ ما كان يكره أن يفتح بريداً يُضمر نصاً أدبياً منبطحاً في المضمون، مترهلا في اللغة، فيكتفي بالقول أسيفاً: هذا الشعر مكتوب بالصخر!. هذه الكلمة إذاً، هي التي تنضدَّت بلآلئ شهاداتها الشفيفة، في يوم الذكرى، عقداً فريداً تَوَسَّطه «عبد الجبار السحيمي»، جوهرة لا تخبو؛ الكلمة التي جاء الأصحاب الخُلَّصُ، مفتونين بجمالها العذري، في الأفئدة، ليزفوها، خفِرة، فصيحة، صادقة، إلى «عبد الجبار السحيمي»، فكان بحق ولمَّا يزل: عريس الكلمة..!