وصلت الرباط إلى قناعة مفادها استحالة مواصلة العمل مع كريستوفر روس المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، بعدما تواترت لديها معطيات كثيرة تؤكد مغادرة روس لموقع المسؤول الأممي المؤهل بحياديته ونزاهته في تدبير نزاع بالغ التعقيد، واتضح الآن أن الرباط كانت تنتظر الفرصة المناسبة جدا لإعلان هذا الموقف، وجاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي قدمه أمام مجلس الأمن والذي يعده مبعوثه الشخصي النقطة التي أفاضت الكأس، لتنتهزها الرباط فرصة سانحة لإعلان معارضتها لاستمرار المسؤول الأممي في الإشراف على هذا الملف الكبير. وتسجل الرباط العديد من المؤاخذات على روس، والتي وصلت حد الإضرار بالمصالح والحقوق المغربية وأيضا التواطؤ مع خصوم المغرب التقليديين في هذا الملف. وهكذا ترى الرباط أن روس ألقى بجميع الجهود الكبيرة التي بذلتها أجهزة الأممالمتحدة في هذه القضية وأصر على البداية من نقطة الصفر، وكان الهدف الحقيقي من هذه الخطة الجهنمية هو إغفال جميع قرارات مجلس الأمن خصوصا تلك التي تصف الجهود المغربية بالمصداقية في إشارة إلى مشروع الحكم الذاتي، وتلك التي تطالب بإيجاد تسوية سياسية دائمة ومقبولة من جميع الأطراف، بما يعني قرار مجلس الأمن بإدارة ظهره للاستفتاء والبحث عن تسوية سياسية، بل ما قام به روس لحد الآن كان يعاكس هذه الإرادة الدولية، بأن بدأ يصر على استعمال لفظة الاستفتاء بمناسبة وبدون مناسبة، وهذا ما كان ولا يزال يعني أن روس كان يصرف قناعة شخصية ذاتية لا تتجاوب مع إرادة المجتمع الدولي، ولم يدخر هذا المسؤول الأممي أي جهد في الضغط على الرباط بورقة حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية، وهذا لم يكن شغله ولا اختصاصه، لأنه كان مكلفا بالإشراف على الملف وليس بفرض الحلول خارج دائرة قرارات مجلس الأمن، ونجح روس أخيرا في أن يتوج مجهوداته بأن ضمن تقرير بان كي مون الأخير الذي قدم أمام مجلس الأمن مشروع فقرة تدرج حقوق الإنسان ضمن صلاحيات المينورسو، إلا أن الديبلوماسية المغربية نجحت في إفشال هذا المسعى الذي تم بين روس والجزائر وجنوب افريقيا، والمثير بل والفاضح جدا في الأمر أن روس الذي يبدو غيورا على حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية لا تحكمه نفس الغيرة على حقوق الإنسان في مخيمات تندوف حيث يسارع إلى ابتلاع لسانه كلما تعلق الأمر بالأوضاع الجد متردية الخطيرة جدا لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف وزاد روس كثيرا من الملح في وجبته المسمومة بأن حرص على أن يطلق يد المينورسو خصوصا الموجودة في أقاليمنا الجنوبية بإعطائها صلاحيات لاحق لها فيها، بل إنها تعود إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وطبعا فإن روس لم يكن يسعى ليعطي نفس الصلاحيات للمينورسو بالجهة الأخرى. ورغم أن قرارات مجلس الأمن لم تخل في مرة من المرات من المطالبة الصريحة بإجراء إحصاء دقيق لأعداد اللاجئين بمخيمات لحمادة، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها المنظمة الدولية المختصة باللاجئين ورغم تذكير الرباط المتكرر بذلك فإن روس وضع القطن المبتل بالمياه الباردة في أذنيه ولم يقدم أية مبادرة في هذا الصدد، وكان بذلك متواطئا مع جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر اللذين يرفضان إجراء أي إحصاء لهؤلاء اللاجئين ببساطة لأن هذا الإحصاء سيبين أعدادهم الحقيقية التي تقل كثيرا عن الأعداد التي تعلنها الجبهة والجزائر لتضخيم حجم الملف وللمتاجرة أفضل بالمساعدات الدولية التي تتلقاها الجبهة. ومن الناحية الموضوعية فإن الرباط ترى أن روس لم يقدم أي شيء من شأنه الخروج بالقضية من المأزق، فلقد أشرف لحد الآن على تسع جولات من المفاوضات غير الرسمية بين الطرفين دون أية نتيجة، وكأنه يتعمد إنهاك الطرفين خصوصا المغرب بمفاوضات عقيمة جدا ليتسنى له فرض إرادته. وبعيدا عن قراءة تفاصيل المسار الذي قطعه المسؤول الأممي في هذا الملف لحد الآن، فإن الجميع يستحضر أن روس اشتغل سفيرا لبلاده الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجزائر لسنوات طويلة، وقام بدور الوسيط في الكثير من المرات في صفقات أسلحة بقيمة كبيرة جدا في كل مرة بين الجزائروالولاياتالمتحدة، ومن يدري ماذا كان روس يستفيد من ذلك، وربما يكون هذا الماضي لايزال يحاصر روس. ويمكن القول بأن مطالبة المغرب رسميا بإبعاد روس عن الإشراف عن هذا الملف يندرج في سياق ما أقدمت عليه الأممالمتحدة خلال شهر غشت من سنة 2008 حينما أبعدت المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة السيد بيتر فان فالسوم بعد أقل من ثلاثة أشهر ونصف على تضمين فالسوم مذكرته المتضمنة لملاحظاته وتقديراته لتسويه هذا النزاع المفتعل وخلص إلى مقولته الشهيرة «إن استقلال الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا» وكانت الجبهة والجزائر أقامتا الدنيا ولم تقعدانها بدعوى أن فالسوم لم يعد مؤهلا للإشراف على هذا الملف.