حميد شباط وفاطمة طارق جمعهما سقف استقلالي واحد فكانت الأسرة الصغيرة وأحلام مغرب جديد تنكسر فيه إرادة الهدم وتقوم فيه للحرية والكرامة قائمة، منذ رحلة الهروب الكبير عشية إحدى الليالي الباردة من ليالي دجنبر 1990 حيث الإضراب العام، وساعات التحقيق الطويلة التي قضتها فاطمة في مخافر الشرطة، كان القدر يخبئ لهذه الأسرة المناضلة والبسيطة كثيرا من الحكايات والأحداث حتى أن حميد شباط ظل مسجلا كمبحوث عنه في سجلات شرطة الحدود علما أن أحكام البراءة قد صدرت وأن الرجل أصبح نائبا برلمانيا في انتخابات 1990 وهذا لم يمنع إيقافه في المطار وهو في مهمة رسمية قبل تدارك الأمرمن السلطات المركزية... أعرف أنك تعشق أبناءك كما يفعل الأباء الصالحون وأعرف أن السياسة والنقابة قاسمتهم والدهم، كما تفعل مع أبنائنا وأبناء كل من اختار طريق النضال والعمل في الواجهة العمومية، وأعرف أنك كنت ومازلت حريصا على تتبعهم في زحمة الانشغالات اليومية، وأعرف أنهم شربوا النضال منذ نعومة أظفارهم، فكانوا في واجهة الأحداث مع البسطاء في الشارع يدافعون عن حزب الاستقلال وعن الوالد النموذج، فكانوا يثيرون فينا دهشة جميلة , فقد تعودنا من السياسيين أن يبعدوا عائلاتهم عن صخب السياسة والانتخابات، أما أنت فكنت منسجما مع نفسك وعندما كنت تنادي في الناس بضرورة تحمل مسؤوليتهم والانخراط في الأحزاب والعمل السياسي، كنت تفعل ذلك وأنت تقرن القول بالفعل، البعض كان ذلك يثير إعجابهم والبعض الآخر يثير استهجانهم، وكنت أنت تمضي في طريقك دون أن تشغلك التفاصيل الصغيرة... أعرف أنك قوي بما فيه الكفاية وأعرف أنك في هذه اللحظات تحركك مشاعر الأب وأعرف أن فاطمة التي خرجت حديثا من محنة المرض تفيض بمشاعر الأمومة الرائعة وتمنحك طاقة لا تنضب، وأن يحكم اليوم على نوفل ظلما بالسجن لكسر إرادة الوالد وجعله ينحني للأقزام، فهذا وهم الواهمين ممن يجهلون طبعك وتربيتك وتربية أبناك، فأنا أعرف أن نوفل هو جدار الصد الأول قوي العزيمة إبن شباط أصيل. أعرف أن حكما كالحكم الذي صدر في حق نوفل يجعلنا جميعا في حالة سراح، فأن يقرر قاضي الإدانة بناء على تصريحات من له سوابق إجرامية ومعتقل في السجن، وعندما يتوقف القاضي عن شهادة كيدية واحدة من أصل 40 شهادة للنفي، تصبح كل مقرارت القانون التي درسنا لا تصلح سوى أن تكون علفا للبهائم، ومن الأفضل لنا جميعا أن نسلم رقابنا لهذا النوع من القضاء حتى لا نتابع غيابيا، فمثل هذا النوع من القضاء يمكن أن تنتظر منه أي شيء وكل شيء، هكذا يحكم الناس بدون أدلة، بدون تلبس، بدون محجوزات وبدون إعتراف كسيد للأدلة، والحقيقة هو أن هذا القضاء هو من يريد أن يذيقنا المذلة، ليس لأسرة أو لحزب أو لنقابة بل لبلد برمته. هكذا شاءت إرادة البعض أن تذبح العدالة في نفس اليوم الذي شكلت فيه لجنة عليا لإصلاح العدالة من قبل الملك ومبادرة من وزير العدل والحريات، وفي نفس يوم إطلاق سراح قاضي طنجة المتهم بالرشوة بعد تراجع الراشي المفترض عن أقواله الأولى، حيث يتضح أن نيران الظلم لا تستثني القضاة أنفسهم، وهذا سبب كافي كي نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على الوطن. يجب أن نخاف فعلا عندما يكون القضاء في خدمة أفراد ومجموعات، يجب أن نخاف فعلا عندما يتم زج الأبرياء في السجون وتصفية الحسابات السياسية بواسطة القضاء وعلى حساب الأبناء، إننا بهذا نخطو الخطوات الأولى نحو نماذج من الفساد أجهزت على بلدان بكاملها..لحسن الحظ أن هناك قضاة رجالا ونساء لازالت لديهم غيرة على مهنة العدالة التي جعلت أساسا للملك، فعندما تغيب العدالة وينتصرالظلم فهذا معناه أن النهاية الأحلاقية للأمة مسألة حتمية. أعرف يا أخي حميد وأختي فاطمة أنكما قد تعودتما على مثل هذه المحن، وأعرف أن إرادتكما أصلب من وهن البعض على أنفسهم وعلى هذا الوطن، وأن نوفل إبننا وأخونا جميعا، وأن الإستقلاليين والإستقلاليات تعودوا على مواجهة الشدائد في صمت, لكن هذه المرة لن يكون الصمت رسالتنا، وسيسمع العالم هذه الحكاية مهما كان الثمن ولنا يقين بأنه لازال في هذه البلاد قليل من الحكمة وإنحياز للعدالة وهو ما ننتظره في الإستئناف.