خلفت دفاتر تحملات القطب العمومي في الإعلام ردود فعل كبيرة جدا ويبدوا أن هذه الردود بدأت تخرج عن الملاحظات المهنية إلى ساحة المواجهة السياسية والإيديلوجية المفتوحة، ويظهر بأن هناك ضوء أخضر للجميع حتى تكةن هذه اللحظة، لحظة للسجال العام وتقديم جميع المواقف بما فيها موقف مسؤولين عموميين عن القنوات العمومية، كانت العادة أن يلزموا الصمت وإن تحدثوا فإنما يتحدثون بتعليمات، وهنا نستحضر الحوار المطول الذي أجرته الأحداث المغربية مع السيد سليم الشيخ المدير العام للقناة الثانية، التي إستنفر دفتر التحملات الخاص بها أغلبية وجهات النظر التي إطلعنا عليها خلال الأسبوع الأخير، ومن حديث الشيخ يظهر أن المواجهة لن تكون سهلة، وأن هناك تيارا واسعا ليس مستعدا لكي يسلم للخلفي الإعلام العمومي على طبق من ذهب. قبل تحديد موقف من دفتر تحملات وزير الاتصال، لابد من توجيه النقد الضروري لعدد من الجهات الإعلامية التي تصور أمر دفتر التحملات على أنه هو العاهة الوحيدة في الإعلام العمومي المغربي، أو أن هذه الدفاتر هي من سيلحق تشوهات بصورة الإعلام البصري المغربي، بينما نفس الجهات الإعلامية لو تتذكر انتقاداتها وملاحظاتها عن التلفزة المغربية وخاصة القناة الثانية، والرداءة التي وصلتها وأفقدتها في كثير من الأحيان طابع القناة الوطنية التي يجب أن تكون حريصة على الذوق العام ومقومات الهوية الوطنية و على رأسها اللغات الوطنية، وهو تقييم مشترك بين المغاربة في أحاديثهم اليومية...لما تحدثت بكل هذا الحماس منتقدة لدفاتر تحملات ربما سبقت موعدها، وانتقلت من رسم خارطة طريق جديدة للإعلام العمومي إلى ممارسة نوع من الوصاية القبلية عليه، وكأن من كتبوا هذه الدفاتر تصرفوا بعدم ثقة مسبق فيمن يتحملون مسؤولية تدبير الإعلام العمومي، وعوض تغيير الوجوه تم تفضيل تغيير الأداء بشكل إجباري، ومن لا يتفق عليه أن يرحل بإرادته. دفاتر الخلفي دخلت في تفاصيل التسيير اليومي للقنوات وخاصة القناة الثانية بشكل يخل بالإعتبارات المهنية وبفلسفة دفاتر التحملات التي تحدد المبادئ التوجيهية العامة، وأن السيد الخلفي كان بإمكانه الاكتفاء بتحيين دفتر التحملات الحالي وخاصة من زاوية تعزيز الطابع المغربي للقناة وإعادة الإعتبار للغات الوطنية والنقومات الثقافية والحضارية، على أن يتلو إصدار هذه الدفاتر وبداية العمل بها إجراء تغييرات واسعة بالنسبة للمسؤولين عن تنفيذ دفاتر التحملات الجديدة، أما التدخل في تفاصيل التدبير المهني لشبكة البرامج، فإن هذا لا يعني سوى إرادة للتحكم، لايمكن تفسيره دائما بحسن النية، فالتحكم في الإعلام مسألة مرفوضة ولا تساعد على تطوير التجربة الديمقراطية الفتية ببلادنا، وأن ما كان منتظرا من الخلفي هو تعزيز الإنفتاح على القطاع الخاص بالنسبة إلى التلفزيون بدل مطاردة الساحرات في قنوات شاخت وما عاد لها تأثير يذكر، وأن دعم ظهور تلفزيونات خاصة , كفيل وحده بتحسين الأداء الرديء للإعلام العمومي ,أو إنهاء بصفة نهائية. السيد الخلفي كان يجب عليه أن يعلم بأن مسألة الإعلام العمومي وخاصة السمعي، لاتهم فصيلا معينا أو إختيارا سياسيا وإيديولوجيا محددا، بل هي مسألة تهم كل المجتمع وكل تعبيراته السياسية والإيديولوجية والمدنية والإجتماعية، وبالتالي كان من الأفضل أن يكون هناك حوار وطني بمدى زمني معقول لإنضاج الحلول الناجعة والكفيلة بإخراج إعلامنا العمومي من الرتابة التي تقتل المواهب الصحفية الوطنية أو في أحسن الأحوال تجعلها تغادر إلى فضاءات أخرى لتصنع أمجادها، ويكفي متابعة العديد من الصحفيين المغاربة في القنوات الفضائية الدولية، وأدائهم المهني العالي بها. إن الإعلام العمومي المغربي يعاني من عاهات كبيرة وخطيرة وعلى رأسها التحكم والتسيير عن بعد، فلا يجب أن تتحول دفاتر التحملات إلى ترسيم لواقع التحكم هذا، بمضمون وإخراج جديدين.