وقفنا بالأمس عند الفقرة الثانية من مادة (136) من مدونة الأسرة وتتميما لما بدأناه نشير إلى أن الفقرة كما هي تنصرف فيمن تنصرف إليه الى المطلقة الصغيرة التي لم تحض أصلا. وهذه العبارة عند التدقيق فيها لا تنصرف إلى الكبيرة التي لا تحيض اذ فرق بين لا تحيض والتي تصدق على الكبيرة في حالة مرضها والصغيرة التي لم تحيض بعد. اما عبارة (لم تحض ) فهي تنصرف أساسا إلى الصغيرة وهو امر لاحظه بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى:( والئي لم يحضن ) اذ كتب العلامة ابن العربي في الأحكام (دليل على أن للمرء ان ينكح ولده الصغار، لأن الله تعالى جعل عدة من لم يحض من النساء ثلاثة أشهر، ولا تكون عليها عدة إلا أن يكون لها نكاح فدل ذلك على هذا الغرض وهو بديع في فنه) (ج 4 ص 217). اذن فالمدونة فتحت الباب لهذه (المخالفات) القانونية التي تحصل والتي من بابها يدخل من يستفتي ومن يفتي خارج النصوص القانونية وليس خارج الفقه وما تداوله الفقهاء، وينبغي هنا أن نشير إلى أن موضوع تزويج الأطفال ذكورا وإناثا ليس خاصا بالمجتمع العربي بل هو عام في المجتمعات الإنسانية قديما ولكن التطور الذي حصل في وعي الناس وما قام به المصلحون جعل الأمر متجاوزا إلا لأسباب خاصة ولذلك يتولى دراستها الجهات المعنية بذلك يمكن فيها تزويج القاصرين وليس الاطفال في سن التاسعة. وهكذا يتضح أن ما دفع به المجلس العلمي من الخصوصية غير وارد وإسقاط الخصوصية في الواقع هو الشق الأول من مقال الدكتور أحمد الخمليشي المنشور في الاتحاد الاشتراكي عدد 8998- 16/10/08 غير أن ما ذهب إليه الأستاذ الخمليشي في حصر الآية وتفسيرها فيمن وجدت فيهن عيوب خلقية او بيولوجية أمر لا يعارض المحمل الأول يعني الصغيرة وهو ما بنى عليه الأقدمون ومن تبعهم من المعاصرين كصاحب الرأي المنتقد وتقييده بالرشد مثل ما جاء في الأيتام أمر بعيد اذ لا يخفى على الأستاذ الفرق بين التصرفات المالية والنكاح. فالأستاذ يدرك أن فقهاءنا وحتى فقهاء القانون المدني يميزون بين أنواع الرشد اذ في غالب الأحيان لا يجعلونها في سن واحدة والبلوغ محدد بعلاماته المقررة او بثمانية عشرة سنة ولكن الرشد الذي هو حسن التصرف فأمر آخر وعلى أي حال فان النكاح يحاول الفقهاء دائما أن يجدوا له حلولا وفق قاعدة انه مبني على المكارمة ولا يدخله ما يدخل غيره من المعاملات الأخرى. ان من بين الأمور التي أثيرت بسبب هذه النازلة السن الذي تزوج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد ناقش الدكتور الخمليشي الموضوع في مقاله إلا انه مع الأسف تناوله بعبارات وبكلمات كان الأجدر بالأستاذ وهو في مكانته العلمية والأدبية ان يستعمل أسلوبا آخر وان كان اتى بذلك لنقده ولكن مع ذلك فان المقام في نظري يقتضي أسلوبا آخر. وعلى أي فان نقد رواية سن عائشة حين تزويجا رضي الله عنها جد فيها جديد هو ما نشرته الصحافة المصرية ونقلته صحف أخرى عنها، ومن بينها الصحف المغربية والقرائن التي جمعها صاحب البحث تؤدي الى ان الزواج تم وكان سن عائشة رضي الله عنها بين السابعة عشرة والثامنة عشرة وليس سن التاسعة وقد كان المفروض في هذا الصدد ان يتولى نخبة من العلماء من المجلس العلمي الأعلى والمجالس المحلية ودار الحديث الحسنية الموضوع واستخلاص ما يجب استخلاصه من نقد الروايات ومقارنة بعضها ببعض بأسلوب علمي رصين يحق الحق ويبطل الباطل في هذا الصدد . لقد ظل المسلمون في القرون الأخيرة ومنذ بدأ المستشرقون ومن يسايرهم في إثارة هذه الشبهة ويبنون عليها ما يشاؤون من التخرصات وكان المسلمون يدافعون عن هذا الأمر باعتبار ما ورد لدى المحدثين والفقهاء والمؤرخين فيجدون في المناخ وفي اختلاف البيئة وطبائع الناس ما يدفعون به الشبهة كما يجدون في تقاليد المجتمعات وما درجت عليه آنذاك وبعد ذلك من قبول هذا الوضع وربما تحبيذه ما يدفعون به ما يرد من طرف ذوي النوايا والأغراض السيئة . ولا شك ان إيجاد قرائن تاريخية واعتماد نقد السند وغير ذلك مما جمعه الباحث يفتح الباب امام الباحثين في الرواية الحديثية وفي التاريخ لعلهم يصلون الى رأي جديد وحقيقة جديدة في الموضوع تزيح عن الأمر ما يكتنفه وتدفع الحرج لدى كثير من الناس الذين لم يعد قبول تزويج الأطفال في سن غير مقبول ولا مناسب. ان ما اشرت اليه في هذه الآراء والتي قبلها كانت مقدمة لما أردت في الواقع ان أثير من خلال بلاغ المجلس العلمي الاعلى ورد الشيخ المغراوي والذي يتجاوز أمرا تاريخيا وفقهيا واجتماعيا الى أمر أخطر من ذلك ويرجع بالأساس الى العقيدة وهو ما سأحاول مناقشته في حديث مقبل.