مساء المحبة المشبع بروح الوفاء والاعتراف، سعيد بالمشاركة في هذا اللقاء التأبيني الثاني لفقيد الأدب والصحافة ببلادنا، الكاتب الراحل الأستاذ عبد الجبار السحيمي، رحمه الله، الذي ينظم في ذكرى أربعينية كاتبنا الراحل، بعد اللقاء التأبيني الكبير؛ لقاء الوفاء والاعتراف الذي نظمه اتحاد كتاب المغرب، قبل أيام، في ذكرى رحيل كاتبنا الكبير، بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط. وأود أن أشكر الإخوة في اللجنة التنظيمية لأربعينية الفقيد على دعوتهم لاتحاد كتاب المغرب، للمشاركة في هذا اللقاء الاحتفائي المؤثر، كما أشكركم على حضوركم بكل هذا الزخم والبهاء والصدق، لنستعيد جميعا في لقاء وفاء واعتراف، ذكرى رحيل إنسان نادر، ووطني فذ، وصديق عزيز، وصحفي مقتدر، وهامة إبداعية وارفة. نلتئم في حضرة الغياب، ولنؤكد مرة أخرى على مدى محبتنا وتقديرنا ووفائنا لأستاذنا عبد الجبار السحيمي، في حياته وفي رحيله القاسي... حينما أهدينا، بكل اعتزاز، العدد الأخير من مجلة اتحاد كتاب المغرب "آفاق"، الخاص بالقصة القصيرة المغربية، للأستاذ عبد الجبار السحيمي، كنا نوثر أن نوصل إليه، بطريقة أخرى، امتداد وفائنا له كقاص وأديب، إذ لم نكن نعلم أن إهداءنا ذاك سيكون الأخير الذي داعب نفس مبدعنا المطمئنة بهدوء وصفاء، قبل أن ترجع إلى ربها، راضية مرضية. ستظل ذاكرة الأستاذ السحيمي حية، متوهجة، مشعة في مشهدنا الثقافي والصحفي، وهاهي روحه الطافحة بالفرح والمتلألئة به، تشتعل أمامنا من جديد، في لقاء ثان يستحضر روح الفقيد ويخلد ذكرى رحيل صرح إنساني وأدبي وإعلامي كبير، بالنظر إلى ما يمثله الأستاذ السحيمي، لمنظمتنا وللمغرب الثقافي والإعلامي عموما، من قيمة إنسانية وثقافية وإعلامية فريدة، هو الذي قدم الشيء الكثير لاتحاد كتاب المغرب منذ تأسيسه، ويشهد له، في هذا المقام، بعطائه الكبير، وبجهوده المضيئة، وبمواقفه الجريئة، وكلنا يستعيد جانبا منها فيما قام به كاتبنا الراحل من أدوار طلائعية في المؤتمر الرابع للاتحاد بمدارس محمد الخامس، ضدا على المتسللين والرجعيين والدخلاء... هذا، فضلا عما لعبه الفقيد من أدوار ريادية مؤثرة، في حرصه الشديد على عنفوان منظمتنا، وعلى حضور أنشطتها، وعلى استمراريتها شامخة، محتضنا أعضاءها من الأجيال المتعاقبة، يدعمهم، ويعرف بهم وبإنتاجهم الأدبي والثقافي على الصفحات الثقافية لجريدة "العلم". من هنا، فإن استعادتنا اليوم لذكرى رحيل صاحب "الممكن من المستحيل" بخصوبتها، وبزخمها، وبحضورها الكثيف، وبتنويعاتها الإنسانية والثقافية والدلالية المختلفة، كفيلة بأن تهون علينا قسوة الغياب وألمه. ويكفينا أن نستعيد الموقع الرمزي الكبير الذي احتله الأستاذ السحيمي - وسيظل- في فضائنا الإنساني، وفي مشهدنا الثقافي والإعلامي الوطني، بأسلوبه الخاص في الحياة، وبكتاباته الأدبية والصحفية المضيئة، وبدوره الطلائعي في تأسيس الصحافة الثقافية وتطويرها ببلادنا، وهو ما تشهد له به أيضا إدارته لمجلتين ثقافيتين رائدتين لم يكتب لهما الاستمرار، عدا دوره اللافت في خلق صفحة ثقافية بالعلم قبل أن تتحول في عهده أيضا إلى ملحق ثقافي متكامل، مازال ممتدا ومتوهجا إلى يومنا هذا... وبذلك يعتبر الأستاذ السحيمي، في هذا الباب، ضمير جيل بكامله، وخير شاهد على مرحلة تشكل وعي وإبداع وفكر وإعلام جديد في بلادنا، منذ ستينيات القرن الماضي. فضلا عن ذلك، عرف فقيدنا الفذ بخصاله وأخلاقه العالية، وبهدوئه وتواضعه وصدقه وكرمه ورهافة أحاسيسه ونقاء لسانه وعبارته، كما عرف بتذوقه الكبير للحياة وإقباله الشديد عليها، في عشقه الرفيع لكل ما هو جميل في الكون، هو الأقرب إلى نبع الشعر منه إلى نثرية حياة محتملة، وهو ما جعل من فقيدنا علامة فارقة في وسطنا الثقافي المغربي، إذ ظل مبتعدا عن الأضواء، مفضلا الاحتماء بمكتبه نهارا وببحره ليلا، مع ما يتخلل تلك اللحظات من عشق خاص لكتابة المقال والخاطرة والقصة والتقاط تفاصيل الحياة وشظاياها، في تبدلاتها ومفاجآتها.. ويحكي الأصدقاء عن صفاء مسامرات كاتبنا الراحل وعن متعة أحاديثه وحكاياته وجلساته، فضلا عما كان يتحلى به الرجل من وفاء نادر لوطنه، ولمؤسسته الحزبية والإعلامية، بعيدا عن أي تعصب أو انغلاق أو أنانية. موازاة مع ذلك، عرف كاتبنا الراحل بنزعته التمردية، نتيجة ما كان ينتابه من قلق وهواجس تجاه مصير وطنه، كما اشتهر بدفاعه المستميت عن النبوغ المغربي، وبالتعبير الصريح عن مواقفه والجهر بآرائه، دون أن يخشى في ذلك لومة لائم، في شهادته على عصره، وفي تعبيره وتحليله لقضايا بلده، بما يعتري وطنه من تناقضات ومفارقات وإحباطات، فقط من أجل مقاومة الظلم والجهل، ومن أجل الحرية والتحرر والعدالة والكرامة والأمل، وتلك قضايا عكستها مواقف كاتبنا الراحل وكتاباته الصحفية الجريئة، تلك التي أوصلته، في زمن مبكر، إلى ردهات المحاكم. تعددت الخصال والمناقب، وعبد الجبار واحد، فلتنم "مولاي" عبد الجبار قرير العين هانيها، وارف الظل مطمئن البال، أما نحن، فسنظل أوفياء لك ولأسرتك ولأفقك ولكتاباتك، تلك التي دبجتها بخط يدك الحنون، طوال "أيامك ولياليك"، ولن يسعنا سوى أن نشكرك على كل هذا الحب الذي غمرتنا به، في حضورك وفي غيابك.. وهل حقا غبت عنا، رحمك الله. الحضور الكريم؛ يشرفني، باسم اتحاد كتاب المغرب، وباسمكم جميعا، أن أتقدم بطلب خاص وإنساني إلى السادة الوزراء: وزير الإعلام، ووزير الثقافة، ووزير التربية الوطنية، ليتفضلوا، مشكورين، بإطلاق اسم فقيدنا الكبير الأستاذ عبد الجبار السحيمي، على إحدى المؤسسات، الإعلامية والثقافية والتربوية، التابعة لقطاع كل وزير، على امتداد ربوع وطننا العزيز، لما يشكله ذلك بالنسبة لذكرى فقيدنا من قيمة رمزية ومعنوية واعتبارية، وأيضا لما ستقدمه هذه المبادرة الإنسانية اللافتة، وخصوصا بالنسبة للأجيال القادمة، من عبرة ودرس وقدوة في الإخلاص والوفاء؛ وفاء وطن لأحد أبنائه البررة، واعتراف جيل بفضل فقيدنا عليه، وبما تركه من أثر بالغ في مجتمعه، في حياته وبعد رحيله. * رئيس اتحاد كتاب المغرب