لعل من أهم الإكراهات التي تواجه الحكومة الجديدة هو عجز الميزانية والذي عادل السنة الماضية 6,1 % من الناتج الداخلي الخام، ساهم فيه من جهة عجز الميزان التجاري الذي وصل إلى مستويات قياسية مما أثربشكل سلبي على احتياطي بلادنا من العملة الصعبة الذي لا يتعدى حاليا 5 أشهر، بالإضافة إلى ارتفاع تحملات صندوق المقاصة أمام تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على بلادنا.وإذا تمعننا في تركيبة الاقتصاد الوطني، نجد أن نسبة مساهمة المواد المصنعة في الاقتصاد ضعيفة ،وذلك مقارنة مع قطاع الخدمات أو المواد الأولية غير المصنعة، وهوما يجعل اقتصادنا هش ورهين بعوامل غير متحكم فيها. هكذا، فإذا أردنا بناء اقتصاد قوي ومستدام، وجب نهج نفس طريق الدول المتقدمة التي اعتمدت، لخلق الثروة،على اقتصاد قوامه الصناعة وخاصة تلك المرتكزة على التكنولوجيا العالية. ونظرا لارتباط هذا الميدان بالبحث العلمي فإن هذه الدول أولت اهتماما خاصا بهذا الأخير وتعمل على دعمه رغم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. إن الاهتمام بالبحث العلمي ودعمه يؤدي إلى تنمية الاقتصاد وضمان تنافسيته ؛ فمعدل النمو الذي يرصد تطور الناتج الداخلي للدول أصبح مرتبطا، حسب مجموعة من الدراسات، بمدى تمكن الدول من ترسيخ اقتصاد المعرفة كأحد الدعامات الأساسية للاقتصاديات الوطنية ؛ كما أن البحث العلمي مطالب بجعل التكوينات داخل الجامعات ملتصقة بالمستجدات العلمية، وبتوفير جودة عالية تساير التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي العالمي، وتمكن المجتمع من الكفاءات الضرورية لتنميته. لقد أولت الحكومة المغربية اهتماما خاصا بهذا المجال حيث خصصت، عند تقديم برنامج عملها، فقرة تتناول فيها طرق وآليات تطوير منظومة البحث العلمي والتكنولوجي،وهو ما لم يكن موجودا في التصريح الحكومي المقدم في أكتوبر 2007 من طرف الحكومة السابقة. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الإعلان عن هذه التدابير كاف للنهوض بالبحث العلمي الى المستوى الذي يمكنه من القيام بالمهام السالفة الذكر؟ لذا يجب الإجابة على إكراهات القطاع التي نعرض البعض منها: نقص في تحديد الأولويات وضعف في الإمكانيات: فبالرغم من وجود استراتيجية وطنية للبحث صيغت بإشراك واسع للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، تم ضمنها تحديد الأولويات، إلا أن عدم التدقيق في هذه الأولويات وضعف الاعتمادات المالية المرصودة تحول دون تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية؛ فميزانية البحث لا تمكن من إرساء بحث علمي ناجع في كل الأولويات المحددة حيث أن الميزانية المخصصة في إطار المخطط الاستعجالي 2009-2012 ضعيفة (9 % من الموارد المخصصة لتمويل المخطط)، أما تلك المقترحة في القانون المالي (حوالي 60 مليون درهم كاستثمار) فهي لا تساوي إلا %0,1 من ميزانية الاستثمار العامة، بينما مخصصات الصندوق الوطني لدعم البحث العلمي والتنمية التكنولوجية فقد انخفضت مخصصاته من 25 مليون درهم المرصودة سنة 2011 إلى 22,5 مليون درهم المقترحة برسم سنة 2012. كما لا نجد، في مشروع قانون المالية، آليات تشجع شركاء آخرين على المساهمة في تمويل البحث العلمي. قلة التدابير التحفيزية للفاعلين المباشرين في القطاع من أساتذة باحثين وباحثين وطلبة. إن تجهيز المختبرات،وربط ترقية الأساتذة الباحثين داخل الجامعات بنتائج البحث العلمي، وإنشاء نظام محفز للباحث، وإحداث إطار خاص بالطلبة الباحثين، وتشجيع المتفوقين من الطلبة على مزاولة البحث العلمي عوض التوجه المبكر لسوق الشغل، أمور ضرورية للنهوض بالمنظومة واستدراك التراجع الحاصل في مخرجات البحث العلمي. هذا التراجع يتجلى في مرور المغرب، على الصعيد الإفريقي، من المرتبة الثالثة التي كان يحتلها سنة 2003 إلى المرتبة السابعة حاليا. ويجب في هذا الباب تثمين الجهد المبذول، والمتمثل في الرفع من قيمة المنحة المخصصة للطلبة المسجلين في سلك الدكتوراه ومن عدد المستفيدين منها (من 522 مستفيد موسم 2007-2008 إلى 3122 في 2010-2011). ضعف الحكامة ، حيث نسجل تعدد وضعف التنسيق بين المتدخلين إن من ذوي الاختصاص كالوزارة الوصية، وأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، واللجنة الوزارية الدائمة للبحث العلمي والتنمية التكنولوجية، والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، أو بين القطاعات الحكومية التي تهتم بالبحث العلمي كوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة التي تقترح تمويل برامج بحث في مجال الطاقات المتجددة، أو وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة المهتمة ببعض محارب الامتياز في التكنولوجيات النانوميترية. أما فيما يخص التنسيق بين الجامعات والمؤسسات العمومية للبحث العلمي والتنمية،في المواضيع ذات الاهتمام المشترك المتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والذي يتم عبر أقطاب الكفاءات في البحث، فيجب تقييم عمل هذه الأقطاب وتقويمه بناء على أولويات مدققة تكون أساس دفتر تحملات متعاقد حوله. وفيما يخص حكامة البحث العلمي داخل الجامعات، فيمكن القول أن مراكز دراسة الدكتوراه التي أنشئت سنة 2006 لتأطير البحث العلمي الجامعي لم تلعب الدور المنوط بها، مما يحتم البحث عن حلول لتجاوز الاختلالات. هذا ويجب التذكير أن الاهتمام بالبحث العلمي في المغرب حديث العهد حيث أن إنشاء أول سلطة حكومية مختصة، وهي كتابة الدولة في البحث العلمي، كان سنة 1998؛ وهي التي عملت على وضع اللبنات الأولى للسياسة الوطنية في مجال البحث ؛ إلا أنه إذا أردنا الارتقاء بمنظومة البحث العلمي حتى تكون المحرك الاقتصادي والاجتماعي الفعال الذي يمكن من قفزة تنموية نوعية لمجتمعنا، وجب الاهتمام به، ودعمه، والرفع من الميزانية المرصودة له؛ وذلك على غرار البرامج والمشاريع المهيكلة الكبرى الوطنية، مع العلم أن نتائجه لا تظهر إلا على المدى المتوسط .